قرأنا للأستاذ فهمي مقالات وكتبا عديدة تدعو إلي الحرية والديمقراطية واحترام الدستور وسيادة القانون وحقوق الإنسان، وكان هو من أول من وصف ما حدث في 3 / 7 /2013 بأنه انقلاب عسكري وإن وصفه يومئذ بأنه ناعم
 وبعد تسعة أشهر سالت فيها الدماء أنهارا، وصودرت الأموال والحريات ...الخ هل احترمت السلطة الإنقلابية قيم الحرية والديموقراطية واجترامالدستور وسيادة القانون وحق الشعوبوحقوق الإنسان التي أوقف الكاتب الكبير قلمه على الدعوة إليها .. أم أن ما جرى ما هوإلا تكريس لديكتاتورية جديدة وتكبيل حرية الشعب للخضوع لمرحلة من العبودية لحكم فئة.

ومع كل ذلك نود هنا أن نعيد التأكيد على ما يلي: يطلب الأستاذ ما أسماه (هدنة من طرف واحد ) والتي هي صياغة مهذبة لما أسماه سابقاً (تجرع السم)، ونحن هنا نسأل هل لو خٌلي بين العسكر وبين حكم البلاد والهيمنة علي مقدراتها هل ستنصلح الأحوال؟ومتى يتم ذلك؟ بل ومن الذي أوصلها إلى ما وصلت إليه خلال ستين عاماً، ثم خلال السنة والنصف من أوائل 2011 حتي منتصف 2012، والتسعة أشهر الأخيرة ؟ ثم ألم يعترف المشير السيسى نفسه بأن الجيش لو نزل إلي الشارع فلاتتكلم عن مصر إلا بعد أربعين سنة، ألم يقل إن أيدينا تقطع ولا تمتد علي مصرى؟ ألم يقل أن الجيش ليس لمكافحة الإرهاب لأنه أداة قتل وقد رفضنا ذلك فى التسعينات ولن يكون، ألم يقل أن مشكلة سيناء لاتحل أمنياً وإلاحدث مثلما حدث فى جنوب السودان؟ ثم خرج يطلب تفويضاً لمواجهة ما أسماه الإرهاب المحتمل! .. فكان ذلكايذانا لمرحلة كان هذا التفويض صكا للقتل والترويع في مذابح رآها الجميع ووصفتها منظمة العفو الدولية بأنها أبشع مجازر فى تاريخ مصر الحديث،وتم تسخير الإعلام لتمزيق النسيج الوطنى وإثارة الأحقاد والكراهية والدعوة لإستئصال المخالفين، وتسخيرالقضاء ليكون ذراعا من أذرع الظلم حيث حكم على الآلاف من الطلاب والشباب والنساء بالسجن لمدد تصل إلى 17 عاماً وغرامات كبيرة لمجرد التظاهر، والطامة الكبرى الحكم الأخير بإعدام 529 شخصاً في محكمة استمرت يومين،وبالمقابل تخصص فى تبرئة كل الفاسدين، ناهيك عن إصدار قرارات بقوانين تهدر مقدرات ومصالح الوطن من قبيل تخويل رئيس الوزراء بالتنازل عن ممتلكات الدولة بالمجان، وآخر بإسناد الأعمال بالأمر المباشر، وإسقاط الضرائب عن ممتلكات القوات المسلحة الاقتصادية. يتحدث الأستاذ عن أن مصر مقبلة على انتخابات رئاسية تمثل استحقاقاً نريد أن نستثمره في تصحيح المسار، وهنا نقول : هل يعني هذا أن نقر الانقلاب العسكرى الذي وقع وأن نوافق على نسيان المجازر والحرائق والمظالم والتخريب الذيأحدثهفى البلاد والعباد؟ وهل ننسى حق الشعب المصري في الاستحقاقات الانتخابية الخمسة التي عبر فيها الشعب عن إرادته الحرة ؟ وهل بعد كل هذا،يمكن أن نصدق أنهناك انتخابات رئاسية حقيقية؟ ألم نشاهد جميعا ما جرى في الاستفتاء على ما سمى دستور 2014 وماتم فيه؟ وبعد كل هذا .

ثم أى مسار يمكن تصحيحه؟. - يطلب الأستاذ إعلانا موقعا من قيادات الإخوان المسلمين داخل السجون وخارجها يدين العنف ويرفض ممارساته ويتبرأ من الأصوات الداعية له، وهو أمر نستغرب صدوره من الأستاذ فهمي هويدي فهو يعرف قادة الجماعة معرفة شخصية وتعامل وتحاور معهم ابتداء من فضيلة المرشد والدكتور محمد مرسى والدكتور الكتاتنى والدكتور عصام العريان والدكتور بشر وغيرهم كثير كما أنه مطلع على كل أدبيات الجماعة ومبادئها ومنهاجها وهو يعلم يقيناً أنهم ينكرون العنف ويحرمونه، وهل لميستمع إلى كلام الرئيس محمد مرسى فى آخرخطاب له وهو يحذر الشعب من أن يختلف مع بعضه أو يلجأ للعنف أو يريق الدم أويتصادم مع الجيش، وهللم يطلع على شهادة رئيس الحرس الجمهورى- رغم خيانته للرئيس – والذي قال إن الرئيس طلب منه فض الاعتصام أمام قصر الأتحاديه دون استخدام العنف أو إراقةدماء، كما أن صدى كلمة فضيلة المرشد علي منصة اعتصام رابعة وهو يقول : ثورتنا سلمية وستظل سلمية،سلميتنا أقوى من الرصاص، ما زال يصدع في أجواء مصر كلها كما أن الإخوان أصدروا في المراحل والأحداث التاريخية المختلفة مئات البيانات التى تدين العنف بكل أشكاله حتى تلك التى وقعت خارج مصر فى نيويورك مثل برجي التجارة العالميين وتفجير السفارة الأمركية في كينيا والأحداث التي وقعت في المملكة السعودية وغيرها، وأخيرا الأحداث الأخيرة التي استنكرتها الجماعة في حينها كما لم يثبت تورط أحد من الإخوان فيها بل وخرج المتحدث الرسمى باسم وزارة الداخلية ليقول أن بعض هذه الأحداث من عمل منظمات أخرى. ولاشك أن الأستاذ فهمي يعلم أن عشرات الآلاف من الإخوان تم اعتقالهم ومحاكمة بعضهم عسكرياً وتعذيب البعض إلي حد القتل أيام مبارك، ورغم ذلك لم يقترف الإخوان حادثة عنف واحدة ضد النظام أوأحد جنوده، كما أنه يعلم أن الإخوان ترشحوا فى كل انتحابات الطلاب والنقابات والنوادى والبرلمان والرئاسة وفازوا بما فازوا به بإرادة الشعب الحرة بطريقة ديمقراطية. ولقد قال الكاتب الصحفى بريندان أونيل في مقالة له فى صحيفة الديلي تليجراف بعنوان (الإخوان المسلمون أمر يصعب تصديقه)إذا نظرنا إلى الوراء وعلي مدار العام 2013 لنعثر على الشخص أوالتنظيم الذى قام بمعظم الجهد للحفاظ على المثل العليا للديمقراطية والحرية والذى يجب أن يفوز بالجائزة الكبرى .... فإنى لا أستطيع أن أصدق نفسى وأنا على وشك القول إنها جماعة الإخوان المسلمين أو على الأقل مؤيدوها فى مصر). ويعلم الأستاذ أن القادة فى السجون الذين يطلب منهم إعلانا موقعا بإدانة الإرهاب،هم ضحية الظلم والإرهاب،وأن الواحد منهم متهم فى أكثر من عشرين قضية،والنيابة تطالب لهم بأقصى عقوبة والتى قد تصل للإعدام ... أفليس من الأولى المطالبة بالإفراج عنهم وتبرئتهم من هذه الاتهامات الظالمة!. يدعي الأستاذ فهمي أن الإخوان مشغولون بحصتهم فى السلطة، وهنا نقول إن الإخوان لم يعملوا للسلطة قط وإنما يعملون لله، ويعرضون أنفسهم علي الشعب فإن اختارهم فهدفهم إصلاح السلطة وليس استغلالها كما يفعل الأخرون، والآن بعد الانقلاب العسكري على الشرعية فإن كل هدفهم هو إعادة الحق لصاحبه وهو الشعب، واحترام إرادته التى عبر عنها مرات عديدة،ولرفض قيام العسكر باغتصابها بالقوة رغما عن إرادة الشعب. ويقول الأستاذ أنه لامانع لديه من بقاء الصراع سياسيا، ونحن معه نتساءل من الذي حوله إلى حرب بين جيش وشرطة مسلحين وبين شعب أعزل يريد حريته ويضحى– حتى بحياته – من أجلها، ثم إن الإخوان لا يستحسنون تعبير الصراع السياسي، ولكن يؤثرون أن يكون تنافسا سياسيا شريفا من اختاره الشعب فليحكم،ومن لم يختره الشعب فليحترم إرادته،وليحاول سلميا من جديد ونحن أول الناس التزاما بهذا المبدأ. كلام الأستاذ فهمي هنا يفيد أن هناك طرفين: الإخوان والانقلابيون والحقيقة أن الطرف الأول هو غالبية الشعب بكل أطيافه والإخوان في قلبه، فالذين يرفضون الانقلاب ويتظاهرون كل يوم في الميادين والشوارع ليسوا الإخوان فقط وإنما كل أطياف الشعب، وأهم ما يميزهم هو الجيل الجديد الذي تمرد علي الخنوع ويرفض أن يساق إلي بيت الذل والطاعة الذي يفقد فيه كرامته وحرتيه وإنسانيته وهو يضحي بأثمن ما يملك – حياته – من أجل تحرير الشعب والوطن من الطغاه والفراعنة الجدد. - الأستاذ يطالب بهدنة من طرف واحد، طرف الشعب الرافض للانقلاب ومنهم الإخوان، فنحن نتظاهر سلمياً بصدور عارية وأيدي فارغة ونمارس حقاً من حقوق الإنسان ولسنا في حربوالذي يجب أن يكف عن الضرب والقتل والحرق هو الطرف الآخر الذي يملك السلاح ويستعمله حتي قالت إحدي منظمات حقوق الإنسان إنه يستعمل القوة المفرطة والعنف المميت بغير مبرر، وغريبأن يٌطلب من المظلوم والمضروب أن يسكت ويسكن، ولا يطلب من الغادر والظالم والضارب أن يكف عن ذلك

وفي النهاية فإننا نخاطب قادة الرأي ومنهم الأستاذ فهمي فنقول: من هم الإرهابيون بحق؟ أليس هم الذين قتلوا الآلالف وجرحوا واعتقلوا عشرات الآلالف، ولا يزالون يمارسون القتل في الشوارع، ومن لم يكتف بعدم محاسبة الجنود الذين يقتلون بل طمأنهم السيسي بأن أحداً منهم لن يحاكم علي الإطلاق. سيدي الأستاذ

إن ما تدعوا إليه من شأنه أن يمهد الطريق للانقلاب للتحكم في مصر والسيطرة علي الشعب – لا قدر الله- ولو حدث هذا لظلت مصر تحت القهر والدكتاتورية لمدة قرن مقبل، وأملنا من الجميع أن يقفوا مع حق الشعب المصري في جياة جرة كريمة والانحياز والصدع بالحق والعدل والديمقراطية. والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل وحفظ الله مصر وشعبها من كل سوء

والله أكبر ولله الحمد

د جمال عبد الستار محمد

الأستاذ بجامعة الأزهر والأمين العام لرابطة علماء أهل السنة