حازم سعيد :

راودت هذه المقالة قلمي منذ قرأت تدوينة المحترم الصحفي الأستاذ سامي كمال منذ حوالي أربعة أيام عن تقرير جريدة المصريون الاستخباراتية ، والذي تحدثت فيه عن مفاوضات للصلح بين الإخوان وبين العسكر وأن قادة الإخوان يوافقون على هذه المفاوضات ويؤيدونها ، وأن الشباب الذين ينزلون المظاهرات يفعلون ذلك رغماً عن قيادتهم وأن القيادات قد أعيتها الحيلة في هذا الأمر ...

علق الأستاذ سامي على هذا الأمر بأن قال لو الكلام ده صحيح يبقى طز في كل قيادات الإخوان في الخارج .

وكنت أربأ به – وأنا أشاهد برنامجه العقلاني المنطقي – أن يكون من المتعجلين فيقع في سقطة الخفة وسرعة الحكم على الأمور .

 أما الجريدة المخابراتية فلم أعد أقرؤها ولا أهتم بما تنشره لأنها أسقطت نفسها منذ أمدٍ بعيد في هوة سحيقة من التجني والافتراء منذ ما قبل الانقلاب العسكري الغاشم .

وأما المفاوضات المزعومة وما علق به الأستاذ سامي فهو موضوع الخواطر التالية :

 

أولاً : هل يمكن أن يتورط الإخوان في الصلح مع العسكر ؟

الذي لا يريد أن يدركه النشطاء والثوريون والوطنيون أن ما فعله الإخوان اجتهاداً باختيار المسار السلمي بعد 25 يناير ، لم يكن خيانة ولا تأمراً أو رغبة في انتزاع كعكة بحيث لا يستغرب عليهم العودة لها مرة أخرى ، كما أن القاتل اللعين لم يكن يجهر بهذا القتل ، بل كانت الجرائم كلها منسوبة لعهد حسني مبارك وفلوله ، ولم تكن واضحة النسبة للعسكر المجرمين بالشكل الصارخ الواضح .

كما لما يكن الجلوس مع العسكر خاصاً بالإخوان بل الكل جلسوا معهم ، ولم يكن أيضاً ما يتم الكلام فيه بمعزل عن الإعلام ولا حديثاً يجرى في الخفاء ، بل كان اتفاقاً على معالم للطريق تخرج في العلن في ذات اليوم بل وجرى استفتاء عليها . فهي ليست مفاوضات بالمعنى الذميم الذي يعني أنهم يسعون لمكاسب لذواتهم أو لجماعتهم مقابل أن يتنازلوا عن أشياء مقابلها ...

من هنا فلا يستطيع أحد أن يدعي أن الإخوان فعلوها من قبل فيمكن لهم أن يعودوا إليها مرة أخرى ، فالظرف غير الظرف والمناخ غير المناخ .

كذلك فإن ما جرى للإخوان من قتل وسحل وانتهاك ومذابح وطرد وإبعاد بعد الانقلاب لم يتعرض فصيل لمثله ، فكيف يعقل أحد أن يتخلى الإخوان عن ثأرهم وقصاصهم وينسوا ما فعله معهم العسكر .

ولقد سمعت بنفسي من قيادات الإخوان أن الثورة خيار استراتيجي ، لم يعد نافلة ولا مستحباً ، بل واجب وفريضة ، إن العسكر المجرمين لم يبقوا ذنباً إلا واقترفوه في حق الإخوان ( قتل – ذبح – طرد – تشريد وإبعاد ونفي من الأرض – سحل – اغتصاب – تعذيب بكل الطرق – تلفيق تهم وتشويه سمعة – مصادرة أموال – إعدامات بالجملة – مؤبد بالجملة – سجن بلا تهمة بالجملة ) ،  فكيف يظن عاقل أن الإخوان يمكن أن ينسوا هذه الجرائم ، لقد قطع العسكر المجرمون خط الرجعة على أي درويش يمكن أن يجود لنا الزمان بمثله ليطالبنا بأن نعاملهم بمبدأ : اذهبوا فأنتم الطلقاء ، أو تفاوضوا معهم وخذوا ما تستطيعون من مكاسب .

والله إنه الثأر والقصاص وإن لنا فيه حياة .

 

ثانياً : روح التربص والتعجل في النقد وخطورتها :

لم يعجبني في كلام الفاضل الأستاذ سامي كمال ، ما تلمسه من تعجل في النقد وإساءة الظن بالإخوان ، نفس الحال وجدته حين الأزمة التي حدثت مع الأستاذ عمرو عبد الهادي ، وكنت أتمنى ألا تحدث من الأساس ، وألا يتعجل الأطراف في الخوض فيها ، وكان ممن تعجل الأستاذ سامي والمحترم الأستاذ أحمد حسن الشرقاوي ..

وكنت لا أتمنى أن يخوض الناس هكذا سريعاً في أزمات حوارية بسبب وجهات نظر ، ويتحول الموضوع لأحزاب وفرق ، وليس هذا بحال الثوار الذين يريدون أن يقضوا على حكم العسكر .

لابد من جسر للثقة بعد كم الأزمات والمذابح التي تعرضنا لها ، وألا يستسهل البعض فقدان الأصدقاء والأنصار .

والله سبحانه يقول في محكم كتابه : " وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً " .

إن ما حدث لنا جميعاً من طرد وإبعاد وانتهاك من المفترض أنه يبني جسراً للحب والتآلف والقضية المشتركة ، ورغم أني شخصياً لا أحب تسعة وتسعين في المائة من مواقف 6 أبريل ، لكني أسعدني دعوات قناة " مصر الآن " – الإخوانية - للتآلف والاصطفاف بعد تأكيد الحكم بحظرها ، رغم ما أعلمه من مواقف سابقة لها دعماً للانقلاب وهدماً في حكم الرئيس مرسي ، ولا أنسى لهم التظاهر بالبرسيم .

أقول : رغم ذلك فإن الصف الثوري يقبل بأي ثائر منضم وافد بعد غفلة وتوهان وضع نفسه فيه ، وضرورة المرحلة وواجب الوقت يفرضان ذلك ، فالذي أريده أن يتعقل كل ثائر حر قبل أن ينطق كلمة تمزق الصف الثوري برمته وتقضي عليه ، وهو ما يحبه العسكر ويشتاقون له .

 

ثالثاً : من يملك الثورة ؟

ثاني ما لم يعجبني – وطول الوقت منذ اختار الإخوان المسار الدستوري في 2011 – هو ادعاء فصيل احتكار الثورة والحديث باسمها ، والخوض في ذمة وعرض من يختلف معهم عند أي اجتهاد أو تصرف .

منطق أن الثورة ملكي وبالتالي إن قرأت تقرير مخابراتي أراد الطعن في الصف الثوري يقول أن الإخوان يصالحون ، فأتحدث عن الثورة التي أدافع عنها وأستقتل ضد الآخرين وأنهال عليهم طعناً ولمزاً وشتماً ، محتكراً للثورة متحدثاً باسمها ، ( مع أن الإخوان يملؤون الشوارع والطرقات ثائرين حاشدين مناضلين صامدين في وجه العسكر ) .. هو منطق يحتاج لمراجعة من أصحابه .

الثورة ملك لنا جميعاً ، ونحن جميعاً نحتاج إلى الثورة ، والذي يتولى أو يستغني هو الذي يخسر وهو الذي سيستبدله الله بغيره ممن يحبهم الله ويناضلون ويجاهدون في سبيل دينه ودعوته ونصر الحق وأهله ، فليهون كل ثائر على نفسه وليوجه رماحه إلى صف عدوه قبل أن ينهال بها طعناً على أصدقائه تصريحاً أو تلميحاً .

 

وفي النهاية أعود فأؤكد أنه لم يعد فضولاً من المواقف ، ولم يعد بوسع أحد ولا اختياره أو قراره أن يتنازل عن الثورة فسيكون هو الخاسر ، أما عن الإخوان ، فإن ما انتابهم من الأمر والمصاب لهو من الجلل بالشكل الذي لم يعودوا يحتاجون إلى أن يقولوا للناس أنهم مع الثورة ، أو أنها خيار استراتيجي , أو أنهم لا يتصالحون أو يتفاوضون مع أحد ، فالمصاب مصابهم والجرح جرحهم ، فمن أراد أن يناصرهم في ثورتهم من أجل مصر فأهلاً وسهلاً ومرحباً ، ومن أراد أن يتفرغ للمزهم وانتقادهم فسامحه الله وعفا عنه ... أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .


كبسولة : 

أكلت يوم أكل الثور الأبيض .. الانقلاب الغاشم عاملنا بهذا المنطق من قبل ، منطق التدرج والاستدراك للصدمة ، فبدأ بحوادث فردية ثم مذبحة الحرس ثم مذبحة المنصة ثم المذبحة الكبرى في رابعة ..

وها هو الآن يعيدها مرة أخرى بدأ بإعدام محمود رمضان ثم يتلوه بستة برءاء من عرب شركس اعتقلوا قبل الحادثة التي سيعدمون لأجلها ، فإذا وجدوا منك رد فعل هادئ وديع مطمئن فسينهالون على الأكثر من ألف ونصف المحكومين غيرهم ، الأمر يحتاج لوقفة ثورية هادرة ومنها الجانب الحقوقي والإعلامي .. لأجل ذلك شاركت وأدعو قرائي الأعزاء أن يشاركوا في الحملة على هذا الرابط لإيقاف هذه الإعدامات الآثمة : 

http://www.egyptwindow.net/news_Details.aspx?Kind=7&News_ID=76387

-----------------

 

 

[email protected]