دكتور : أحمد عبد المجيد مكي

بَلْعَامُ بْنُ بَاعُورَاء هو أحد علماء بني إسرائيل الذين ضلوا عن سواء السبيل، وفيه نزل قول الله تعالى : وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ...الآيات ، يقول المفسرون عن بَلْعَام هذا أَنَّهُ كان مُجَابَ الدّعوة، يُقَدِّمُونَهُ في الشدائد، وكان في مجلسه اثنتا عشرة ألف محبرة للمتعلمين الذين يكتبون عنه، بَعَثَهُ نبي اللَّهِ موسى إِلى مَلِكِ مَدْين يدعوه إِلى اللَّهِ، فَأَقْطَعُهُ ، أي منحهُ وأَعطاه، فَتَبِعَ دِينَهُ وترك دِينَ مُوسى عليه السلام ، وصار إِلى مُوَالَاةِ الطغاة الظالمين ومناصرتهم وامتداحهم. و بَلْعَام هذا نموذج متكرر على مَرِّ الدُّهُورِ ، يمثله أناس يخونون ويفرطون ويدلسون ويحرفون ويسكتون، خوفاً من بطش ذوي السلطان و ارضاء لأهوائهم وحظوظ نّفوسهم المريضة ، أو طمعاً في عَرَض من الدنيا قليل، ويعد حزب النور- وأتباعه ومشايخه ومن على شاكلتهم- أحد النماذج الواضحة التي لا تخطئها عين المراقبين، فهم- بحق - بَلْعَامُ هذا العصر ، وسأستشهد على ذلك ببعض الدلائل ، وهي قليل من كثير وغَيْضٌ من فَيْض:
الدلالة الاولى: موت الغيرة على الدين من قلوبهم ، والسكوت على انتهاك الحرمات ، بل وصل الأمر بكبيرهم أنْ يفتي بجواز أنْ يترك الانسان زوجته أو أخته إذا اعتُدِىَ عليها وينجو هو بنفسه ، بحجة أَنَّ هذا من قبيل حفظ النفس ، و حفظ النفس مقدم على حفظ الْعِرْضِ ، هكذا قال !!  ولا شك أَنَّ هذا دلالة وعلامة على موت الغيرة في قلوبهم ، بنص كلام الْإِمَامُ ابن الْقَيِّم الذي يقول فيه : مُحِبّ الله ورسوله يغار لله ورسوله على قدر محبته وإجلاله، وإذا خلا قلبه من هذه الغيرة فهو من المحبة أخلى وإنْ زعم أنه من المحبين، ولا يصح لعبد أنْ يدعي محبة الله وهو لا يغار لمحارمه إذا انتهكت ولا لحقوقه إذا ضيعت، وإذا تَرَحَّلَتْ هذه الغيرة من القلب تَرَحَّلَتْ منه المحبة، بل تَرَحَّلَ منه الدين وإنْ بقيت فيه آثاره، وهذه الغيرة هي أصل الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي الحاملة على ذلك، فإنْ خَلَتْ من القلب لم يجاهد ولم يأمر بالمعروف ولم يَنْهَ عن المنكر، فإنه إنما يأتي بذلك غيرة منه لربه. انتهى كلامه مختصرا . كما أَنَّ هذه الفتوى افتراء على الله ورسوله ، ففي الحديث الصحيح المشهور: «مَنْ قُتلَ دُونَ مالهِ فهو شهيد، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهو شهيد، ومن قتلَ دون دِينه فهو شهيد، ومن قُتلَ دُونَ عِرْضه (وفي رواية : دُونَ أهْلهِ ) فهو شهيد»، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : فإذا كان مطلوبه (أي المعتدي) المال جاز دفعه بما يمكن، فإذا لم يندفع إلا بالقتال قوتل، وإنْ ترك القتال وأعطاه شيئا من المال جاز، وأما إذا كان مطلوبه الحرمة- مثل أن يطلب الزنا بمحارم الإنسان أو يطلب من المرأة أو الصبي المملوك أو غيره الفجور به-فإنه يجب عليه أن يدفع عن نفسه بما يمكن ولو بالقتال، ولا يجوز التمكين منه بحال؛ بخلاف المال فإنه يجوز التمكين منه؛ لأن بذل المال جائز وبذل الفجور بالنفس أو بالحرمة غير جائز. انتهى كلامه رحمه الله ، من هذا يتبين لنا أَنَّ قتال الانسان دفاعًّا عن ماله يدور حكمه بين الجواز والوجوب، بخلاف دفاعه عن عِرْضه حيث يكاد الفقهاء يتفقون على وجوبه، ولا شك أَنَّ هذا الحكم  وأمثاله مقيد بأنْ يدافع الانسان عن نفسه وأهله بالأسهل فالأسهل من وسائل الدفاع.
الدلالة الثانية : ركونهم إلى الظالمين ومعاونتهم ومناصرتهم ، ظَنًّا منهم أَنَّ بإمكان الظلمة والمفسدين الذين يسبون دين الله صباح مساء أنْ يقيموا دولة  فيها استقرار ونهضة، ونسي هؤلاء أو تناسوا أَنَّ الظلم سببٌ لخراب العمران، وزوال الدُّوَل، وفناء الأمم، ووقوع الفوضى، وغموض المستقبل. لقد تعاموا بعَمْدٍ و قَصْد عن قول شيخ الإسلام ابن تيمية : «إِنَّ الله يقيم الدولة العادلة وإنْ كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإنْ كانت مسلمة، فالدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام، وذلك أنَّ العدل نظام كلِّ شيء، فإذا أُقيم أمر الدنيا بعدلٍ قامت، ومتى لم تَقُمْ بعدلٍ لم تَقُمْ».
وغاب عنهم قصة المرأة التي دخلت النار في هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حتى ماتت جوعا، لا هي أطعمتها ولا أرسلتها تأكل من خشاش الارض ، يعلق ابن الْقَيِّم على هذه القصة بقوله : فَكَيْفَ عُقُوبَةُ مَنْ حَبَسَ مُؤْمِنًا حتى مات بِغَيْرِ جُرْمٍ؟.
ولم يلتفتوا الى الوعيد والتهديد في قوله تعالى (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) ، والمراد بالركون: الميل والانضمام إلى الظالم وموافقته على ظلمه.
الدلالة الثالثة: وضعهم مواقف السيرة  في غير مواضعها ، من ذلك استشهادهم على جواز الخضوع والخنوع أمام الطواغيت بقبول الرسول لصلح الحديبية ، وهذا قياس من أبطل الباطل من وجوه كثيرة جدا أكتفي منها بوجه واحد فقط فأقول: هل رأى النبي المشركين يسجنون المسلمين ويعذبونهم ويغتصبون نساءهم ويقتحمون عليهم بيوتهم ليلا ونهارا - يدمرونها وينهبون ما فيها- ثم وافق على هذا الصلح ؟! وهو القائل : مَنِ اطَّلَعَ في دارِ قَوْمِ بغيرِ إذنهم ففقؤُوا عينَه، فلا شيء عليه. وهو الذي حرك جيشاً جراراً إلى نصارى الروم ليس لأنهم اغتصبوا النساء وسجنوا الأطفال ومنعوا عن المرضى المحبوسين الدواء حتى الموت ، ولكن لأنهم غدروا برسوله وقتلوه بطرقة مهينة -والرّسل لا يقتلون- ،فعزّ ذلك على المسلمين فعزموا على الاقتصاص لرجلهم فيما يعرف بغزوة مؤتة. 
وفي الختام : أظن أخي القاريء أَنَّنِي لم أضف لك جديداً ، فربما كان ما تعلمه أنت من مواقف مخزية لهؤلاء يفوق أضعاف ما ذكرت ، لَكِنَّهَا نَفْثَةُ مَصْدُورٍ من أناس يلبسون لبوس بالدين ، وهم في الحقيقة خنجر في ظهره ، وعقبة في طريق مسيرته ونهضته، شعارهم : خيري لعدوي وشري لأخي ، أو كما قال الشاعر : فإن يك خيرٌ، فالبعيد يناله ... وإن يك شرٌ، فَابْنُ عَمِّكَ صَاحِبُهُ . اللهم من سكت على هتك عورات المسلمين فاهتك ستره ، ومن رضي بقتل المسلمين فعامله بما يستحق ، آمين