د . فتحى أبو الورد
يجري على ألسنة الكثيرين الحلف بصورة لافتة للنظر، في أمور يعد أكثرها من التوافه مثل الطعام والشراب، حتى أصبح الحلف لدى البعض لازمة من لوازم الحديث. وفي شأن هؤلاء ومن على شاكلتهم كان التوجيه القرآني "واحفظوا أيمانكم" المائدة 89..
وحين يقع من المسلم الحلف فإنه يبقى في حيرة من أمره، هل ما قاله يتطلب كفارة أم لا ؟
وعلى كل حال فالكفارة إحدى الوسائل الشرعية لتحقيق البر في المجتمع، وتنبيه المجتمع إلى فئات ضعيفة وفقيرة تعيش إلى جوارهم تستحق الوصال المعنوي قبل المادي.
أما ما يجري على اللسان من حلف بمقتضى العرف والعادة كما يحدث من كثير من الناس كأن يحلف على صديق أو زميل أو قريب أن يأكل أو يشرب أو يحضر وهو لا يتعمد القسم ولا الحلف فهذا من سقط الكلام، ويعد من "اليمين اللغو"، فلا كفارة فيه ولا مأثم، ولا مؤاخذة عليه لقوله تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم".
أما ما يتعمده الحالف ويقصده ويصمم عليه فيسمى اليمين المنعقدة، فإذا حنث الحالف في يمينه ورجع في قسمه؛ فقد وجبت الكفارة في حقه لقوله تعالى "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم" المائدة 89.
وقد وضحت الآية الكريمة الكفارة لمن يحنث في يمينه بأنها الإطعام أو الكسوة أو العتق، وهذا كله على التخيير ، أي يختار الحانث في يمينه أيسر ما يقدر عليه.. فإذا لم يستطع فعليه صيام ثلاثة أيام .
أما عن مقدار الطعام ونوعه؛ فإن ذلك مرده إلى العرف، ويقدر بحسب ما يطعم الإنسان منه أهله غالبا، وليس من الأعلى الذي يأكله أحيانا، ولا من الأدنى الذي يأكله أحيانا، لأن القرآن الكريم يقول: "من أوسط ما تطعمون أهليكم".
ويجوز أن يطعم عشرة مساكين، ويجوز أن يطعم مسكينا عشرة أيام، وبكل ذلك قال الفقهاء.
أما إذا أراد الحانث في حلفه أن يختار الكسوة، فقد وضع الإمامان مالك وأحمد معيارا لذلك، وهو أن يعطى المسكين ما يصح أن يصلى فيه إن كان رجلا أو امرأة، كأن يعطى الرجل قميصا وبنطالا، أو جلبابا وسروالا، وللمرأة عباءة ونحوها.
ويجوز إخراج القيمة عن الإطعام والكسوة عند أبي حنيفة.
وأما عتق الرقاب وتحرير العبيد ؛ فقد ولى زمانه إلى غير رجعة.
فإذا ضاق الحال بالحانث في يمينه، ولم يقدر على واحدة مما سبق فعليه بالصوم ثلاثة أيام متتابعة، أو متفرقة ، ولا حرج في ذلك.
فإذا لم يستطع الصوم في حينه فإنه ينوي الصوم عندما يستطيع، فإن لم يقدر فإن عفو الله يسعه.
ومن تتمة الحديث هنا أن الحالف إذا حلف على أمر، ثم وجد المصلحة والخير في تركه وعدم إتيانه؛ فهنا يحنث في يمينه ويرجع، ويأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه، ذلك قوله تعالى "وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ" البقرة 224. أي لا تجعلوا أيمانكم حائلا بينكم وبين فعل البر والخير والإصلاح، فإن الذي يعلم أنك سيقع منك ذلك جعل لك مخرجا"، "قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم" أي شرع لكم تحليل الأيمان بعمل الكفارة.
وفي التوجيه النبوي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين، فرأى غيرها خيرا منها، فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه» رواه مسلم.

المقالات المنشورة تحمل وجهة نظر أصحابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع