حازم سعيد :

تابعت خلال عامي الانقلاب بالدراسة والتحليل أكثر من ألف حالة اعتقال لثوار أعرفهم وطريقة اعتقالهم فخرجت بنتيجة عجيبة وهي أن 999 ( وهو رقم حقيقي وليس مبالغة ) كانوا هم السبب في هذا الاعتقال بأخطاء أمنية لا يصح أن تصدر من ثوريين ينتمون لعصر التكنولوجيا وينتمون لجماعة عاشت عمرها تربي أبناءها على منظومة التربية الأمنية .

وتابعت خلال آخر ثلاث شهور أكثر من مائة حالة اعتقال لأحباب وأصحاب فإذا بي أجد أن المائة كلها بأخطاء منا ومن كسب أيدينا ومن استسهال الأحباب ، وليست نتيجة تفوق الأجهزة الأمنية الغبية التي تحاربنا ، وهو ما استلزم هذه المقالة .

 

لماذا ينبغي أن يحافظ الثوار على أمنهم وعدم تمكين المحتل العسكري من اعتقالهم

والدافع لأهمية هذا الموضوع هو مجموعة من الأسباب ينبغي على الثوار الأحرار ( وكل الثوار أحرار سواء وراء الأسوار أو خارجها ) أن يتجنبوها لما فيها من تأثير على الصف الثوري ، أولها النكاية التي تحدث في نفوس إخوانهم جراء اعتقالهم ، وما يترتب عليه من تخذيل الصف الثوري أو تثقيله أو حتى مجرد حزن إخوانهم .

والسبب الثاني هو عدم حرمان الثورة من جهدك ، وما الثورة إلا مجموعة الأفراد الذين هم رأس مالها ، فإذا فقدنا كل يوم مجموعة من رؤوس الأموال فماذا يتبقى لنا من عالم الأسباب ؟ 

السبب الثالث : هو ما يترتب على الاعتقال ومن بعده التعذيب البدني الرهيب الذي يمارسه بلطجية الداخلية الآن ضد الثوار من كشف خطط الثورة وتمكين العدو من المعلومات وإرشاد أغبياء الداخلية إلى المزيد من الثوار .

من أجل ذلك كله أراه واجباً ولزاماً على كل منتمٍ لهذه الثورة المنتصرة إن شاء الله أن يتقي الله في نفسه وفي إخوانه وفي دينه ودعوته ، وفي ثورته وجهاده ضد الظلم والظالمين ولا يمكن الظالمين والأغبياء من نفسه ، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً .

 

المنظومة الأمنية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم

وحال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في التعامل مع هذا الملف هو الضابط والقدوة والمستند الموثق ، وانظروا إلى حاله في دار الأرقم بن أبي الأرقم في أول بعثته صلى الله عليه وسلم ، وحاله صلى الله عليه وسلم عند– بيعة العقبة الثانية – واجتماعه بالمبايعين في جنح الليل إلى أن صاح بهم الشيطان ، وحاله صلى الله عليه وسلم في حادثة الهجرة وتوريته بذلك وأمره لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بأن يبيت في فراشه حتى يضيع على الكفار من وقت ملاحقته حيث سيظنونه النبي صلى الله عليه وسلم وإذا ما اكتشفوا الموضوع يكون صباحاً حين يكون صلى الله عليه وسلم قد سلك من البعد عن مكة مسلكاً ، وذهابه في اتجاه عكس اتجاه المدينة واختفاؤه في غار حراء ، وحاله في كل الغزوات حين كان يوري قبل الغزوة ، وأمره صلى الله عليه وسلم لحذيفة رضي الله عنه في واقعة الأحزاب بألا يحدث في الكفار أمراً ... إلى آخر ذلك من أحداث السيرة التي تقرر بجلاء أهمية هذا الجانب ومراعاته عند الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم رغم أنه النبي الموحي إليه والذي كان من الممكن أن ينبؤه الله سبحانه في كل وقت وحين للنجاة من المخاطر فلا يحتاج إلى تدبيرها منذ البداية ، إلا أنه القدوة والقائد فيعلمنا أن الأخذ بالأسباب الأمنية هو من أوجب الواجبات .

وأحد أهم الوقائع التي يذكر فيها أن الوحي نبه النبي صلى الله عليه وسلم لخطر ما يحيق بهم هي من أعظم ما يستدل به على هذا الجانب ، حين حافظ الوحي على أمن المعلومات فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بخطاب حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه لكفار قريش قبل فتح مكة بما يعتزمه النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان أن أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وأرسل علي رضي الله عنه لملاحقة الجارية والحفاظ على أمن المعلومات واجتلاب خطاب حاطب ومنع المعلومة عن كفار قريش .

 

الأمن ليس قواعد وقوانين بل هو سلوك ومنطق ومنهج وبساطة في التصرف

وبعض الثوار إذا تحدثت عن المنظومة الأمنية يتصورون أنها مجموعة قوانين وقواعد صماء سوف يلقنها الثائر ويسير عليها ، وهذا خطأ .

إن المنظومة الأمنية هي مجموعة من السلوكيات التي ينبغي أن تتشربها النفسي مع جانب قليل جداً من القواعد والقوانين المنظمة لهذا الشأن ، إن الأمن سلوك ينبغي أن يتدرب عليه الثائر حتى يتشربه ، والطبع بالتطبع والحلم بالتحلم ، ثم يأتي بعده القواعد والقوانين والإجراءات من نوعية طريقة استخدام الهاتف أو عدم استخدامه ومن نوعية أي البرامج التي أستخدمها للتواصل مع المجموعات الثورية الأخرى ، أو استخدام حسابات وهمية في التواصل على الشبكات الاجتماعية إلى آخر ذلك من القوانين والإجراءات المنظمة لهذا الجانب والتي لم تعد تخفى على أحد .

ولكن الذي أشير إلى أهميته هنا هو ضرورة الاقتناع ثم التشبع ثم التبني لسلوكيات المنظومة الأمنية والصفات الخلقية الأمنية مثل الحيطة والكتمان والأخذ بالحذر والأخذ بالعزيمة إلى آخر ذلك مما ينبغي على الثائر أن يتبناه .

من نوعية السلوكيات الضرورية للثوار والتي ينبغي عليهم التحلي والتخلق بها موضوع التعامل بالأسماء المستعارة حتى إذا اعتقل وعذب فلا يمكنهم من المعلومة الصحيحة لأنها لا يملكها من الأصل ، يزاملها عدم البحث عن المعلومة التي لا تخصني من الأصل حتى لا أحمل عاتقي بمعلومات أكون أسيرها أو رهينتها .

ومنها البحث الدائم عن الجديد في الإجراءات والقواعد المنظمة للعملية الأمنية ثم اتباعها ، وخاصة فيما يتعلق باستخدام وسائل التكنولوجيا .

ومنها البساطة في التصرف وعدم الارتباك وعدم وضع نفسي رهينة أحاسيس كاذبة تبدي علي الارتباك إذا ما صادفت كميناً أو رتلاً شرطياً ... الخ

ومنها استصحاب النية دائماً بالأخذ بالعزيمة في الأمر ، فإذا اعتقل الثائر فلتكن نيته أنه لن يبوح من الأصل بأي أسرار وإن عذب وقطع تقطيعاً ، فالله سبحانه يعطي حينها العزيمة للثائر فلا يدلي بأي معلومة فعلاً .

 

لا ينبغي أن تكون المنظومة الأمنية معوقة

وفي مقابل ذلك فإنه لا ينبغي أن تكون المنظومة الأمنية مقعدة معوقة ، فالخوف لن يمنع القدر ، " ويخوفونك بالذين من دونه " وإنما هو الجهاد ، فإذا اقتضى دورك أن تكون وسط بلطجية الأمن أو بجوارهم فلتتحلى بالسلوك الأمني ، أما إن كنت في ميدان الفروسية والشجاعة والثورية ، فالشجاعة والثورية هي الميدان .

الثائر لا يتحلى عن الحذر ويتخذ الحيطة ويتخلق بالسلوك الأمني في كل حركاته وسكناته واتصالاته وأعماله ، بيد أنه لا ينفك عن الثورة أبداً حيث هي الهدف والغاية والحياة ، فالجهاد سبيلنا .

 

مقولة خاطئة واعتقاد خاطئ

يقولون بين صفوف بعض الثوار : إذا أراد جهاز الأمن أن يعتقل ثائراً فسوف يعتقلونه مهما صنع .

وأرى أن هذه المقولة هي أحد نتائج التربية الجاهلية المخوفة في مجتمعاتنا ، فبخلاف أنها تخالف عقيدتنا في أن الذي لا يخفى عليه خائفة والذي يملك النفع والضر هو الله عز وجل ، والذي لا يعجزه شئ هو الله سبحانه .

بخلاف ذلك هي تعطي الأغبياء مكانة لا يستحقونها وليسوا جديرين بها ، الأمنجية وبلطجية الداخلية لديهم ميزتان فقط هما ميزة استثمار أخطاء الثائر فيتم اعتقاله ، وميزة مجموعة من الآليات العشوائية  ( كالكمائن والمواطنين الشرفاء ) التي أحياناً ما تصادف ثائراً فيعتقل .

أما فوق ذلك فإنهم أجهل من دابة ، وخططهم ومناهجهم ومسالكهم مفضوحة ، وإذا أرادوا أن يرهبوا الثوار بتسريب خطط حسم ضد الثوار تجد أنها مفضوحة ومكشوفة ولا ترهب الثوار أو توقفهم ، وحين يحاولون تجنيد أحد الثوار تجد مخططهم مشكوف جلي واضح ، فإذا ما اعتقلوا ثائراً تجد وراءه مائة ثائر ، لقد دخلوا معركة خاسرة من البداية وإن طال زمنها ، وسوف يأتي اليوم الذي أذكركم فيه بهذه الكلمات إن شاء الله ، يقين قاطع في النصر مهما صنع أولئك الخاسرون .

 

كبسولة :

1. ما تحدثت به في هذه المقالة هو في مجال عالم الأسباب ، وإلا فإن الله من ورائهم محيط ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، ولا يخاف المؤمنون ممن هم دونه فالله عزيز ذو انتقام ، والله هو القادر المقتدر ، الله غالب على أمره ، الله عزيز حكيم ، مثلنا ممن يعرف ربه وقدرته وأن البشر لا يحيطون به علماً لا يخافون ممن هم دونه ، وإنما هي الأسباب نباشرها نوعاً من العبودية لله عز وجل حتى نأخذ الحسنات ، أما النجاة من بطش الباطشين فهي بيد الملك القدير وحده .

2. رسالة شكر واجبة أوجهها لميليشيات العسكر وبلطجية الشرطة ، ومن قبلهم سادتهم قادة التحالف الصهيوني الصليبي العالمي والذي دبر وخطط للانقلاب .

فلقد تسببوا للدعوة الإسلامية من حيث لا يشعرون بخدمة جليلة تتمثل في تدريب وتربية وتغيير خطط وأنماط سلوك تقرب من الخلافة على منهاج النبوة الراشدة وأستاذية العالم وتحرير المسجد الأقصى السليب .

ذلك أننا ما كنا لنحرر الأقصى ولا أن نطيق تحمل أعباء خلافة بمثل مناخات ومناهج التربية ( التي جعلت من السلمية أقوى من الرصاص منهجاً مطلقاً للحياة ، وليس متغير تكتيكي يتخذ أحياناً وتنفك عنه أحياناً أخرى ) بل تغولت فيما يشبه إلغاء الجهاد حتى صارت أحد مسالك الثورة وتغافلت عن أنه لابد للثورة من قوة وشوكة .

الآن نتدرب ونتمرن ونتربى على العيش في أجواء تضييق أمني رهيب وقتل وتعذيب وتشريد ومطاردة وتشويه سمعة وقتل وأحكام إعدام واغتيال مادي ومعنوي ، ورغم ذلك نتحرك ونتواصل وينتظم سيرنا ومناخاتنا التربوية والتنظيمية والثورية ، إنه تدريب أيما تدريب وتربية أيما تربية ..

لذلك وجب على مثلي من أبناء الدعوة الإسلامية ومن أبناء الثورة أن يتوجه بالشكر لكل هؤلاء الذين أتاحوا لنا هذه المناخات وهذا التدريب والتربية .

أيها المتخلفون من الصليبية العالمية والصهيونية العالمية والميليشيات العسكرية المتخلفة التابعة لهم وبلطجية الداخلية : نشكركم على حسن تعاونكم معنا .

-------------

[email protected]