خالد الأعصر

كثيرا ما نسمع المتحدثين والكاتبين يتكلمون عن حقوق العمل على العامل, وما هي الصفات التي يجب أن تتوفر في العامل , كالأمانة والإخلاص والصدق والانضباط وغيرها من الصفات التي يبحث عنها كل صاحب عمل ويتمنى توافرها جميعا في كل العاملين لدى مؤسسته أيا كان حجمها.

ولكن, هل فكرنا بالاتجاه الآخر؟ هل فكرنا فيما يجب أن يوفره العمل وصاحبه للعامل؟ إن الحقوق في هذه الدنيا كلها حقوق متبادلة , فعلى سبيل المثال لا الحصر, إن كان للابن حق على والده , فللوالد أيضا حق على ولده, وكذلك للزوجة حقوق على زوجها وللزوج حقوق على زوجته , وهكذا هي سنة الله في الحياة والكون. وفي السطور القليلة القادمة سنعرض لعشر نقاط نظن أنها إن توفرت في أي عمل وكان المتلقي عامل ذو ضمير وحياء من الله فلا وبد وان ينجح العمل وأن يشعر كل عامل بأن هذه المؤسسة هي مؤسسته هو , وان نجاحها من نجاحه وأنها لا تعطيه فقط الراتب أو الأجر مقابل عمله وجهده ولكنها تعطيه ما يجعله يحبها حتى يبذل لها من نفسه ووقته وجهده وهو راض. واليكم هذه الخصال العشر:

أولا: الرؤية الواضحة ,

إن نجاح أي عمل لا يتم إلا إذا كان العاملون فيه على وعي ودراية بتفاصيل العمل الذي يقومون به. وإذا كان الإمام البنا ( رحمه الله ) قد وضع مبدأ " الفهم " كأول ركن من أركان البيعة فهو لما للفهم من قيمة ينبني عليها كل النشاط التالي لها. ولهذا فأي عمل غامض أو غير واضح لا تتوقع منه كثير نجاح. ولهذا لم نجد أحدا من صحابة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) يقاوم المشركين في مكة بالقوة أو يرفع عليهم السلاح أو يعلن عليهم الحرب. فقد كانت الأمور واضحة لدى الجميع. كان الكل يعرف حدود المرحلة ويعلمون أن هذا ليس وقت الجهاد باليد. إذن على كل صاحب عمل أن يوضح للعامل ما هو المطلوب منه , وما هو المتوقع منه وما هي نتائج عمله إن أجاد وما هي العواقب إن كان هناك تقصير أو إهمال.

ثانيا: الإنسانية والاحترام المتبادل ,


إن كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يعلمنا الأدب مع العبيد - أيام كان هناك عبيد- فيقول في حديثه  " لا يقل أحدكم عبدي وأمتي , ولكن فليقل غلامي وجاريتي " فما بالنا في عصرنا هذا يعامل صاحب العمل العاملين عنده كأنهم عبيد عنده ! إن العامل يجب أن يشعر بآدميته وإنسانيته في مكان العمل وفي ظروف العمل. وانطلاقا من مبدأ " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " يكون العمل الناجح. فلا أظن – ولا القارئ العزيز – أن صاحب عمل ما كان ليدع ولده أو أخيه يعمل في مؤسسته بشكل مهين أو غير لائق. فننبه صاحب العمل أن كل من يعمل معك – ولا اقول عندك – في مشروعك او مؤسستك هم ايضا أخوة لك.

ثالثا: التقدير الشخصي ,

صحيح أن العمل المؤسسي أو الجماعي يقوم به فريق عمل, ولكن لابد لصاحب العمل أو المسئول عن العمل – إن كان مديرا مثلا او غير ذلك – أن يدرك الفروق الفردية بين العاملين. وأنه بعد إدراكه لتلك الفروق عليه أن يتعامل مع الكل كمجموع ومع الأفراد كأفراد. فإن أحسن " زيد" لا بد وأن يثني على " زيدا " ويحرص على إظهار محاسن ما قام به من عمل ويقدر له حسن صنيعه. أما إن أساء " عمرو" فلنا في رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) القدوة الحسنة  عندما كان يقوم في أصحابه ويقول " ما بال أحدكم ....." إنه يعرض القضية دون أن يجرح صاحبها بذكر أسمه وحسبه من حديثه أنه سيفهم أنه هو المقصود.

رابعا: الجماعة ,

ماذا نعرف عن الصحابي الجليل " الأرقم بن أبي الأرقم " أظننا جميعا قد لا نعرف شيئا عنه سوى انه كان صاحب الدار التي وهبها وسخرها للدعوة في سبيل لله بمكة. إنه هذا المحضن الذي يتربى فيه المؤمنون. وهنا فإني أقصد الجماعة بمعنى المجتمع. ولو كان العاملون بمشروعك هم شخص واحد. فأنت وهو أصبحتم جماعة. فإن كانت المؤسسة أكبر والعمل أضخم فكل العاملين في مؤسستك يكونون جماعة لا بد أن تتوفر بينهم الألفة والمودة والحب والإخاء . ولهذا يجب أن يكون العمل موفرا لفرصة للتعارف بين كل العاملين والتواد والتراحم والتكافل فيما بينهم إن أمكن. ولا ننسى أن " يد الله مع الجماعة " 

خامسا: المساهمة ,

إن العاملين في أي مؤسسه ليسوا تروسا تدور في ماكينة دون سؤال عن العمل أو الهدف منه. ولكن يجب أن يتيح العمل للعاملين حرية المساهمة في إنجاح العمل بالرأي والمشورة التي قد تتوفر لهم ولا تتوفر لصاحب العمل نفسه , ولنا في الصحابي الجليل الحباب بن المنذر نعم المثل. إنه ساهم برأيه في مكان معسكر المسلمين في موقعة بدر فذهب بكل أدب وخاطب الرسول ( صلى ا لله عليه وسلم ) حول المكان الذي نزل فيه , إذ رأى هو بنظرته أنه ليس المكان الأمثل لمعسكر المسلمين, فلما علم من الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أن نزولهم في ذاك المكان إنما هو إجتهاد وليس بوحي من الله , أشار على الرسول بما يراه ونزل على رأيه الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) . هكذا تكون المؤسسات الناجحة , وهكذا يعامل العاملون في المؤسسات التي تفيد من خبرات كل العاملين بها. فلا يجب أبدا أن يسمع عاملا كلاما مثل " فقط أد ما نأمرك به وأحتفظ بآرائك لنفسك "

سادسا: الإبداع ,

إن كان العمل يترك ويفسح المجال للعاملين لإبداء الرأي فلا وبد وأن يحفزهم على الإبداع في أداء عملهم , فضلا عن قبول أفكارهم الإبداعية. لذا نجد كل المؤسسات الناجحة تحرص على إقامة وعقد دورات تدريبية لعامليها بشكل دوري , يتعلم فيها العامل شيئا جديدا وتتاح له فرصة الاستماع إلى أراء أقرانه في العمل , بل ويمارسون ما يسمى بنشاط       " العصف الذهني " لاستخراج كل ما هو جديد فيما يتعلق بالعمل وبإنتاجيته. فالعامل لا ينتظر فقط أن يحرص أصحاب العمل على تلقي أفكاره الإبداعية بالترحيب والقبول , بل يجب على المؤسسة أن تحرص على توفير الظروف والمناخ الملائم للإبداع لدى العاملين فيها.

سابعا: التنمية الذاتية ,

وهناك فرق بين " التنمية الذاتية " وبين " التنمية المهنية " فالأولى أعم وأشمل من الثانية, فإن حرصت المؤسسة وأصحاب العمل على تنمية قدرات ومواهب العاملين فيها من كافة المجالات , الاجتماعية والإدارية والمهارية بل والثقافية أيضا , فإنهم ولا شك سيحصلون على عامل في قمة المهارة المهنية كنتيجة حتمية. لذلك إن أراد أي عمل أو مؤسسة أن يكون لها من النجاح ما تتمناه , فعليها أن توفر للعاملين بها فرص التنمية الذاتية , بعقد الدورات والمحاضرات والندوات بل وبطلب البحوث في مجال العمل وغيره مما يرجع على المؤسسة بالنفع. وأن تشجع المؤسسة العاملين بها إن أراد أحدهم الحصول على شهادات أخرى , سواء في مجال عمله أو غيرها , أو أراد الحصول على درجات علمية أعلى من شهادته فعليها تشجيعه بل ودعمه بكل ما تستطيع. فاستثمارها البشري فيه هو نعم الاستثمار.

ثامنا: التنمية المهنية ,


فإن كنا في النقطة السابقة تكلمنا عن التنمية البشرية أو الذاتية بمفهومها الواسع , فإن الحديث عن التنمية المهنية , ينحصر في مجال العمل ونوعيته. فإن كانت المؤسسة –على سبيل المثال – مؤسسة تعليمية, فعليها أن توفر للعاملين فيها كل فرص التنمية المهنية حتى يصبحوا من أفضل المعلمين بالمقارنة بالمؤسسات الأخرى. فتوفر لهم فرص الاطلاع على أحدث المستجدات والإصدارات  التربوية , وأن تحرص على أن يستخدم المعلمون فيها احدث أساليب وطرق التدريس والتعليم وأن يكونوا مواكبين للعصر في مجال عملهم. وهكذا كل مجال في تخصصه , على صاحب العمل أو المؤسسة أن توفر للعاملين فيها كل ما يساعدهم على النمو والرقي في مجالهم , فلا يقنع العامل ولا مؤسسته بالهدف البسيط الصغير بل يجب أن يكون هدفهم كبيرا وهو التفوق والتميز وبالمقابل سيبذل العامل قصارى جهده للوصول إلى قمة التميز في أدائه بناء على الخطة الموضوعة لتنميته مهنيا.

تاسعا: التحدي ,


إن ألف الشخص عملا واعتاده , فسيؤديه بطريقة تلقائية دون تفكر أو تدبر, وهذا ما لا تريده أي مؤسسة تسعى إلى النجاح. يجب على العمل أن يوفر – من وقت لأخر – نوعا من التحدي للعاملين فيه, أيا كان نوع هذا التحدي. فقد تضع المؤسسة شرطا مثلا للترقي وهو الحصول على شهادة معينة , أو اجتياز دورة معينة.أو قد تقوم المؤسسة بتغيير وتبادل الأدوار فمن كان يعمل بهذا القسم مثلا علية أن يعمل لفترة أخرى في القسم الأخر وكأنها نوع من أنواع الإنعاش الذهني مخافة الركود. وهكذا فنحن ننصح بما يقوله الفلاسفة من أن الحجر الذي يلقى في البحيرة الراكدة يحفظها من العطن.

عاشرا: المقابل المادي المقبول

وأقول "المقبول" لأن كل الأعمال وكل المؤسسات تدفع للعاملين فيها مقابلا ماديا , ولكن السؤال , هل المقابل المادي الذي يتلقاه العامل مقبولا؟ هل فعلا يوازي قدر الجهد الذي يبذله في عمله؟ هل هذا المقابل كفيل بأن يجعله يأتي لعمله كل صباح وهو عن العمل راض؟ هل يشعر أنه سعيد بأنه قادم إليه؟ هل هذا المقابل المادي سيجعله يجتهد في عمله ويعطيه أفضل ما عنده لأنه ليس مهموما بهموم الحياة ومسئولياتها , فالمقابل المادي الذي يتقاضاه من عمله يجعله في حالة من اليسار والرخاء بحيث لا يشغله طوال ساعات عمله سوى نحاج العمل. وهنا نذكر أصحاب العمل الذين يريدون لأعمالهم النجاح والتقدم بقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) " أعط الأجير حقه قبل أن يجف عرقه " ونقف عند كلمة " حقه " فما يأخذه العمل من مقابل هو حق له وليس منة ولا فضلا من صاحب العمل. وهذا الحق يجب أن يكون بحق, فلا يعطى العامل أقل ولا أكثر مما يستحق.

كانت هذه إطلالة سريعة على نقاط عشر ظننت أنها إن توفرت في مؤسسة ما فلا بد وأن تجد هذه المؤسسة العاملين فيها أحرص على إنجاحها من أصحابها أنفسهم. وفي الختام أذكر أصحاب العمل والعاملين أنفسهم بقول الله عز وجل " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون , وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون " صدق الله العظيم . فلا بد وأن نراعي وننتبه إلى أننا مراقبون وأن ما نقوم به من عمل فالله شهيد عليه ومجازينا عليه.