شعبان عبد الرحمن
ما لفت انتباه الشعوب العربية بقوة هذه المرة أنها لاحظت " ارتجاف " جسد النظام العربي معطيا إشارة إلي أن بقية حياة أو حياء مازالت كامنة فيه .
طنت الشعوب أن ذلك النظام شبع موتا فنفضت أيديها منه تماما فقد ظل ذلك النظام علي مدي سبعين عاما من عمر الجامعة العربية يوجه طعنات تلو طعنات لمشاعر وآمال الجماهيرالعربية عبر قرارات ومواقف مخزية ضيعت الحقوق وطرحت الإرادة والقرار العربي أرضا تحت هيمنة العدو
.. وما أكثرالمواقف من هذا النوع خاصة فيما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني ، فقد هيمن العدو الصهيوني بامتياز علي قرارت القمم العربية ومنعها من اتخاذ أي قرار فعلي يوحد الجبهة العربية فعليا ضد ذلك والعدو.. فقط ما كان يصدر عن القمم قرارات آخر مداها الشجب والتنديد فكانت لا تساوي المداد الذي كتبت .. من يدلني علي قرار قمة عربية واحد ينبؤنا بمواجهة حقيقية مع العدو الصهيوني بل العكس فكما امتطي الصهاينة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وسخروها لخدمة مشروعهم الاستعماري امتطوا الجامعة العربية لتخرج قرارتها عديمة المفعول .
وقد ارتكب الصهاينة مجازر عديدة في فلسطين ولبنان بدءا من مجزرة دير ياسين حتي مجزرة غزة في الحرب الأخيرة .. فخبرني بربك بقرار واحد للجامعة العربية ينتصر فعليا للدماء الفلسطينية ، بل إن الموقف العربي خلال الحرب الأخيرة علي غزة كشف عن تيارمتصهين داخل النظام العربي قادته دول كبري أعضاء في الجامعة العربية .. تحالف مع الكيان الصهيوني ضد الضحية الفلسطينية. وإذا دققت في البيان الختامي لقمة شرم الشيخ الأخيرة ( رقم 26) ستجده خاليا من أي مطالبة برفع الحصار عن غزة بل وخلا من عبارة " وعاصمتها القدس الشرقية " عندما أشار إلي إقامة الدولة الفلسطينية وعندما نبه أحد الحاضرين المنصة بالخطأ لم تجد بدا من إضافة تلك الفقرة .
وإذا عدنا بالذاكرة سبعة وخمسين عاما وراجعنا مداولات الجامعة العربية عام 1948م سنجد أن قرار الموافقة العربية علي الهدنة في حرب 48 جاء تحت ضغوط بريطانية ومعها تهديد مندوب الأردن في ذلك الوقت بالانسحاب من عضوية الجامعة إذا لم تتم الموافقة علي قرار الهدنة وبالفعل صدر القرار الذي أعطي للصهاينة فرصة لالتقاط أنفاسهم أمام تقدم وهجمات مجاهدي الإخوان – رغم خيبة الجيوش العربية – وحصار المجاهدين لعشرين ألف صهيوني داخل القدس .. قال عنهم مناحم بيجين في مذكراته " لقد ذهبت الي هناك بتكليف من الحكومة واستطعت دخول القدس فوجدت المحاصرين يكادوا أن يموتوا جوعا وعطشا ، ولولا قبلت الجامعة العربية الهدنة لماتوا جوعا وعطشا وكانت فضيحة كبري لنا " ( جهاد فلسطين في نصف قرن – دراسة ماجستير للأستاذ صالح أبويصير – ليبي – عام 1965م ).
هل تتذكرون عنتريات عمرو موسي أمين عام الجامعة السابق عندما خرج من أحد اجتماعات الجامعة ليعلن بثقة غريبة أن الحصارعلي قطاع غزة انتهي إلي غيررجعة .. وذهبت كلماته أدراج الرياح مع دخان سيجاره الفاخر !
وهكذا يسير تاريخ الجامعة العربية أو القمم العربية مع قضايانا المصيرية بما ولد احباطا قاتلا للشعوب العربية.
لكن ما حدث مع قمة شرم الشيخ الأخيرة أحيا بعض الأمل فقد جاءت قمة مختلفة فيما يخص اليمن واليمن وحده دون غيره من القضايا ، حيث تلاقت رغبة الجماهير العربية الجارفة مع تحرك المملكة العربية السعودية للدفاع عن أراضيها التي كانت قاب قوسين أو أدني من اجتياح حوثي . تلاقت الرغبة الجماهيرية مع التحرك السعودي دفاعا عن أرض الدولة لردع ذلك العدوان والوقوف بقوة أمام ذلك المد الإيراني الأخطبوطي في المنطقة ، فلاقت قرارات القمة الداعمة ل " عاصفة الحزم " ترحيب الشعوب العربية الكبير وإشعارهم بأن النظام العربي فيه بقية من حياة وسرح بي مع الجماهير الغفيرة الخيال بأن المارد سينتفض وأتمني ألا أكون واهما هذه المرة . وأتمني أن تتواصل يقظة الجامعة بقيادة السعودية لتواصل مواقفها القوية في سورية والعراق ولبنان وكل شبر تمدد إليه المشروع الإيراني .
بيان القمة كشف عن سجال سعودي مصري غير مباشر، فخلو البيان الختامي من أي ادانة للنظام السوري والإشارة فقط للجماعات المتطرفة ثم تلاوة رسالة من الرئيس الروسي علي القمة يشير لمحاولات السيسي مجاملة اصدقائه في سورية وروسيا .
لكن رد وزير الخارجية السعودي القوي علي رسالة الرئيس الروسي أفسد المحاولة ، فقد ندد سعود الفيصل بما جاء في تلك الرسالة واتهم بوتين بالاستخفاف بالقمة خاصة عندما تحدث عن حل سلمي للازمات مطالبا باحترام القانون الدولي وأن روسيا تمد يدها للتعاون مع شعوب المنطقة . وجه الفيصل اتهامات قاسية للموقف الروسي في سورية بمد النظام السوري باسلحة فوق طاقته ومحرمة دولية مؤكدا علي ان روسيا جزء من المشكلة وانها لا تراعي القانون الدولي وانها تساهم في ابادة الشعوب ولا تحترمها .
لكن الأخطر – في رأيي – في قرارت القمة هو إقرار تشكيل قوة عربية مشتركة واعتقد أن التحالف العربي المشارك في الحملة الدائرة يمثل طليعة تلك القوة التي يمكن أن تواجه خلال الأيام القليلة القادمة محكا عسيرا ضد القوات الإيرانية التي ستظهر في زي الحوثي بكثافة لتهديد الأراضي الأراضي والمصالح السعودية إذ ليس من السهل أن تستسلم إيران للهزيمة في اليمن لأن ذلك معناه أن تلاحقها الهزائم في سورية والعراق .
وبصرف النظر عن أي اعتبارات فإن كل عربي وطني بات عليه واجب الدفاع ضد أي تهديد للأراضي السعودية أو أي دولة عربية من قبل المشروع الإيراني الاستعماري والذي لا يقل ضراوة عن المشروع الصهيوني .
ويبقي من الأهمية بمكان وضع نظام ولا ئحة تحدد آلية تشكيل تلك القوة وأهدافها بالضبط وحصر مهامها في الدفاع عن أي مهددات لسلامة الأراضي العربية من أي تدخلات اجنبية وإلا فسوف تكون تلك القوة ذات مهمة فضفاضة ويمكن أن تستخدم لقمع الشعوب المطالبة بحقوقها تحت مزاعم الحفاظ علي الامن القومي للدولة وحماية الشرعية و... إلخ . وربما تتحول تلك القوة لقمع أي تحركات جماهيرية ضد العدوان الصهيوني في فلسطين بزعم الحفاظ علي المعاهدات الدولية .
وبعد ..
سمعنا كلمة الحفاظ علي الشرعية في كلمات القادة العرب أكثر من واحد وعشرين مرة .. فقلت في نفسي لعل القوم يتذكرن أنهم بالأمس القريب أهدروا أغلي وأهم شرعية عرفتها المنطقة العربية .. شرعية الرئيس المنتخب في مصر .. فيتحركون لردها .. هل تحدث معجزة ؟!