د . فتحى أبو الورد

يعتبر رد الاعتداء على النفس أو العرض أو المال حقا مشروعا للإنسان إزاء المعتدى ، وتسمى جريمة الاعتداء على النفس أوالعرض أوالمال فى الفقه الإسلامى بالصيالة ، ويسمى المعتدى صائلا ، والمعتدى عليه مصولا عليه .
والصائل عند الفقهاء : هو المستطيل على غيره ظلماً بقصد النيل من ماله أو نفسه أو عرضه.
وقد شرع الإسلام للمسلم رد الاعتداء ، ودفع المعتدى بقدر مايندفع به .
فمن القرآن الكريم : قوله تعالى:" فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيكُمْ فَاعتدُوا عَلَيْه. بمثلِ مَا اعْتَدَى عَلَيكُمْ " البقرة 194 .
قال الطبرى فى تفسيره : العدوان الأول ظلم، والثاني جزاءٌ لا ظلم، بل هو عدل، لأنه عقوبة للظالم على ظلمه، وإن وافق لفظه لفظ الأول.
ومن السنة النبوية : مارواه سعيد بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله، أو دون دمه، أو دون دينه فهو شهيد» .رواه أبو داود والترمذى ، وصححه الألبانى فى صحيح وضعيف سنن أبى داود.
والمراد بالأهل الزوجة والبنتَ والأخت والأم، وكل من يلحقه العار بسببهن.
وروى عبد الرزاق وابن أبى شيبة فى مصنفيهما بسنديهما أن رجلا استضاف ناسا من هذيل، فأرسلوا جارية لهم تحتطب، فأعجبت الضيف فتبعها، فأرادها على نفسها، فامتنعت فعاركها ساعة فانفلتت منه انفلاتة، فرمته بحجر، ففضت كبده فمات، ثم جاءت إلى أهلها، فأخبرتهم فذهب أهلها إلى عمر، فأخبروه، فأرسل عمر، فوجد آثارهما، فقال عمر: «قتيل الله لا يودى أبدا» .
وذهب الفقهاء كما ذكر الشيخ مصطفى البغا فى كتاب التذهيب في الفقه الشافعي ، إلى أن الدفع واجب إن كان الصيال ( الاعتداء )على العرض أو النفس، لأن ترك المدافعة عن العرض إباحة له، ولا يملك أحد إباحة عرضه لأحد في حال من الأحوال، وترك المدافعة عن النفس استسلام للظالم، وهو لا يجوز ، وأما إن كان الصيال ( الاعتداء) على المال، فله دفعه وله تركه، لأنه يملك إباحة ماله لغيره ، فيحمل ترك دفعه على الإذن له فى أخذه.
والمدافعة عن نفس غيره وماله وعرضه كالمدافعة عن نفسه وماله وعرضه، دل على ذلك: ما رواه أحمد في مسنده : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أذل عنْدَهُ مُؤمن فَلَمْ يَنصُرْهُ، وَهُوَ قَادر عَلى أن يَنْصُرَهُ، أذًلَّهُ الله عَلى رؤُوسِ الخَلاَئِق يَوْمَ الْقيَامَةِ) .
وقد قرر الفقهاء منهم القرافى وابن العربى والغزالى ، أن كل مايترتب على دفع الصائل ( المعتدى ) هدر ، أي لا يضمن المعتدى عليه ما أتلفه فى المعتدى ، ولا إثم عليه في تصرفه، فلو كان القاصد له إنسانا وقتله، فلا قصاص عليه ولا دية، ولا كفارة، ولو كان حيوانا وقتله، لا يضمن قيمته، وكذلك لو أتلف له عضواً، أو أحدث فيه عيباً. وإذا لم يستطع الدفع عن نفسه وقُتِلَ كان شهيدا.
هذا ما يقرره الإسلام من فقه فى شريعة الإنسانية ، لا شريعة الغابة ، فقه الشهامة والمروءة ، وفقه العزة والكرامة ، لا فقه الاستكانة والمهانة .