هشام المنصور

  كثر الحديث عن خطأ الإخوان الاستراتيجي بالدفع بمرشح رئاسي وتصدر مشهد الثورة في مصر، وهذا يدفعنا للدخول في منطقة شائكة ألا وهي هل منهج الإخوان الإصلاحي المحدد المراحل والمتدرج وفقاً لرسائل حسن البنا مؤسس الجماعة، من تكوين الفرد ثم الأسرة فالمجتمع الذي يعتنق الفكرة الإسلامية بشمولها كما يراها الإخوان فالحكومة التي تساعد على تطبيقها فالدولة وصولاً للخلافة، هل كان يسمح بالاشتراك في الثورة بهذه القوة التي رأيناها خلال ثمانية عشر يوما؟ وإذا سمح بهدف مقاومة الظلم والطغيان وإعلاءً لمبدأ حق الانسان في الحرية والكرامة فهل كان من الصواب تصدر المشهد؟

أم أن هذا هو الخطأ الإستراتيجي القاتل؟ أم أنه فرض عليهم وفقاً لقاعدة (النقلة الإجبارية) على رقعة الشطرنج؟ ثم السؤال الأهم ما هو تأثير الربيع العربي وما تبعه من انقلابات وثورات مضادة على حركات الإسلامي السياسي خاصة الحركة الأم في مصر؟ وهل أضعف الحركة أم غير ذلك؟ .

بداية لابد من تقرير حقيقة وهي أن مناقشة أي قرار تم اتخاذه في أي مؤسسة لابد أن يراعي الحالة التي تم اتخاذ القرار فيها والعوامل المحيطة بمتخذ القرار، والغموض الذي ينكشف تباعاً بمرور الزمن. يرى الكاتب وقد يكون مخطئاً إن اشتراك الإخوان في ثورة يناير لم يكن بالقرار الصائب نظراً لأنها نوع من حرق المراحل التي حددوها في مناهجهم، واستعجال للثمرة في ظل مجتمع تشغله توفير المتطلبات الأساسية للحياة عن المطالبة بحريته وتقديم التضحيات في سبيل ذلك، خاصة بأن الشباب الداعي ليوم 25 يناير لم تكن من أحلامه اسقاط النظام فضلاً أن تكون من مطالبه، وكانت كل الأمنيات والمطالبات تتلخص في الحرية والكرامة الإنسانية التي أنتهكت بمقتل خالد سعيد وسيد بلال تحت تعذيب الشرطة.

وبنزول شباب الإخوان والاشتراك الرسمي يوم 28 من ذات الشهر أعطى زخماً وساهم في رفع سقف التطلعات خاصة بعد سقوط الشهداء في ذلك اليوم ليصبح اسقاط النظام هو المطلب الوحيد ليتلقفه المجلس العسكري ليتخلص من مشروع التوريث الذي كان مصدر قلق لقادة العسكر. وإن كان اشتراك الإخوان في الثورة كان نقلة اختيارية على رقعة الشطرنج فإن الدفع بمرشح للرئاسة كان نقلة إجبارية في الوقت الذي لاح في الأفق حل البرلمان وتمسك العسكر بالنائب العام الذي اشتهر بحماية قتلة الثوار وتلفيق التهم لكافة معارضي نظام مبارك، وعدم موافقة عدة شخصيات مستقلة على التحالف مع الإخوان والترشح لمواجهة مرشحي الدولة العميقة والمدعومين من قبل المجلس العسكري الحاكم، مما كان ينذر بما حدث بعد انقلاب يوليو 2013 من اقصاء وانتقام من كل من شارك في هذه الثورة، ولكن بصورة قانونية وقضائية وإن كانت معوجة إلا أنها لن تكون مستهجنة مثل ما يحدث الأن من عدم استقرار لنظام العسكر في ظل انقلاب مكتمل الأركان حيازته للبلاد غير هادئة ولا مستقرة.

وباستقراء تأثير الثورة المضادة والانقلاب على الشرعية  وما تلاه من قهر واضطهاد على حركات الاسلام السياسي وفي القلب منها جماعة الإخوان في مصر، نجد أن الحركة تمر بحالة غير مسبوقة من التنكيل والقتل والاضطهاد والاقصاء وتجاوز الخطوط الحمراء في التعامل مع الفتيات واعتقالهن وتعذيبهن وأحكام الإعدام التي فاقت ما حدث في الخمسينات على يد عبدالناصر، إلا أن تغير منهج الجماعة في مواجهة ومقاومة انقلاب 2013 اختلف جذرياً عن الاستسلام لانقلاب 1954، كان له أثر كبير في تحقيق نجاحات على مستوى المقاومة في الشارع المصري وكذلك على مستوى الجماعة التي توعد قائد الانقلاب بفنائها وعمل بكل ما يملك على ذلك معتبراً أن غير ذلك هو من قبيل الموائمات السياسية التي لا يعرفها.

ووفقاً لنظرية نشوء الحضارات ل (أرنولد توينبي) فإن الاستجابات الناجحة للتحديات الكبيرة تتولد عنها نهضة وحضارة، وقد يكون عدم استسلام الجماعة والركون للعسكر والقبول بفتات الحرية هو ميلاد لنهضة جديدة في مصر، وبالعودة للتأثير الإيجابي على الحركات الاسلامية فيمكن تناولها بإيجاز في تطور منهج الإخوان من المنهج الاصلاحي إلى الثوري المقاوم، وتطور منهج بعض التيارات السلفية والتي اشتركت في تحالف دعم الشرعية لتمارس عمل سياسي ثوري كانت ترفضه قديماً، ثم ظهور جيل الشباب الذي يقود المرحلة بعد الاختفاء القسري لقيادات الصف الأول والقيادات الوسطى بالجماعة سواء بالاعتقال أو المطاردة أو القتل، وتنامي دور المرأة داخل الحركة الإسلامية وتضحيتها بالنفس وظهور نماذج ثورية مجاهدة  مثل سناء عبدالجواد وفتيات الأسكندرية وفتيات الأزهر الذي قال لهن أحد القضاة (أنتن أمهات حكام مصر القادمون)، نعم إن الضربات التي تم توجيهات لحركات الإسلام السياسي قوية وموجعة إلا أنها أفرزت جيلاً يقوى على قيادة نهضة جديدة للمجتمع.