المستشار/ حمدي عبد التواب   

(إن تضامننا مع نضال أبناء سوريا الحبيبة ضد نظام قمعي فقد شرعيته هو واجب أخلاقي بمثل ما هو ضرورة سياسية واستراتيجية، ينبع من إيماننا بمستقبل قادم لسوريا الحرة الأبية)

 بهذه الكلمات واضحة الدلالات جلية المعاني عبرت مصر الثورة عن موقفها من ثورة سوريا، وقد وردت هذه الكلمات ضمن خطاب رئيس الجمهورية في قمة دول عدم الانحياز، ولم تختلف عنها كثيرا كلمات خطابه الذي ألقاه في اجتماع وزراء خارجية الدول العربية.

لقد اختارت مصر الوقوف في صف المقاومة ــ ولو سميت معارضة "مجازا" ــ..  لقد قررت الانحياز للثورة ضد النظام الظالم "على حد وصف الرئيس"، واستنادا لهذا الموقف يمكن القول بأنه بات يقينيا أن مصر أدخلت نفسها طرفا في الأزمة السورية وبالتالي تكون قد قررت ألا تكون جزءًا من حلها، وهذا الموقف إن بدا للبعض غريبا إلا أن حقيقته تعبر عن براجماتية وطنية, تتطابق مع واجب شرعي والتزام أخلاقي؛ فالرئيس يعلم أن نظام بشار متهالك متآكل وأنه إلى زوال لا محالة وفي الغالب لن تطول به الأيام ولذلك فلا فائدة من الوقوف في صفه، ولكن الوقوف مع المعارضة يمنح مصر أفضلية في التعامل مع السلطة القادمة في سوريا عند سقوط نظام الأسد.

ولكن ماذا لو لم تنتصر الثورة السورية وبقي نظام الأسد؟ علي الفرض الجدلي بحدوث ذلك فإن العلاقات المصرية السورية لم تكن قبل الثورة بأفضل مما هي عليه الآن مما يعني أن مصر لن تخسر شيئا إن وقفت في جانب المقاومة وبقي نظام الأسد.

 أمر آخر: لو بقي نظام الأسد سيكون محتاجا لعلاقات خارجية ولو كانت مع أعداء الأمس ــ بعد أن أصبح أعداؤه أكثر بكثير من أصدقائه ــ ولن يتردد كثيرا حينها أن يخطب ود مصر القوية عربيا وإقليميا ودوليا.

وهنا قد يقول قائل: إن مصر طرحت فكرة تشكيل ''مجموعة اتصال رباعية '' وهي لجنة لحل الأزمة السورية تضم إلى جانبها كلا من السعودية وتركيا وإيران، ولكن لم يعد ممكنا ــ بعد موقف مصر المصرح به ــ أن تستمر هذه الفكرة، وبالطبع فإن القيادة المصرية تدرك ذلك جيدا، فما الذي دعاها إلى تغيير موقفها فجأة وسريعا؟  لا يخفى على أحد أن محاولات عدة قامت بها الأمم المتحدة والجامعة العربية لحل الأزمة السورية باءت بفشل معلن بسبب تعنت النظام السوري ومراوغته وهو ما يشي بأن أية محاولة أخرى ــ من هذا النوع ــ لحل الأزمة سوف تلقى نفس المصير، والأخضر الإبراهيمي ــ مبعوث الجامعة العربية والأمم المتحدة ــ يحاول في ذات الاتجاه دون جدوى، أيضا فإن الدول الثلاث التي اقترحتها مصر لتشكل معها لجنة حل الأزمة لا تصلح أي منها لتكون فاعلا في حل الأزمة السورية، فأحد هذه الأطراف ــ وهي إيران ــ هي الداعم الأساسي لنظام الأسد وبالتالي فلن تقبل به المعارضة، وفي الطرف الآخر فإن النظام الأسدي لن يقبل بحل يأتي من لجنة تضم في عضويتها تركيا والسعودية اللتين تجاهران بمعارضتهما له ولبطشه بشعبه، ولم تكن سوى مصر القادرة على القيام بدور الوسيط لحل الأزمة، إلا أن مصر أعلنت منذ البدء أن أي حل لن يكون ممكنا دون تنحي الأسد وهو ما قوبل برفض سوري معلن، الأمر الذي لم يعد معه مجال لأن تكون مصر جزءاً من حل الأزمة فاختارت أن ترمي بثقلها في قلب الأزمة لتُحَصِلَ من المكاسب ما تستطيع، فما هذه المكاسب؟

لو أردنا أن نحصي بعض هذه المكاسب فسيكون من بينها:

أولا: ترسيخ فكرة أن علاقات مصر الخارجية باتت تحكمها منظومة أخلاقية مختلفة، وذلك من خلال ما أعلنه الرئيس من التزام أخلاقي تجاه الشعب السوري

ثانيا: استعادة الدور القيادي المصري باتخاذها مواقف واضحة تجاه القضايا العربية والإسلامية لا سيما لو اتسمت هذه المواقف بالانتصار للشعوب وثوراتها ضد أنظمة عرفت بالظلم والطغيان

ثالثا: ما سبق وأشرنا إليه من تدشين علاقات مميزة مع القيادة المنتظرة لسوريا.

أخيرا فإن مصر الثورة تنتظر نجاح ثورة شقيقتها سوريا ليكملا معا مشوارا سطرا منه في صفحات التاريخ سطورا ولا يزال التاريخ ينتظر جريان مدادهما ليواصلا الكتابة في صفحاته، (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ).