بقلم:اسماعيل ابوزيد

بالأمس كنت في زيارة لصديقي المريض الذي كان في حالة يرثى لها، عندما نظرت له في اللحظة الاولي ومعظم أجهزة الإنعاش مركبة عليه من محلول وأكسجين وهو بالكاد يكون في غيبوبة تامة، يدير راسه يمينا ويسارا وينظر نظرة خافته بعينه ثم يغلقها، وعندما وقعت عينه على فاذا به في قمة الانتباه ينظر الي ما في يدي، ثم حرك يده ونزع أجهزة المحلول والاكسجين وقام منتفضا وكأنه لم يكن به مرضا وهو ينظر الي نظرة ثاقبة وقام واخذني بالحضن وإذا بالدموع تنهار من عينه بشكل غزير، يا بني مالك في ايه؟!!! فاذا به يتمتم بهذه الكلمات وهو يبكي، كنت عارف انك مش هتتخلى عني. اتخلى عنك ازاي يا عم ألف سلامة عليك، ثم أكمل وهو يجهش بالبكاء انت ما تعرفش كمية السعادة اللي ادخلتها في قلبي، طب يا عم خلاص ما تبكي ان شاء الله تبقى كويس، فاذا به صارخا لا... انا من اللحظة دي وانا في كل صحتي !!!

يا بني في ايه بس ؟!!!

انت ما تعرفش زيارتك لي عملت في ايه، انت مش متخيل ان كيلوا الطماطم اللي انت جايبه معاك ده عندما رايته دبت الحياة في كل ذرة في جسدي.

يا راجل!!!

انا مش عارف من غيرك كنت هعمل ايه مع السمك المشوي.

لا لا انت شكلك فهمت غلط، فاذا به ينظر نظرة ترقب وسكت الجميع من حولنا وسكت كل الكلام عندما تذكرت ان كيلوا الطماطم ممكن يضيع مني تملكت الشجاعة ووضعت ذلك الكيس خلف ظهري لمحاولة اخفائه عنه وعن كل من في الحجرة وحاولت تجميع قواي وقلت له لا ... كيلوا الطماطم ده انا جايبه للبيت، انا كنت في السوق ولما سمعت أنك مريض قولت أعدي عليك، ما تفهمني غلط، انت ما تعرفش انا حرمت نفسي من حجات كتير جدا عشان اشتري كيلوا الطماطم ده.

فسقط مغشي عليه، وصرخ الناس دكتور، شوفولنا دكتور بسرعة، وانطلقت أجهزة الإنذار لتخبر الطبيب ان هناك مريض في حالة حرجة، فاخذت كيس الطماطم في قبضة يدي واخذت اجري بدون هوادة وانا انظر خلفي هل هناك أحد يتبعني او لا وكل ما يراني يسال في ايه ؟!!!

وانا اركض ولما خرجت من المستشفى ولم يكن أحد يتبعني شعرت بالراحة، وأخيرا وصلت البيت ومعي الكنز الأحمر أكثر من سبع حبات طماطم يتعدى ثمنها عشرة جنيهات، وانا امسكها واهزها حمدا لله على السلامة يا حمرا.

ثم علمت في اليوم التالي ان صديقي قد دخل العناية المركزة إثر ازمة قلبية شديدة تعرض لها.

من المؤكد ان ما سبق على سبيل السخرية ولكنه يمس الواقع الذي لم نعد نستطيع الا ان نسخر منه، مسكين هذا المواطن محدود الدخل ومعدوم الدخل، كيف سيعيش في وطن كل ما فيه ترتفع أسعاره بشكل جنوني حتى انه لم يعد يستطيع الحصول على كيلوا الطماطم ذات العشرة جنيهات، بينما يعيش فئة أخرى من ضباط وقيادة الجيش والشرطة في رفاهية مطلقة، ومرتبات لا تتوقف زيادتها، عندما يتحدثون عن المليار دولار فانهم يسمونها حبأيه، كما قالها اللواء عباس كامل في احدى تسريبات مكتبه، بينما يمر المواطن بجوار بياع الخضار ولا يستطيع شراء حبأيه طماطم.

  المقالات المنشورة تحمل وجهة نظر أصحابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع