د. محمود مسعود
أستاذ الفكر الإسلامي بكلية دار العلوم
 
قد يتبادر إلى ذهنك أيها القارئ الكريم أني أبحث عن حل عند من قتل ونهب وانتهك أو عند من أعان ورضي ودفع، فأعجل لك بأنه لن يكون عندهم شئ ولن يُرجى منهم خير، وقد تمسك قلبك خوفا من أن أطلب حلا من الضحية وأن تقدم رأسها حانية منكسرة إلى جلادها، فهذا ليس من شيم الرجال. إذا ما هي الحلول التي سأقدمها؟ من يعيش الأزمة يعرف تصورها جيدا ومن يعيشها وهو بعيد عن المعركة يراها رؤية كلية أكثر واقعية ممن يعاينها أحيانا، لذا هي حلول ممن يعاني همومها يوميا بقلبه وعاطفته وفكره وإن بعد عن ساحة السجال قٌبيل الانقلاب بقليل.

 أولا: الحل القريب وهو السعي لقتل ديكور الانقلاب ومظهره المباشر في مصر (عبد الفتاح السيسي) وبقتله ستتحرك مطامع من يرغب في أن تبوأ موقعه وبتناحرهم سيقع العسكر وسيضطرون للتصالح مع الحركة الإسلامية! وقد لا يكون في الصلح ساعتها انكسار من طرف الإسلاميين، حتى لو قدموا كثيرا من التنازلات لطرف من العسكر على حساب طرف، لكن هذا الحل مبني على اساس أن العسكر يحكمون وحدهم المشهد وهذا ليس صحيحا، فالعسكر مثل صورتهم السيساوية ليسوا إلا مظهرا لمن يدير عاصمة الأمة (مصر) منذ أكثر من (140) عاما تحديدا(1869م) وقد كتبت أكثر من ستين مقالا لبيان هذا الحاكم وبينت أنه المشروع الغربي وليس دولة غربية ولا قوة غربية بعينها، فقد يتقاتلوا فيما بينهم، لكنهم يتناسون كل شئ عند خوفهم من سقوط فريستهم (مصر) في يد شعبها، فيتركون الأقرب منهم لنهب الفريسة (فخضوعها هو خضوع الشرق كل الشرق) ويحيطونه بالعون ليستمر فترة وقد يتصارعون على بعض أعضاء الفريسة لكنها لابد أن تبقي في يد واحدة أو أكثر من بينهم.

ثانيا: (الحراك الدولي وفضح النظام الغربي) وهذا لظنك أيها الكريم من جيلنا أن هذا الحراك سيوثر في شعوب الغرب، المؤمنين بالحريات وحقوق الإنسان وأن هذه الشعوب وربما يكون لها تأثيرا على حكوماتهم، خاصة أنك يئست من النظام الدولي (الأمم المتحدة علينا)، فأحيطك علما بأن هذه الشعوب مات نصفها وغرق في الحياة السهلة الرخوة ولا يشغله إلا ما يزيدها نشوة مادية ومتعة جسدية، وأن حقوق الإنسان هي أن يكون حيوانا يأكل ويستمتع وقد عشت هناك خمس سنوات وأعرف هذه الشعوب معرفة شبه جيده، فلو نقص راتب أحدهم خرج يتظاهر وإن غلا ثمن تذكرة السينما أقام المآتم هناك، فلا تشغل بالك بهذا النصف الغارق في أسفله، وقد بات أعلاه مطية لأسفله. أما نصفه الأخر فبعضه معك، لكنه بعيد عنك لما صوروك له؛ بأنك إرهابي قاتل مجرم حقود سفيه، فبالتالي هو متردد بين بقية الإنسان فيه، يرد الوقوف معك في حقك كإنسان، وبين صورتك (الوحش المخيف الذي يريد أن يأكله). أما بقية هذا الإنسان ما خلا بعض أصحاب الضمير فأنت عدوة الذي أخرجته من الشام ومصر وأفريقيا وأسيا عندما قضيت على الامبراطورية الرومانية !!!!

ثالثا: الحل البغيض (حرب العنف) وكفرك بالسلمية وعندك ما يبرره، حيث إنك ميت على كل حال، إما بإعدامات موظفي السلطة القضائية الذين يطلق عليهم الناس قضاة زورا وبهتانا، فالقاضي لو كان ظالما يأخذ اجراءات سليمة، أم هؤلاء فليس قضاءً أصلا فهم مجرد موظفون عند من يريد ولا يعرفون القضية من الأساس. كما أنك ميت بالتظاهر أو بالقبض عليك أو بالجوع أو بعدم قدرتك على سد حاجياتك، فلما لا تموت في ساحة الوغي؟! على الأقل حينها تكون قد أصبت من عدوك ما يرضيك. لكنك يا سيدى أنت مسلم ولا تستطيع أن تقتل من غير بينة، وبالتالي ربما تقتل أخاك وأنت تريد قتل عدوك، فكم من إخوانك الضعفاء ربما يقفون مع عدوك صورة فقط، ودموعه تملأ ساحات بيته وسجادته ! كما أن تكلفة حرب العنف غالية جدا وأغلاها ثمنا هو التدخل المباشر للأجنبي في بلدك بحجة حماية رجاله سرا والشعب علنا(شعبه هو من العلمانيين واليساريين وكارهي الإسلام).

رابعا : أظنك قد يئست من حلولي، أرجوك لا تقلق، فليست كل الأبواب مغلقة. نعم هناك باب واسع للحل سأبشرك بخيوطه وفيه نقاط :

-    إلغاء فكرة الصلح في جيلنا؛ لأنه يوجل الجولة الكبرى لجيل أو جلين آخرين ويحرمك أيها الجيل العزيز وأنت على أبوب النصر من بلوغ غايتك الشريفة، ثم أنه لن ينفعك، حيث ستخسر كل ما قدمت من تضحيات وستخرج مختلفا فيما بين أفرادك وأطيافك على طرق الحلول الجديدة بعد الصلح، وربما تختفي قضيتك أجيلا عديدة، فتخسر كل شئ فلا تطرح على عقلك فكرة الصلح مع من داس على دينك وعقيدتك فهي أغلى من الصلح من أجل ذاتك وبقاء حياتك.

-    ثم عليك زيادة الفاعليات والصبر عليها من مظاهرات وقطع الطرق وعدم تحويل الأموال واغراق الشارع بالبوسترات ومقاطعة الشركات وغيرها من اجراءات تقوم بها بالفعل لكنك تراه طريقا طويلا وتخشى الياس من الاستمرار ولكي تتجنب الياس فالنقطة الرابعة ستعينك على الاستمرار حتى سقوط الانقلاب وفتح طريق المجد.

-    ومع ذلك يمكنك الابتكار في المواقف والحلول فمثلا يمكنك اتخاذ اجراءات سريعة ومنظمة ومعقدة أحيانا منها أن  تقوم بجمع صف مؤيديك في العالم ودفعهم بالاتجاه نحو مصر برا وبحرا وجوا بخطة منظمة، بحيث تدعو كل مؤيد لك بدخول مصر في تاريخ تحدده ولو مشيا على الأقدام من جميع حدودها وتخرج أنت في هذا الأسبوع بمظاهرات قوية وتوجه ضربة إعلامية للحليف الغربي، خاصة إذا سقط منسوبون لأوطانه بنيران الانقلابين، حينها لن يستطيع دفن رأسه في مصالحه، بل سيضطر أن يفتح مجالا حقيقيا للتفاوض معك، وسيضطر لخلخلة حكم العسكر في عاصمة الثورات العربية، لكنه لن يكون مفيدا لك بأكثر من تغير وجهة المحتل ودفعه للتفاوض.

-      أما الحل الأمثل فهو طريق طويل وهو قائم على فهمك الذي يجب أن تسوق له بين أتباعك: (أن الانقلاب نعمة عظيمة لا يعرفها إلا من أراد بحق فتح المجال أمام الإسلام ليكون دين كل البشر في عصره) وقد كان هذا حلم كل جيل من الأجيال السابقة من الأمة سيتحقق بك أيها الجيل الموعود، وبهذا الفهم ستصبح أشرف جيل عرفته البشرية بعد جيل الصحابة رضوان الله عليهم، فستسبق بعض التابعين وتابعي التابعين الذي عاشوا يبنون فكرا أكثر من بناء جسور الإسلام في الأرض (فقد فتح جيل الصحابة بعد ربع قرن من وفاة نبينا صلى الله عليه وسلم نصف الأرض) وترهل من جاء يعدهم ففتحوا قليلا وكتبوا كثيرا وتهاونوا في فتح الدنيا، فجاءت إليك الفرصة أيها الجيل الموعود (كجيل وليس كأفراد)، فارتفع مقامكم الأمة ولم يكن هناك جيل مثلك إلا جيل الصحابة وبقية من أفراد وليس جيلا كاملا ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر فحصرهم مستحيل: ابن المسيب ومالك بن أنس وأحمد بن حنبل وان تيمية والغز بن عبد السلام وعثمان فودو والإمام عبد القادر وعمر المختار وسعيد النورسي وحسن البنا وسيد قطب وشامل باسييف وغيرهم، لكنكم أنتم جيل تفوق على أجيال عديدة انزوت أثناء المعركة وسكت بعضهم بعد أولى ضربات السوط، ولكن رغم انزوائهم كانوا أفضل ممن أراد أن يقود مسيرتكم إلى الهلاك أمثال: حساك الذي يطلق مدافع الخطب لكي تتوقفوا عن حلمكم، أو برهاك الذي يطلق التبريكات لمن يقتلكم لكونك ارهابيون أو جمعاك الذي يرى أن سيد المسلمين الترك ديوثا وأن من هتك البنات في مصره سيد الأشراف!

نعم هذا طريق طويل ولا يمكن أن يُعد بالساعات، بل يحتاج إلي عمرك أيها البطل، نعم يحتاج إلى عشرين أو ثلاثين عاما يا جيل الفتح، ومع ذلك لا تقلق فستذوق يقينا النصر، لكن نقطة بنقطة، وخطوة تليها أخرى وشيئا فشيئا وليس بالضربة القاضية وقد تهدى كرامة وقد تتحقق معجزة فوق قدرتك، شرط أن تعلم وتوقن بأنك لست أقل شأننا ممن مات في غزة والغوطة وفي رابعة والنهضة ولست أقل شأننا ممن فقد ماله وعياله في سوريا وليبيا واليمن، بل أنت هو الذي نوه عليه القرآن(ثلة من الآخرين) فأنت من هؤلاء فلتحقق شروطهم فيك، وتسير على ضربهم، ولابد أن تكون أنت هو: وأن تستمر في هذا الطريق وكل يوم سيمر ستكسب أرضا وتُفتح لك قلوبا، وتوفيق الله يحيطك من كل جانب، فلو سقط الانقلاب غدا لا يعني أنك حققت حلمك، فليس حلمك تافها إلى هذا الحد، وأنت من قدمت كل هذا، بل أنت أيها الجيل الفريد بعد جيل القرآن الأول قد فتحت بابا واسعا لحكم الله في الأرض، فلا تواري ولا توارب، بل قل: أنك تريد تعبيد البشر لله تعالى، لكن كن واقعيا ولا تكن مبالغا في الخيال ففتح قلوب الناس لا يكفيه سقوط انقلاب، إنما يحتاج استمرار بذل الجهد لسنوات طوال، لا تعرف فيها الراحة والدعة والكسل أرح نسفك الأسفل، وأخبره بأن يكون من اليوم وسيلة لا غاية، واحمل نصفك الأعلى ليكون مديرا للكون ومستحقا للاستخلاف الذي يقوم على اكتشاف كنوز الدنيا وابدأ باكتشاف نعمة العقل التي أرادوا دفنها بين فكيك وفخذيك منذ زمن بعيد.

 والحل الواقعي كما أراه وأخطه لجيلنا هو خطة طويلة طموحة تعتمد على فضل الله عز وجل والقين في أننا من جنده، فعندما نوقن بأن وراء كل حدث حكمة ولكل حادث سر مكنون عند بارئنا، وعندما يرتفع إيماننا وتنتصر فينا عقيدتنا على حب الحياة وسفاسف الدنيا، كما انتصرت عند من سبقونا من شهداء رابعة وأخواتها، وعندما نعلم أن أعظم نصر هو انتصارنا على الخوف والضعف وعلى استلذاذ التشفي بالنصر والزهو به في دنيا الناس، وأن انتصار عقيدتنا على آلامنا هو فتح باب القبول لنا، عندها سنوقن بمعنى العبودية؟ وحينها نستحق معاً كمال التشريف منه تعالى، كل ذلك عندما نعطي بلا مقابل (انتظار هزيمة الانقلاب العاجلة) حينها سننتصر على الدنيا كلها وليس الانقلابين، وعندما يعلم الله منا هذه النية سيفتح لنا من خزائن رحمته ما يجعلنا وجيلنا سادة الدنيا، لأننا سنكون بحق مؤتمنين على هذه الدنيا، لكوننا تجردنا فعلا لله تعالى ولم نصبح مجرد مسلمين أو جامعي مغانم باسم الإسلام ولن نصبح سلفين، صوفين، إسلاميين حزبيين ...، بل سنصبح عبادا ربانيين وسنحب ونحنو على كل من سار على ضرب الله مهما حمل من أسماء ومسميات.