بقلم : حسن القباني
تدور خطابات شتى في لحظات مهمة من عمر الثورة المصرية ، بين فريقين ، احدهما يتبني اقصاء الاسلاميين تماما من المشهد الثوري بالاكراه وخاصة الاخوان المسلمين لصالح خلق قيادة بديلة ومشبوهة ، والثاني يتبني الحشد لأدلجة الثورة براية اسلامية مطلقة ، لصنع ما يرى انه "النقاء الثوري المستند لتضحيات الاسلاميين" منذ 25 يناير وخاصة بعد الانقلاب في ظل غياب العلمانيين وتواطئهم مع العسكر ، بينما يقف فريق في الوسط يرفع بوصلة 25 يناير وأهدافها الجامعة ويجمع الصفوف ويصحح المفاهيم ، مهموم بالأساس لا بالواجهة ، ونحن منهم ولا فخر.
لا ينبغي أن يأخذنا تطرف العلمانيين واليساريين المواليين للانقلاب العسكري والهيمنة الصهيوامريكية ، إلى سكة مضادة له في الاتجاه متوافقه معه في الخطأ ، ونمارس الاقصاء بحجة التضحيات ، وكأننا نقايض عليها ، فلا هذا صحيح ولا ذالك صحيح ، والإسلام كمنهج حياة ، يرشدنا الي الطريق الصحيح .
ولا ينبغي الانجرار وراء كلمات غير راشدة ، تخرج من هنا وهناك لنكفر ببعضنا البعض في المطلق ، ولا ينبغي أن نعول على متطرفي "العلمانية" أو الاسلاميين المتعجليين ، فالثورة وسيلة واجراء ، ونعت الوسيلة أو الاجراء بالايدلوجية ليس دقيقا ولا ايجابيا الآن ، ويعيدنا الي عقود سرقت منا المعاني والحقائق تحت بريق المسميات والألفاظ ، أما الاحتكار المرضي لبعض المرضى النفسيين من رواد سهرة 30 يونيو الذين باعوا الثورة يحتاج لاستكمال العلاج النفسي ، و لا نعول على اصطفاف معهم ولا حتى اقصاء، فليس على المرضى حرج.
لقد احتفي الثوار من اليمين الي اليسار في ميدان التحرير اثناء اعتصام يناير المبدع ، بصلاة القسيس بجوار صلاة الشيخ ، ورفع الهلال مع الصليب ، ولازال هتاف المسيحي بعد سقوط مبارك " الله وحده اسقط النظام " يتجدد في اذان الثورة ، وفشلت كل محاولات اشعال الفتنة الطائفية ، وجرت تضحيات ثقيلة من ابناء مصر ، حتي فوز الثورة بالحكم لتطبيق اهدافها ، وخسارة الثورة المضادة لقصر الاتحادية ، وما نجح جزئيا بتشاركية لن ينجح كليا الا بذات الطريق دون اقصاء ولا ابتزاز ولا استعجال.
إن حراك يناير الثوري الذي انطلق من مساجد المحروسة ، ودشن موجة الدفاع عنها ضد الانقلاب العسكري من مسجد رابعة العدوية ، له قاعدة صلبة موجودة في كل منطقة في مصر تعلي شعارات ومباديء الاسلام العقيدة والحضارة ، وهو ما دفع مسئول رفيع المستوي في سفارة غربية للتساؤل : "لماذا يهتف المصريون : ديني وبعشقوه ، لن تركع امة قائدها محمد ، انا مسلم مش هستسلم ؟!"، وهو حراك متنوع اعلن فيه عقلاء المسيحيين رفضهم للدعم الديني للكنيسة ودشنوا حركة "مسيحيون ضد الانقلاب "، وهو ما يعني كذلك أن مصر بهويتها الحضارية التي لا تفرق ، لا تحتاج الي طرح ثورة جديدة ببعد اسلامي مطلق واستبعاد 25 يناير التي تجذر فيها البعد الهوياتي بعفوية مصرية في بلد متدين بفطرته.
وليس من الحكمة التعميم لفرض واقع غير حقيقي ، تبني عليه تصورات ، فعلى الرغم من وجود متطرفين وسليطي اللسان واغبياء في المعسكر اليساري العلماني الموالي للانقلاب ، الا انه يجب التذكير انه يوجد قطاع محترم من التيار اليساري والليبرالي والعلماني موجود في قلب الثورة ضد الانقلاب يدافع عن حق الاسلاميين كما يدافع عن حقوق الشعب المصري وارادته ، وليس معني ذلك الركون لكائنات الغرور العلمانية .
إن الأيام تعيد نفسها ، وتحت وطأة القمع وامد الصراع ، يلجأ البعض الى اختصار مخل لمساحات الوعي ، فتخرج صيحة الأدلجة التامة بالتزامن مع حملات مهمة ومقدرة للدفاع عن الهوية الاسلامية التي استباحها الانقلاب العسكري ، لتسقط كل ملامح المشهد المتنوع المبهر تحت وطأة الغضب المشروع من غرور وكبر العلمانيين واستعجال البعض ، بل ويتم تجاوز ثوابت الحراك واساسياته ومنطلقاته لصالح بريق الفاظ جديدة دون مشاريع حقيقة ولا جدوى منتظرة ولا دراسة للمآلات .
ولذلك من الأهمية بمكان التفرقة بين الانتصار للهوية وبين مناداة البعض لتأسيس ثورة مدلجة ، فهناك فرق كبير بين مطلب شعبي ضمن مطالب عدة في حراك استكمال ثورة ، وبين الاتجاه لتجاهل كل شركاء الثورة ضد الانقلاب وملامح اساسية في الفكر الاسلامي، لتأسيس ثورة جديدة دون عدة ولا عداد ولا تخطيط ولا رؤية مستقبلية فضلا عن تحويل معركة جزئية الي معركة كلية، بما يخدم علي اصطفاف معسكر الخصم المتفرق، ولا يعني هذا تسول الاصطفاف من كائنات الغرور كما يظن البعض ، فالمعني بخطابنا هو الشعب المصري باسره ، هو هدف الدعوة والثورة فمن شاء فليصطف ومن شاء فليصمت ومن اغتر اسقطناه.
لقد قلنا –ولازالنا- أن الثورة ايمان ، وإن الكتلة الصلبة القائدة الموجودة في الشارع هي الكتلة الاسلامية وبجوارها كتلة مؤمنة بربها وقضيتها ، تتحرك في ميادين تسع الجميع ، تجدد نيتها قبل الحراك وبعدها، ما يعني ان اسلامية الدعوات موجودة وليست في حاجة الي جدليات الالفاظ واللافتات وطربوش الرايات، ولا يسحبنا غرور المتكبرين الي سلق المشهد واستعجال ثماره، ولنتذكر جميعا ان حراكنا كله لله :"قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين".
إننا لسنا بالخب ولن يخدعنا الخب ، وجهاد التيار الاسلامي عبر تاريخه موجه لخير الشعب والوطن والامة ، ودفع الاسلاميون ضرائب باهظة لتحيا الشعوب العربية ، ولقد كان ظاهرا ان الشعوب ردت الجميل للاسلاميين مع اول استحقاقات دستورية عقب ثورات الربيع العربي ، وهو ما يوجب التذكير ببوصلة الاخلاص ، والعيش في رحاب هتافنا الخالد : "في سبيل الله قمنا نبتغي رفع اللواء لا لدنيا قد عملنا لا لمنصب قد عملنا ، نحن للدين فداء فليعد للدين مجده أو لتراق منا الدماء ".
إن هذا الدين ليس عبادة وشعائر فحسب ، بل هو عقيدة وحكم ، وشريعة ودولة ، وحق وقوة ، وحرية وهوية ، وقصاص وعدل ، وايمان وعمل ، وكرامة وعيش كريم ، أو هو كما يقول الداعية الراحل فتحي يَكَن " منهج حياة بكل ما في هذه الكلمة من معنى"، كما يقول الشيخ محمد الغزالي: (ليس الإسلام طلقة فارغة تحدث دوياً ولا تصيب هدفاً، إنه نور في الفكر، وكمال في النفس، ونظافة في الجسم، وصلاح في العمل، ونظام يرفض الفوضى، ونشاط يحارب الكسل، وحياة فوارة في كل ميدان).
ولذلك عندما سألنا السائل : "من نحن وماذا نريد ؟ " ، قلناها واضحة تحت ظلال استكمال ثورة 25 يناير : اسلامية دعوتنا وشعبية ثورتنا ، صفرية مطالبنا وتراكمية معركتنا ، الايمان عدتنا والهوية حصننا ، الجهاد طريقنا والسلمية خيارنا ، مقاومة الظلم حقنا والكرامة درعنا ، الحرية هدفنا والعيش الكريم مقصدنا ، القصاص مطلبنا والعدالة وجهتنا ، الانقلاب خصمنا والصهاينة عدونا ، حب الوطن سلاحنا وتحرره عزنا ، صمت اذن الدنيا ان لم تسمع لنا" .
إن ثورتنا – ثورة 25 يناير - مصرية عربية اسلامية.. مصرية المكان والأهداف ، عربية الأمال والطموحات، اسلامية الوقود والقاعدة ، معركة الهوية جزء منها ، ومعركة الحرية مفتاح تطبيق كل الاهداف والتطلعات بما فيها تطبيق الشريعة ، حتي لا نخلق استبداد بلافتات فكرية مختلفة ، ومعركة الاستقلال أساس جذري في الانطلاق والانجاز، ومعركة القصاص جزء حيوي فيها ، فلنكمل ثورة 25 يناير ، ببصر وبصيرة ، واخلاص ووعي، ولنركز على الشعب ولنتجاهل كل متكبر ناعق ولننصح كل مستعجل ، والله غالب على امره ولكن اكثر الثوار لا يعلمون.
------------------
*منسق حركة صحفيون من أجل الاصلاح