حازم سعيد :

كثر خلال الفترة الماضية انتقاد الكيانات الرافضة للانقلاب ، والتي تأسست بعد الثورة كتحالف دعم الشرعية أو البرلمان الشرعي ، أو المجلس الثوري ، وأشباه ذلك من الكيانات الثورية .

والجميع يرميها بالفشل مع أن الجميع لم يتوحد على ما هو مطلوب من هذه الكيانات ولم يتفقوا على ذلك ، الكل ينظر لهذه الكيانات على أنها هي التي ستسقط الانقلاب ، وأنا أرى في ذلك نوعاً من الهرجلة ( الفكرية ) واللخبطة التي لم ننفك عنها منذ 25 يناير 2011 .

من أجل ذلك كانت هذه الخواطر :

 

أولاً : وحدة الرؤية لهذه الكيانات ؟

كما قلت في المقدمة أرى أن السبب الرئيسي لهذا النقد والاتهام بالفشل هو عدم وضوح الرؤية لما هو مطلوب من هذه الكيانات ، بل أزعم : عدم وضوح الرؤية لخطة كاملة شاملة لإسقاط الانقلاب ، حتى المخلصون الذين لم يتركو الشارع يوماً ما وكل الذين يبذلون من دمهم وعرقهم وجهدهم ومالهم ، هم يبذلون لأنهم ينفذون مقتضيات بيعة في رقبتهم لله عز وجل فلا ينكصون عنها ولا ينفكون ، ولكن ما هي الخطوات الحقيقية الجادة التي تضرب في العمق الانقلابي وتجعله ينزف ويخسر ويندحر ؟ ربما لا تكون آليات التنفيذ أو طرق العمل واضحة للباذلين أنفسهم ، ناهيك عن الأعين المتفرغة للنقد .

 

ثانياً : القيادة الحقيقية للثورة :

والكل يعامل هذه الكيانات على أنها هي قيادة الثورة ، وهم مخطئون في ذلك ، فقيادة الثورة الحقيقية هي أولئك المجهولين الذين يعلمهم الله ، ولا يعلمهم الانقلابيون ، وتنخلع أعينهم من مآقيهم وقلوبهم من صدوهم ويعرفونهم ليقضوا على الثورة الحقيقية .

إنهم من يحرك وسائل المقاومة المختلفة المبدعة في ظل ظروف خانقة وأجواء تآمرية ، هم الذين يعملون على تثبيت أركان ودعائم الصف الثوري وتوجيهه بما فيه هذه الكيانات لصالح انتصار الثورة في مناخ من المطاردات والاعتقالات وأحكام الإعدام وانعدام آلة القوة أو بأحسن أحوالها انعدام تكافؤها مع آلة بلطجية العسكر والشرطة .

وجنودهم هم أولئك الباذلين المضحين المنفقين من وقتهم وجهدهم وعرقهم في شتى ميادين العمل الثوري ( سياسي – تحرك بالتظاهر والتعريف بالقضية – مقاومة مبدعة ) .

سبب حقيقي ومنطقي إذن لسهام النقد الموجهة لهذه الكيانات هو ظن الناقدين أنها هي التي تقود الثورة وتحركها وهو ظن خاطئ يترتب عليه إلزام الكيانات بما يفوق طاقاتها وقدراتها .

 

ثالثاً : البيئة التي تعمل فيها قيادة الثورة ، وتعمل فيها الكيانات :

 ومن أهم أسباب سهام النقد لهذه الكيانات ، ولقيادة الثورة على العموم من المتفرغين للنقد هو إغفال البيئة التي يعمل فيها قيادة الثورة والكيانات سواءاً بسواء من تآمر عالمي ( صليبي – صهيوني ) ، ومن رعاية ( عالمية - إقليمية ) لوجستية كاملة ، حتى أن جون كيري يحضر بنفسه المؤتمر الاقتصادي ويجر ورائه نيفاً وثلاثين أو وأربعين دولة ليس لهم أي قيمة لحضور المؤتمر الاقتصادي لتوفير غطاء ودعم سياسي كامل للانقلابيين .

وكذلك إغفال المنظومة التي تمتلك آلة القوة وتخدم الانقلاب بدءاً من الداخلية الحمقاء مروراً بمنظومة القضاء الفاسد والإعلام ، وإغفال المطاردات التي تتعرض لها القيادة الحقيقية للثورة ، وإغفال كم الاعتقالات والمداهمات التي يتعرض لها المقاومون ( بما يعد نزيفاً مستمراً لأهم أدوات القيادة ) .

 

رابعاً : شمول الحركة ، وكيف أسقط الانقلابيون الرئيس الشرعي :

وأهم ما يغفله المنتقدون هو شمول الحركة الثورية ، وأن الثورة لن تسقط الانقلاب إلا بمجموعة شاملة كاملة جامعة من الأدوار والمهام والتحركات على مستويات عدة في نفس الوقت ، ولتدرك ما أقصد ، تدبر معي كيف أسقط الانقلابيون الرئيس الشرعي المنتخب بخطة متكاملة الأركان ، صحيح أن التجارب لا تستنسخ بحذافيرها ، لكنها تصلح نموذجاً للقياس مع إبداعات وتطوير في الأداء الثوري .

لقد عمل الانقلابيون في محاور عدة ومراحل متدرجة زمنياً بدءاً بالتأزيم وإحداث المشاكل ومروراً بتقليب الشارع وتحريك وتأليب الوعي المجتمعي ضد الرئيس الشرعي المنتخب والفصيل الذي جاء منه ، وانتهاءاً بصناعة حشود موهومة يتخذونها ذريعة للمسة الأخيرة للانقلاب بتدخل البلطجية الذين يملكون آلة القوة ( جيش وشرطة ) لحسم المسألة وحبس الرئيس الشرعي وقتل واعتقال وسحل واغتصاب مؤيديه ، مع تأمين ظهير شعبي من السذج الخفاف المنخدعين بالإعلام .

أما الأداء فقد شمل ما هو تنفيذي مثل إحداث الأزمات في مجالات مختلفة جاءت أزمة الكهرباء والغاز في مقدمتها ، وما هو إداري وجاء تحريك الشباب المنخدعين السذج مثل 6 أبريل والتيار الشعبي على رأسها ، وكذلك تحريك الكيانات السياسية المؤلفة لما عرف بجبهة الإنقاذ .

وأما محاور العمل فاتسعت لتشمل الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والإعلامي والمخابراتي :

الأمني بدءاً من إحداث وافتعال وإطلاق يد الشرطة لترتكب الجرائم أو تسكت عنها ، والتي بدت سرقات السيارات في مقدمتها ، لإحداث فجوة وخللاً أمنياً في الشارع كله ، تبعه قرب نهاية المشهد الخلل الأمني الرهيب في حماية مقار ودور الفصيل الذي جاء منه الرئيس الشرعي ، وحركوا الشباب الغر الساذج المستغفل من أمثال 6 أبريل والتيار الشعبي وجيش البلطجية الجنائيين الذين حرقوا الدور والممتلكات وبيوت أنصار الرئيس الشرعي لإظهار أنها حرب أهلية وانهياراً أمنياً ،  وكان من الواضح فيه انحياز جهاز الداخلية بأكمله ضد الرئيس الشرعي والتآمر عليه .

وأما السياسي : فصنعوا جبهة الإنقاذ للمشاغبة على الرئيس واستغلوا في ذلك التافهين من أمثال من ذكرت آنفاً من الحركات أو الرموز البلهاء الذين انجروا وراء العسكر انجراراً كنوارة نجم أو أحمد دومة ( المكتوي الآن بنار العسكر ) أو أحمد ماهر أو أسماء محفوظ أو بلال فضل وغيرهم للاعتراض بمبرر أو بدون مبرر على أي قرار أو تصرف للرئيس ، مع التآمر من كل القوى الليبرالية والعلمانية ضده فرفضوا التعاون معه في أي وزارة أو حكومة على الإطلاق ، ثم تبعوا ذلك بإنشاء تمرد وحملة التوقيعات الموهومة لحوالي خمسة ملايين هم أساساً جزء ممن هم ضد الرئيس من أول يوم لانتخابه أوصلوها بالآلة الإعلامية إلى 30 مليون . ( امتدت المشاغبات لكل نفسٍ من أنفاس الرئيس ، عدوها عليه واعتبروها منقصة ومذلة ) .

وأما الاقتصادي والمجتمعي فقد صنعوا للرئيس كل الأزمات بدءاً من الملفات الخمسة التي وعد الناس بإنجازها ليتخذوها عليه مؤشراً للفشل بعد تأمر أجهزة الحكم المحلي ( التي كلها من الفلول ) فلم تعمل أجهزة النظافة وأفشلوا منظومة الخبز للمجتهد المبدع باسم عودة وأحدثوا أزمة البنزين والوقود وأفشلوا أي حلول مرورية بالتآمر مع الداخلية ، وصنعوا للرئيس ما أسموه مرسي ميتر ، وانتهوا في الآخر لأزمة الوقود والكهرباء بتآمر فلولي عسكري واضح وظاهر للعيان .

وأما الإعلامي والمخابراتي فجندوا عشرات الفضائيات وعشرات من مقدمي التوك شو بعد أن تأمروا مع ملاك الفضائيات ( وكلهم من فلول الحزب الوطني والعسكر ) لينهالوا طعناً وتجريحاً ، وهم الممتدة آثارهم والواسعة الانتشار قنواتهم ليقلبوا الحقائق وينشروا الشائعات ويملؤوا البلد بحالة من الفوضى والاختناق والأزمة ، ولم يصمد بالطبع الإعلام الساذج الذي انتمى للشرعية وتناول الأمور وعالجها بمنطق ضعيف هش ، وما كان له أن يقاوم أمام معوقات عدة على رأسها الخبرات المتوافرة لكلا الطرفين أو التمويل أو المادة المنشورة نفسها وأطر معالجتها ، أو وسائل الجذب التي لم يمتلك إعلام الشرعية مثلها – وقد لا يمتلك – لاعتبارات دينية وخلقية عدة .

توازى مع ذلك حركة مخابراتية هائلة في الشارع من أوراق ومنشورات ضد الرئيس إلى سائقي تاكسي وميكروباص لإثارة قضايا ضد الرئيس وفصيله ، إلى استخباراتيين يتحركون بين الناس ينشرون شبهاتهم وقضاياهم وغبشهم ضد الرئيس ، تزامن مع ذلك شابلونات على الحوائط والجدران تكفل بها الشباب الغر الساذج المنخدع كان من أكثرها أدباً شعارات مثل " يسقط حكم المرشد " ، بخلاف التظاهر أمام المباني الحكومية والهجوم على مقرات الحرية والعدالة والإخوان بل ومنازلهم الشخصية وإظهار ذلك في صورة الأهالي الغاضبين من خلال الآلة الإعلامية الجبارة .

لتأتي بعد ذلك اللمسة النهائية بتدخل الانقلابي الخسيس بعسكره وشرطته لحماية البلد من الحرب الأهلية والانهيار الأمني ... الخ

وأما القضايا التي أثاروها وآلية طرحها وتناولها فلم يتركوا شيئاً إلا وفعلوه ، الإطار العام الذي أرادوه وحققوه : مشهداً من الفوضى الأمنية والخلقية والحرب الأهلية بعد فشل الإخوان في تقديم أي حلول للأوضاع الاقتصادية أو الأمنية وإقصائهم للآخرين واستئثارهم بالحكم وأخونة مؤسسات الدولة .

واتسعت الموضوعات من نطاق الاتهام بأن انتخابات الرئاسة كانت مزورة إلى الاعتراض على تصرفات سياسية كالإعلان الدستوري أو الدستور نفسه آنفاً ومواده وأطلقوا الشبهات حوله ، إلى الاتهامات بالسذاجة والدروشة إلى الإقصاء والأخونة ، إلى الرمي بالفشل ، ثم الإرهاب والنازية والكهنوت .

وشملت الطعن في الرئيس وأهله وذمته المالية إلى الطعن في فصيله ومن يؤيدونه بالكامل .

كما امتدت لتشمل الاتهام بالجرائم الأخلاقية لكل منتمٍ للإسلاميين وادعاء فضائح لهم ، ساعد عليها وقوع بعضهم بالفعل في جرائم أو فضائح أخلاقية .

أما آليات طرح ذلك فمن النقد المباشر إلى اللمز والجرح إلى التعريض إلى إطلاق الشبهات إلى اختراع القصص والمرويات والحكايات التافهة التي صدقها الناس .

وأما الوسائل فقد امتدت من المطبوعة الورقية الصغيرة في الشارع إلى الكلام المباشر مع الناس إلى البرامج الحوارية المباشرة إلى الأغنية الساخرة ( سما المصري نموذجاً ) إلى المتحدث الذي ظنه العقلاء ساذجاً ليكتشفوا أن له جمهوراً من أساتذة ودكاترة في الجامعة ( توفيق عكاشة مثالاً ) إلى البرامج الساخرة ( باسم يوسف وأحمد آدم نموذجين ) .

 

خامساً : إذن الدور المطلوب من هذه الكيانات :

مما ذكرت في النقطة الأخيرة يتضح بصورة بارزة للعيان أن الكيانات السياسية المنبثقة من الثورة والتي نطلق عليها ( الكيانات الثورية ) لو أردنا أن يكون لها دوراً في منظومة خلع الانقلاب وإفشاله وإسقاطه ، فلا يمكن أن يتعدى دورها بحال من الأحوال أكثر من المحور السياسي بكل عناصره . وهو مجرد جزء من كل ، وهو مجرد حلقة في ترس .

وأنا في هذه المقالة لا أقول أنهم يؤدون المطلوب منهم على الوجه الكامل ، لكني أطلب ألا أحملهم فوق طاقتهم وجهدهم لأسباب عدة قد يتسع لها مقال آخر ، فالأمر إذن يتوقف على ممارستهم لوظائف وأدوار سياسية في إطار الحراك الثوري الشامل لإسقاط الانقلاب من المزاحمة للانقلابيين إلى إفشالهم سياسياً إلى التواصل مع دول العالم كله لتقزيم الانقلاب إلى إعطاء الظهير والغطاء السياسي القوي للثورة وحراكها . أما فوق ذلك فهو من تحميلهم بما لا يطيقون ، ومن أراد أن يقيم هذه الكيانات ويقول أنها فشلت أو نجحت فليقيمها بالنسبة لدورها السياسي في الثورة ( وهو دور مطلوب ولكنه ليس الأساسي ، حيث أزعم أن السياسي في الثورات هو الأقل ) .

 

وأخيراً : أقول أن المطلوب من كل واحدٍ منا أن يقيم دوره وفق محور من المحاور التي ذكرتها آنفاً : تظاهرات سلمية – حركة توعية بالشارع – مقاومة مبدعة ( تقتص بالحق والعدل من الظالمين ) تناظر ما فعلوه بحرق الدور والمقرات والممتلكات الشخصية – منبر إعلامي داعم للشرعية وقاصم للانقلاب – سياسي يضرب الانقلابيين ... الخ

وأما المتفرغون للنقد دون تقديم حلول عملية أو أجندة وخريطة طريق واضحة فعليهم أن يتقوا الله في إخوانهم إن كانوا حقاً صادقين في ثوريتهم وانتمائهم للشرعية وألا يكونوا معول هدم لأي جهد مبذول ، فما معنى أن ترمي الجميع بالفشل هكذا ؟ معناه أن يجلسوا في بيوتهم ولا يبذلوا حتى جهد المقل لنصرة القضايا .. فاحذر أخي عافاك الله أن تكون معول هدم بدلاً من أن تكون آلة بناء . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .

--------------