سعى الإخوان المسلمون دائما إلى تقوية الأزهر ودفعه باتجاه أداء دوره التاريخي في قيادة الأمة نحو النهضة والتحرر ومواجهة التحديات، فالإخوان يعتبرون دورالأزهر وغيره من المؤسسات الدعوية يصبان فى نفس هدف الإخوان وهو السعى لنشر الفكرة الإسلامية الوسطية؛

وكان موقف الإخوان من الأزهر بعد قيام الثورة واضحاً ويدعو باستمرار إلى تطوير الأزهر وتطوير المناهج الدراسية بما تتناسب مع متغيرات العصر فتنتقد جريدة "الإخوان المسلمون" فى أحد أعدادها المناهج الدراسية

فتقول تحت عنوان " عصر المماليك مازال فى الأزهر":

إن الألوف من الشباب التى يقدمها الأزهر تمثل ثروة بشرية وثروة عقلية ضخمة، ولكن التعليم فى الأزهر يجمدها ويحرمها الحركة، لأن الإجتهاد موقوف ولأن مقارنة أدلة الفقهاء من مختلف المذاهب معدومة، والطالب الأزهرى يدرس الألفية منذ نعومة أظافره لكنه ضعيف فى التطبيق، ويصم الفقه صماً لكنه ضعيف فى الاستنباط ويتلقى علوم المطق وآداب البحث أو المناظرة والبلاغة لكنه ضعيف فى الإنشاء.

وتختتم الجريدة بقولها:

" فهل ينتظر الأزهر أن يرسل الناس أبناءهم لهذه المهالك، أم الأولى أن يلايمها ويجعل مناهجه متوازنة مع التعليم العام إن كان لم يقنع بعد بتوحيد مناهجه فى معاهده الإبتدائية والثانوية مع التعليم العام".

وتواصل جريدة الدعوة حملتها من أجل تطوير الأزهر فتنشر رسالة من الشيخ محمد الأودن عضو لجنة الدستور حول الأزهر فتقول الرسالة:

قرأت فى العدد الماضى من جريدة الإخوان المسلمون هذا المقال "عصر المماليك مازال فى الأزهر"
وكاتب هذا المقال يريد من غير شك الدعوة إلى إصلاح الأزهر وهذا مايتمناه كل مسلم غيور على دينه ولكنى ألاحظ على الكتاب الذين يتعرضون لإصلاحالأزهر ملاحظتين:
الأولى: أنهم يحاولون الطعن فى الأزهر وطلاب الأزهر وعلماء الأزهر ويستعملون بعض الألفاظ التى لاتليق بالرجل الذى يدعو إلى الإصلاح وهذا الطعن والتشنيع لن يفيد إلا أعداء الإسلام والمستعمرين الذين يريدون هدم هذه الجامعة التى يؤمها كثير من طلاب العالم الاسلامى لينهلوا من معارها ثم يرجعوا إلى قومهم مبشرين ومنذرين وهادين ومصلحين.
الثانية: أنهم يهتمون بناحية واحدة وهى نقد العلوم الأزهرية وطرق تدريسها ونظم الامتحانات وعدم مسايرتها لنظم التربية الحديثة وغير ذلك من الامور التى تحتاج إلى الإصلاح ولكن بحذر وروية حتى لاتتعرض الجامعة الأزهرية للانهيار من أجل ذلك الاصلاح المزعوم، وكان الأربى بهؤلاء المصلحين أن يهتموا بشرح رسالة الأزهر والوسائل التى تساعد على تحقيقها عمليا".

ومن حرص الإخوان على تطوير الأزهر وتنميته كان من النقاط الأساسية التى سعت الجماعة إليها فى حوارها مع مجلس قيادة الثورة فيروى الأستاذ محمد أبو النصر عن هذه اللقاءات:

كان من بواكير اللقاءات التي تمت هي دعوة الضابط عبد الناصر قائد الحركة لفضيلة الشيخ "محمد فرغلي" ومعه محمد حامد أبو النصر لتناول الإفطار في منزله بمنشية البكري، وفي الساعة السادسة صباحا الميعاد المحدد لهذا اللقاء توجهنا إلي منزله فوجدناه في انتظارنا في حجرة الاستقبال وبعد قليل جلس ثلاثتنا حول مائدة صغيرة أعدت بإفطار مبسط عادي؛

وأذكر أن دارت بيننا أحاديث بدأها الضابط عبد الناصر من أهمها:

العمل علي إزالة آثار العوائق التي وقعت بين قيادة الإخوان وقيادة الحركة ، كما كانت مسألة إصلاح الأزهر الشريف منار الإسلام وما يجب أن يكون عليه من كفاءة حتى يؤدي رسالته .. وهنا لوح الضابط عبد الناصر بإشارات خفيفة حول إسناد مشيخة الأزهر لفضيلة الشيخ فرغلي؛

كما تناول الحديث إرسال بعثات إسلامية من الإخوان المسلمين إلي جنوب أفريقيا لحاجة شعوبها إلي الإسلام وقد لاحظت علي هذا اللقاء أمرين :

أحدهما: أن الدعوة كانت موجهة لفضيلة الشيخ فرغلي ولي علي اعتبار أننا جميعا من أبناء محافظة أسيوط وبهذا كان يريد الضابط عبد الناصر بدعوته لنا هو استقطاب إخوان أسيوط حوله . وهذه صورة أقل ما يقال عنها إنها نعرة قبلية جاهلية..
والآخر: هو عندما طلبت دخول دورة المياه لقضاء بعض حاجتي وأثناء خروجي وبينما كنت أتوضأ لاحظت الضابط عبد الناصر يدخل الدورة ويفتشها بدقة وهذا أمر كان له وقع سيء علي نفسي إذ ظن أنني أخفيت له شيئا ما ، وهذا إن دل علي شيء إنما يدل علي ريبته في الإخوان وسوء ظنه بهم .

ولما انتهت الزيارة وركبت مع أخي فضيلة الشيخ فرغلي السيارة ذكرت له هذه الواقعة الأخيرة فضحك كثيرا وقال معلقا:(أصلك انت راجل خطير يا عم) وأخذ يكرر هذه العبارة ونحن نتبادل التعليق والضحك والأسف الشديد . ...

ومما يذكر أن هذه الواقعة لم أذكرها لأحد في حينها ولا يعلم بها سوي فضيلة الشيخ فرغلي والدافع لهذا الكتمان هو تهيئة الجو لتوثيق الرابطة وجمع الشمل.ومما هو جدير بالذكر أنه رغم وجود الروابط التي كانت تربطنا بالضابط عبد الناصر .

هكذا كان يجرح علماء الدين ويمقتهم بقصد زعزعة الدين والتهوين من شأنهم في قلوب الشعب المصري المتدين. وكذلك فعل الأزهر الشريف بحجة تطويره مع مقتضيات الحياة، وبذلك ضاعت معالم الأزهر الذي كان يخرج كبار العلماء، الذين حفظوا للدين قوته وهيبته، وهكذا صار الأزهر معهدا ككل المعاهد فلا يحسب له حساب ، ولا ينتفع به في توطيد أركان الإسلام، وكذلك قصد من تطوير الأزهر إفساده، ليقضي عليه، كما قضي كمال أتاتورك علي الخلافة الإسلامية".

ويصف الأستاذ عمر التلمساني واقع الأزهر خلال تلك الفترة فيقول:

إن أكبر إساءة، وجهها جمال عبد الناصر إلى الدين الإسلامي، هي الجريمة الكبرى التي صرف بها الأزهر عن مهمته الكبرى في تدريس العلوم الدينية وإتقانها، والمحزن فعلا أن بعض علماء الأزهر ساروا في الركب، ولا داعي لذكر أسمائهم لأننا لا نشهر بأحد؛
ولكننا نذكر الحقائق لكن سجلها التاريخ في صحائفه، فلا يعفى عليها النسيان بمرور الأشهر والأعوام، إنها الجريمة التي سماها عبد الناصر تطوير الأزهر، وما هي في الحقيقة إلا الرغبة الجامحة في القضاء لا على الأزهر أصلا، بل القضاء على الدين الإسلامي، بدءا بالأزهر، باعتباره الحصن الذي حمى شرع الله مئات السنين من العبث والتغيير.
لقد كان التدريس في الأزهر، يتم عن طريق حلق التدريس، يجلس كل شيخ إلى عامود، ويحضر أمامه من الطلبة من يحضر، وقد يكون إلى عامود آخر شيخ يدرس نفس المادة، ولم تكن هناك مذكرات تطبع وتباع للطلبة ولكن شيخ المادة ينبه الطلبة إلى الكتب التي تتحدث في نفس المادة التي يدرسها، وهذا النظام هو أبدع نظام جامعي، تتبعه اليوم أكبر الجامعات العالمية كالسربون وغيرها؛
وكان هذا النظام يخرج أفذاذا من الذين تعتز بهم العلوم الإسلامية، وهذا النظام هو الذي حفظ على الأزهر مكانته واستمراره في العطاء العلمي والديني والخلقي، وكان للأزهر ورجاله المواقف الفاصلة في الأحداث السياسية بمصر، كما كان حكام مصر يقيمون أكبر الوزن للأزهر ومشايخه فيما يريدون أن يصدروه من قوانين وإصلاحات.
وقدر أعداء الإسلام ما لهذه القلعة الأزهر من أثر في المحافظة على المقومات الإسلامية ونموها وامتدادها واستمرارها فأخذوا يكيدون له بمختلف الوسائل، حتى واتتهم الفرصة عن طريق جمال عبد الناصر فسخروه لتنفيذ مؤامراتهم، فآذى الأزهر والمسلمين، بهذا التطوير الذي أجراه وأعانه عليه بعض المشايخ، الذين أترك حسابهم في هذا الموقف على الله.
وما بين يوم وليلة، اهتزت أعمدة هذا الصرح العتيد، وخاصة بعد ما قبل بعض المشايخ أن يتولوا رئاسته تحت اسم الإمام الأكبر، وبدأ الانهيار يأخذ طريقه إلى كل المعاني السامية التي كان الناس، يعرفونها ويقدرونها للأزهر الشريف، وعاد الأزهر فصولا ومذكرات وعاد طلبته يدخنون في ردهاته، ويلعبون النرد وغيره في كافيتيرياهاته علنا وفي اجتراء محطمين بذلك كل معاني الاحترام والإكبار التي كان الناس ينظرون بها إلى أزهرهم الحبيب.

ويضيف الأستاذ التلمساني فيقول:

وزاد الطين بلة، والطنبور نغمة، أنه لما أنشئت الكليات الجامعية في الأزهر، شغل منصب الأستاذية في بعض هذه الكليات، أساتذة يتمذهبون بالشيوعيةالماركسية ... أي والله!!
أساتذة شيوعيون يكفرون بالله، يدرسون للطلبة في المعهد الذي أقيم لإعزاز دين الله، ترى كيف تكون الصورة؟ وكيف يستقيم الفهم، وماذا تكون النتيجة؟ إنها كارثة لن ينجينا من عقابيلها إلا القوي القادر رب العالمين".
وهكذا نجح عبد الناصر فى تأميم الأزهر وعلمائه ليكونوا عوناً له فى توطيد حكمه الديكتاتورى وتحول علماء الأزهر من علماء الحق إلى علماء السلطة وهو مابدا واضحاً فى مواقفهم خلال الأزمة مع نجيب والإخوان.