خالد الأعصر
لم يخلق الناس كلهم ليكونوا قادة , ولكن هناك قائد ومقود , وهذه هي سنة الحياة وطبيعة العيش في هذا الكون. ولكن على المستوى الشخصي , فإن كل انسان سوي سليم الفطرة يجب أن يكون قائدا لنفسه على الاقل . إذن فالقائد كامن في نفس كل منا , ويستطيع الكثير منا ان يكون قائدا لنفسه ولغيره على تعدد واختلاف المستويات , فالرجل قائد في بيته وقد يكون قائدا في مكان او محل عمله وقد يكون قائدا في اطار عائلته الاوسع او في نطاق شارعه او حيه او منطقته التي يعيش فيها . وهكذا نجد ان القائد بداخلنا موجود , ولكنه فقط يحتاج من يوجهه التوجيه الصحيح ليخرج الى حيز التنفيذ. وفي السطور التالية نذكر القارئ الكريم بعشر سمات إن اتبعها تمكن من إيقاظ هذا القائد بداخله:
أولا: التواضع:
لا يمكن ان يكون القائد متكبرا على من يقوده ولكن يجب ان يكون متواضعا - ومتواضعا لأبعد الحدود - , ولنا في رسول الله دائما القدوة والأسوة الحسنة فقد كان يجالس أهل الصفة ويدعوا ربه دائما ان يحييه مسكينا ويميته مسكينا ويحشره في زمرة المساكين. وكان الغريب يدخل عليه في مجلسه بين اصحابه لا يعرفه حتى يشار اليه . فلم يكن يتخذ عرشا ولا كرسيا يميزه عن غيره.
فكلما كان الشخص قريبا من كل الناس غنيهم وفقيرهم , قويهم وضعيفهم , كان محببا الى قلوب الجميع وكانت طاعته لديهم وانقيادهم له ومطاوعتهم اياه ايسر واحب الى قلوبهم. اما الشخص المتكبر فلا يلقى من الناس الا نفورا واستنكارا. ففطرة الانسان السوية جبلت على عدم محبه من يتكبر ويتعالى عليها.
ثانيا: المعرفة:
ونقصد بالمعرفة معرفتك التامة بأربعة امور وهي " نقاط القوة , ونقاط الضعف , والمعوقات , والفرص المتاحة " . ونقصد بنقاط القوة , نقاط قوة شخصيتك , فعلى كل شخص ان يتعرف على نفسه جيدا حتى يستطيع تحديد ما يجيده وما يتقنه وما لديه من مواهب ليست لدى غيره , فيحدد ما يميزه وما يملكه ولا يملكه الاخرون . وكلنا لدينا تلك النقاط. فعلى سبيل المثال , من له اخوه واخوات فهو يملك من نقاط القوه من لا يملكه شخص ولد وحيدا بلا اخ او اخت . وقس على ذلك الكثير مما وهبنا الله .
اما نقاط الضعف فيقصد بها عكس ما قلنا انفا من نقاط القوة. فعلى سبيل المثال , اذا كان الشخص يشعر انه ضعيف مثلا في استخدام الحاسب الالي فهذه نقطه ضعف لديه وعليه ان يتغلب عليها ,
أما المعوقات فيقصد بها كل ما من شأنه ان يقف في طريق تحقيق الاهداف أو انجاز الامور. فعلى كل شخص ان يعي ما قد يظهر امامه من عقبات او صعاب او معوقات. ومن الضروري ان يتحلى بالمرونة والذكاء حيال التغلب على تلك العقبات , فكما يقول المثل " لا تكن لينا فتعصر ولا جامدا فتكسر " فمثلا, ان كان الشخص يشعر ان لديه قدرات وامكانات وقدرات تمكنه من الوصول الى منصب ما او وظيفة ما في شركة كبيره بالعاصمة , ولكن العائق امامه هو انه من سكان احدى القرى البعيدة اصلا عن المحافظة التي بها العاصمة , هنا , عليه التفكير في التغلب على هذا العائق وألا يكون بعد مسكنه عائقا عن وصوله الى هدفه وتحقيقه.
أما الفرص المتاحة , فمن البديهي ان تكون واضحه لكل ذي عين ولب , فما هي الفرص المتاحة للحصول على عمل في مجال السياحة مثلا لمن لا يتقن سوى اللغة العبرية ( لغة سكان اسرائيل المحتلة ) الى جانب لغته العربية , بالطبع ستكون الفرص المتاحة اقل بكثير ممن يتقن اللغة الاسبانية او الالمانية . هكذا على كل شخص يطمح ان يطلق القائد الذي بداخله ان يتعرف على امكانياته والفرص المتاحة لتوظيف تلك الامكانيات.
ثالثا: الحلم الكبير:
كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يعلمنا ويوصي اصحابه بانهم اذا سألوا الله فليسألوه الفردوس الاعلى من الجنة , فلتكن اذن غايتك عظيمه وطموحك كبير . فعلى قدر عظمة الشيء الذي تطمح فيه سيكون قدر جهدك وعطائك , ولله در الشاعر الذي قال ( ومن يتهيب صعود الجبال , يعش ابد الدهر بين الحفر ) أذن , فالمعالي تتطلب ذوي الهمم العالية , ولا يجب ان يتعارض ذلك مع تحقيق الاحلام والاهداف خطوة بخطوة , فقديما قالوا " مشوار الالف ميل يبدأ بخطوة واحده " ولكنه الحلم الكبير والهدف العظيم الذي يجب ان تستشرفه نفوسنا. ولا يجب هنا ان ننسى الامام والاستاذ " حسن البنا " عليه رحمة الله حين وضع اهداف دعوته , فقد اطلق لها ابعد الحدود , فلم يكتفي فقط بان يكون هدفه اصلاح المجتمع المسلم بل هدفه الاكبر كان وما زال " استاذية العالم " .
رابعا : الرؤية :
من يقود سيارته في جو غائم ملبد بالغيوم ولا يكاد يرى سوى أمتار معدودة امام سيارته , لا يمكن ان يصل الى هدفه كهذا الذي يسير في جو صحو رائق ليس به ضباب او حتى غبار . من هذا المنطلق ندعو الى عدم تشويش الصورة . يجب ان تكون الصورة كلها واضحه وجلية امام عينيك حتى تتبين السبيل لتحقيق اهدافك وترى الطريق واضحا لينطلق القائد ويؤدي عمله على اكمل وجه.
خامسا : الصبر:
"انما النصر صبر ساعه" و "من يصبر ينل" . هذه مقولات صادقة ومعبره , ومن يكن لديه هدفا عظيما ورؤية واضحة لهذا الهدف لا بد له ان يصبر حتى يحقق هدفه , فهؤلاء المتساقطون من الطريق هم أولئك اللذين لم يطيقوا الصبر حتى نهاية الطريق. ونحن نرى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد صبر ثلاث عشرة سنة حتى يستطيع ان يكون دولته المستقلة , وكان كلما سأله اصحابه ان يدعو لهم او يستنصر لهم كان يوصيهم بالصبر , ولا ننسى قولته الشهيرة لآل ياسر " صبرا آل ياسر ان موعدكم الجنة " وقد قال حكماء الغرب قديما ما معناه " إنما النصر لأولئك اللذين يريدونه اكثر ويصبرون في سبيله اكثر " .
سادسا : احترام الكلمة:
ليس لدى الفرد سوى سمعة واحده , اذا خسرها , خسر قيمته وشخصيته بين الناس. لهذا على القائد ان يكون من أولئك الذين يحترمون كلمتهم ويوفون بعهودهم ويصدقون في وعودهم. ولهذا نوصي كل انسان ان لا يعد بما لا يستطيع , وان يحاول ان ينجز اكثر مما وعد. فعندما تستطيع ان تكون دقيقا في مواعيدك , ملتزما بما ألزمت به نفسك من عهود ومواثيق , محافظا على كلمتك ومستعد للتضحية في سبيلها , هنا فقط يمكن للقائد بداخلك ان يظهر وان يقود .
سابعا : كن نفسك:
فالأخرين والمجتمع ككل لا يحتاج الى نسخ مكررة من اناس اخرين , فخير لك ان تكون ذاتك عن ان تكون نسخة مكررة من فلان او فلان. ونقصد هنا التفرد , فكما ان بصمات اصابعك لا يمكن ان تتكرر , هكذا شخصك , قد يكون هناك تشابها بينك وبين اخرين , بل من الاكيد ان يوجد هذا التشابه , من قريب او من بعيد ولكن لا تحاول ابدا ان تقلد احدا ا وان تسير على نهجه واسلوبه وكأنك نسخه طبق الاصل منه. فالتقليد لن يؤدي بك الا الى الجمود .
ثامنا: ليكن لك مرشدا:
القائد الحقيقي مجبول ومصنوع , ومن جهة الصنع , يجب ان يكون هناك من يسهم في صنعه وتكوينه , ولا افضل من ان يكون لك شخصا ترجع اليه ليرشدك الى الصواب ويعينك على طريقك , فيشجعك على المسير في هذا الاتجاه , ويدلك على المسارات الاخرى التي قد لا تكون واضحة لك , وهذا الشخص – من البديهي - يجب ان يكون اكثر منك خبرة ودراية وعلما, فمنه تستقي انت التجربة وتستفيد من تاريخه وخبراته, فاحرص على ان يكون لك هذا الصنف من المرشدين المعلمين الملهمين.
تاسعا: التركيز:
الحياة مليئة بالمشتتات والامور التي تتنازع المرء من كافة الجهات , ولكن من يرد لنفسه ان يكون قائدا حقا يجب الا تتناوشه الامور من كل اتجاه ولا ينساق وراء كل الخواطر. عليه التركيز في اعمال محدده , وعلى اهداف بعينها . ومهما كانت تلك المشتتات – وهي غالبا ما تكون خلابة وجذابه – عليه ان يركز على هدفه حتى يصل اليه . فمن يسلك طريقا وعينه على نقطة النهاية ولا يلتفت يمنه ولا يسره عنه فلا بد سيصل في اقل وقت ويبلغ غايته , اما من يسير في الطريق فتحلو في عينه مناظر الطبيعة عن يمينه وشماله , ويذهب مع نفسه وهواه في ان يأخذ من لذة هذه المناظر ويتنسم هذا العبير والنسيم الصافي ويقف عن رحلته ليستمتع بما تراه عيناه – وهو حلال – فمن المستحيل ان يصل سريعا كما وصل سابقه , بل انه قد تغلبه نفسه ويهزمه هواه فيظل ملازما لتلك الطبيعة الخلابة وينسيه جمالها وحلاوتها غايته الذي كان يجب ان يصل اليها.
عاشرا : العطاء:
ان الحياه تتعامل مع الناس بنفس اسلوب تعاملهم معها , أي ان الحياة " تعطي لمن يعطي وتأخذ ممن يأخذ " ونحن لا ننظر للعطاء المالي فقط , فهذا منظور ضيق جدا لمن يرد ان يكون قائدا, ولكن العطاء بمفهومه الواسع , عطاء العلم , عطاء الجهد , عطاء الوقت , وعطاء الحب. القائد يجب ان يكون نموذجا في البذل والعطاء والمبادرة , وقد علمنا رسول الله ان يختار القائد لنفسه اشق الاعمال , فعندما خرج مع اصحابه وارادوا ذبح شاة اختار احدهم ان يذبحها والاخر ان يسلخها والاخر ان يطبخها واختار النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ان يجمع الحطب , ولا شك ان جمع الحطب في هذه البيئة الصحراوية يتطلب سعيا وبحثا وسيرا لمسافات طويله لجمعه من هنا وهناك , فهي اذن من اشق المهام وليست اسهلها. فكن دائما امام الاخرين لتقودهم , لا خلفهم لتسوقهم. وتذكر دائما ان خير الناس أنفعهم للناس.
تلك عشرة كاملة, لمن اراد ان يسلك طريق القيادة وان يفسح للقائد بداخله ان ينطلق وان يظهر لحيز الوجود. ولا ندعي انها مقتصرة عليها فقط ولكننا حاولنا ان نوجز نقاطا تكون علامات بارزه ومحددات ومنطلقات ينطلق منها كل منا.
وفي النهاية نقول , ان كنت تستطيع أداء عمل ما بنسبة دقة 100% فكن على يقين انك تأثم ان فعلته بنسبة دقة 95% بلا عذر. فعلينا ان نستجيب لأمر ربنا " وفي انفسكم افلا تبصرون " ونتفكر في انفسنا وقدراتنا ونتحقق من امكاناتنا ونعمل على استغلال طاقاتنا الاستغلال الامثل.