هل جرّبت يوماً لذة الصفح والتسامح؟! هل بادرت يوماً إلى أن تتساهل في أخذ حقوقك من الآخرين وتتنازل عن جزء منها تسهيلاً وتيسيراً لهم؟! إنَّها عبادة لو يتذوّق المقصّرون لذتّها لما تركوها أبداً!!


كم من مُعسر في حياتنا يبحث عمّن ينفّس كربته! وكم من متضايق يبحث عمّن يفرّج ضائقته! فهل نكون أحد هؤلاء نرجو بذلك الله والدار الآخرة، حيث دار البقاء التي لا فناء فيها.

كم من القصص والأخبار التي سمعتها وقرأتها، بل وربّما شاهدتها عن قيمة الصفح والتسامح، كانت رائعة في عينيك، تأثّرت حينها، لكنّها لم تترك أثراً في أفعالك ومسيرتك، لا يزال في الوقت بقيّة وأحوال الناس في ضيق وشدّة، وميدان التنافس قائم مفتوحة أبوابه للعمل والمبادرة، فهل تكون لها؟!

لقد حثّنا المولى تبارك وتعالى عن العفو والصفح فقال: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}. [الأعراف: 199]. قال السعدي: (هذه الآية جامعة لحسن الخلق مع الناس، وما ينبغي في معاملتهم، فالذي ينبغي أن يعامل به الناس، أن يأخذ العفو، أي: ما سمحت به أنفسهم، وما سهل عليهم من الأعمال والأخلاق، فلا يكلفهم ما لا تسمح به طبائعهم، بل يشكر من كل أحد ما قابله به، من قول وفعل جميل أو ما هو دون ذلك، ويتجاوز عن تقصيرهم ويغض طرفه عن نقصهم).

وعلّمنا الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ذلك بقوله: ((ممن نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة)). قال ابن رجب الحنبلي: (والكربة: هي الشدة العظيمة التي توقع صاحبها في الكرب، وتنفيسها أن يخفف عنه منها، مأخوذ من تنفيس الخناق، كأنّه يرخى له الخناق حتّى يأخذ نفساً، والتفريج أعظم من ذلك، وهو أن يزيل عنه الكربة، فتفرج عنه كربته، ويزول همّه وغمّه، فجزاء التنفيس التنفيس، وجزاء التفريج التفريج).

ومن ميادين تطبيق خُلقَي الصفح والتسامح ميدان البيع والتجارة والقضاء، الذي يكثر فيه الخلاف والتنازع والقطيعة، ويفتقد في كثير من الأحيان إلى التربية النبوية الرّائدة التي تدعو إلى التسامح في البيع والشراء والقضاء، فعن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم قال: ((رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى)). قال المناويّ: (سَمْحاً) بفتح فسكون جواداً أو متساهلاً غير مضايق في الأمور؛ وهذا صفة مشبهة تدل على الثبوت، ولذا كرَّر أحوال البيع والشراء والتقاضي. وقال ابن بطَّال: (فيه الحضُ على السماحة وحسن المعاملة، واستعمال معالي الأخلاق ومكارمها، وترك المشاحة والرقة في البيع، وذلك سبب إلى وجود البركة فيه، لأنَّ النبيَّ عليه الصّلاة والسَّلام لا يحضّ أمته إلاّ على ما فيه النفع لهم في الدنيا والآخرة).

المصدر : موقع بصائر