أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التوصل إلى اتفاق تجاري جديد مع الصين، بعد يومين من المفاوضات المكثفة بين وفود رفيعة المستوى من البلدين في العاصمة البريطانية لندن.

وقال ترامب، في تصريحات إعلامية مقتضبة، إن الاتفاق لا يزال ينتظر الموافقة النهائية من الطرفين، لكنه اعتبره "اختراقًا حاسمًا" في الحرب التجارية التي اشتعلت منذ أكثر من عامين، مضيفًا أن بلاده "ستحصل بموجبه على المعادن النادرة من الصين، فيما يُسمح للطلاب الصينيين بالدراسة مجددًا في الكليات والجامعات الأمريكية".

ورغم امتناعه عن كشف تفاصيل إضافية، فقد اعتبر مراقبون أن الإعلان يحمل دلالات سياسية واقتصادية عميقة، إذ يُعيد إحياء المفاوضات التجارية بعد سلسلة طويلة من التصعيد والعقوبات المتبادلة، التي ألقت بظلالها على التجارة العالمية وسلاسل التوريد الحيوية.

 

اتفاق جنيف يعود للواجهة
تأتي تصريحات ترامب بعد أسابيع من إعلان تعثر اتفاق "جنيف"، الذي تم التوصل إليه في مايو الماضي للحد من التوترات التجارية، وذلك بسبب استمرار الصين في فرض قيود صارمة على تصدير المعادن الحيوية المستخدمة في الصناعات التكنولوجية والدفاعية. وكانت الإدارة الأمريكية قد ردت حينها بخطوة تصعيدية، تمثلت في فرض قيود على تصدير برمجيات تصميم أشباه الموصلات والطائرات وسلع استراتيجية أخرى إلى الصين.

لكن وزير التجارة الأمريكي صرح، أمس، لوكالة رويترز، بأن الاتفاق الجديد "يساهم فعليًا في إعادة تفعيل اتفاق جنيف"، ويُمهّد الطريق أمام تهدئة شاملة قد تفضي إلى رفع تدريجي للرسوم والعقوبات الاقتصادية بين البلدين.

 

من التصعيد إلى التهدئة.. أبرز محطات الحرب التجارية
منذ فبراير الماضي، تبنّت إدارة ترامب سياسة جمركية هجومية تحت شعار "استعادة الاستثمارات الصناعية"، بدأت بفرض رسوم على جميع واردات الولايات المتحدة من معظم دول العالم، وصلت إلى 10% في ما سُمّي آنذاك بـ"إعلان يوم التحرير".

وفي التاسع من أبريل اتخذت الأزمة منعطفًا جديدًا بعد إعلان ترامب تعليق رسوم "يوم التحرير" لمدة 90 يومًا، مع الاستمرار في رفع الرسوم على الصين إلى 125%، ردًا على الرسوم الانتقامية التي فرضتها بكين على منتجات أمريكية.

لكن اتفاق "جنيف"، الذي وُقع في مايو الماضي، قدّم بارقة أمل في احتواء النزاع، حيث اتفق الجانبان على تعليق جزء كبير من الرسوم الجمركية المفروضة مؤخرًا على السلع المتبادلة، لفترة مبدئية مدتها ثلاثة أشهر، لإتاحة الفرصة أمام حلول دبلوماسية وتجارية.

 

المعادن النادرة والتعليم.. ملامح جديدة لعلاقات معقدة
من أبرز النقاط التي وردت في تصريحات ترامب، السماح باستيراد المعادن النادرة من الصين، وهي مواد حيوية تُستخدم في الصناعات الإلكترونية والدفاعية والطاقة المتجددة، وتُعد الصين المورد الرئيسي لها عالميًا، ما يمنحها نفوذًا استراتيجيًا في السوق العالمية.

وفي المقابل، يُعيد الاتفاق فتح أبواب التعليم العالي الأمريكي أمام الطلاب الصينيين، بعد أن كانت إدارة ترامب قد شددت القيود على تأشيراتهم ضمن استراتيجية "الضغط الشامل" على بكين. ويُقدّر عدد الطلاب الصينيين في الجامعات الأمريكية بما يزيد عن 300 ألف طالب، يشكّلون موردًا ماليًا مهمًا ومصدرًا للتبادل العلمي والثقافي.

 

ردود الفعل الأولية.. تفاؤل حذر في الأسواق
رحّبت الأسواق المالية العالمية مبدئيًا بالإعلان، حيث سجّلت مؤشرات الأسهم في نيويورك ولندن وبكين ارتفاعات ملحوظة، مدفوعة بتوقعات بتراجع حدة التوترات التجارية التي ألقت بثقلها على الاقتصاد العالمي خلال العامين الماضيين.

لكن خبراء اقتصاديين حذروا من "التفاؤل المفرط"، في ظل غياب تفاصيل رسمية عن بنود الاتفاق وآلياته التنفيذية، واحتمالات تعثّره مجددًا في حال تغيّرت المواقف السياسية أو ظهرت خلافات في التفسير والتطبيق.