د/ سرحان سليمان

النظام الديمقراطى للدول، يقوم على اساس ان الاختيار للشعب، وان غالبية الشعب هى التى تقرر من يحكم، وتعطى له تفويضاً لادارة الدولة لفترة زمنية مقررة، فاذا ادارها بكفاءة وحقق ما يرغبه الشعب، تمسك به، واذا لم، قام بتغييره مرة اخرى باخر، ويتم هذا بالانتخاب المباشر، لكل من يحق له الاختيار، ويتم ذلك فى جميع المسؤولين الذين يختارهم الشعب بالانتخاب، وفقاً لأسس كل دولة، ومدى ونطاق اختيار المسؤولين بالانتخاب المباشر، وبالطبع فى النظام الديمقراطى يسعى كل فكر سياسى ان يصل الى السلطة لتطبيق افكاره، فاذا لم يقدر، يكون فى الصف الثانى، سواء مسانداً، او معارضاً.

وفى الدولة المتقدمة، لا يوجد اختلافات جوهرية فى الرؤيا بين الاحزاب صاحبة الافكار السياسية المختلفة والمتنوعة حول المبادىء الرئيسية للدولة، وما يجب تحقيقه، لكن الاختلاف ربما فى الطريقة، والنهج السياسى، فالكل يتفق على العمل على تقوية الدولة والمحافظة على مكانتها، والعمل على رفاهية الشعب، والمتفق فيه، ان وصول الفكر السياسى، -اقصد اصحابه - الى السلطة سواء التشريعية (البرلمان)، او الرئاسة، يكون بقدر قوة التيارات السياسية فى الشارع ومدى تائييدها، فالقاعدة الشعبية هى اساس الاختيار للشخصيات ومن ينوب عن الشعب، وفى جميع الدول يسلم الاحزاب المتنافسه بنتائج الانتخابات، ويحترموا اختيارات الشعب، ويحاول كل حزب بعد كل انتخابات معالجة اخطاءه، والاستفادة من التجربة، حتى يستطيع مرة اخرى التواجد فى السلطة، لذلك يحدث نوعاً من التناوب بين الاحزاب السياسية على السلطة، كل ذلك وفقاً لقواعد ثابتة للديمقراطية، وكيفية احترامها، فالديمقراطية هى شعار الامم المتقدمة، والتى تسعى لايجاد مكانة راقية بين الامم.

الا ان هذا التصور - وان حدث بعضه - لم يكن بتلك الدرجة فى مصر، فعندما فاز الاخوان بالاغلبية النسبية فى البرلمان السابق، لانهم يمتلكون قاعدة شعبية حققت لهم نتائج سياسية قوية، اتهم الاخوان بان يريدون الاستحواذ على مجلس الشعب، وعلى السلطة فى التشريع، مع ان اسلوب وقاعدة الانتخابات تتيح لهم حقهم فى الحصول على اقصى مكاسب سياسية، وبدأ المنافسين للحرية والعدالة والنور، اتهامهم، والهجوم عليهم، ولا مبرر سوى انهم فازوا باغلب المقاعد، فبدلاً من ان تسعى تلك الاحزاب الاخرى الضعيفة التى لا يوجد لها قاعدة شعبية، الا بقدر ما حصلوا عليه من نتائج، ان يسعوا لكسب تائييد المواطنيين، استخدموا سبلاً لا تتفق مع الديمقراطية، واصبح الاخوان كمن يدافع عنه نفسه، لانه متهماً بان له التأييد الشعبى، فكيف يكون المنتصر متهماً، والخاسر هو صاحب الصوت المرتفع، هذا لاننا فى مصر، ولاننا فى بداية طريق الديمقراطية، التى لا يزال- ليس الشعب -، بل السياسيين، يرودون ان يجعلوا منها ما يتناسب لهم، ويرفضون حقوق الاخرين، فالقاعدة يجب ان تسود على الجميع، ان يحترم الكل نتائج الانتخابات، ومن يخسر، اما ان يكون مسانداً، او معارضاً، حدث ذلك ايضاً فى تاسيس لجنة الدستور، عندما ارادت الاغلبية ان تشكل الدستور، باعتبارها تحظى بتأييد غالبية الشعب الذى انتخبها، فاتهموا الاغلبية بانها تريد التكويش، فهل لو كانت الاغلبية من خارج الاخوان وسعوا كما سعى الاخوان لاتهموا بانهم يريدون التكويش؟

وعلى نفس السياق، فاز الرئيس د.مرسى فى انتخابات نزيهه حرة، بانتخابات مباشرة، لاول مرة فى تاريخ مصر، فقبل ان يبدأ عمله، اتهموا الرئيس بانه سوف يكون مخطط الاخوان فى الرئاسة، وان المرشد يتدخل فى قراراته، وان مكتب شورى الاخوان هو المسيطر على نهج الرئيس، وعندما نبحث فى سند تلك الاقاويل، لم نجد منها، سوى كلمات، دون اثبات، فالرئيس سعى بكل الوسائل بتنظيم مؤسسة الرئاسة بعيداً عن الاخوان تماماً، واستعان بالاشخاص الاكفاء، بل انه تعمد ابعاد الاخوان، وان كان بهم اشخاص تستحق التواجد، فى المسؤلية لانها الاكفأ والاجدر، حتى لا يقال انه يحابى الاخوان، ومعظم قرارات الرئيس، لا تعبر مطلقاً، عن شخص كانت حياته كلها فى الاخوان، فهو اقرب الى الاحزاب الاخرى من الاخوان، وحتى تشكيل الحكومة، فلم يكن رئيس الوزراء اخوانياً، ولم تحتوى على عدد من الاخوان يتناسب مع تواجدهم فى اخر انتخابات،.. ويمكن القول ان وصول د.مرسى الى الرئاسة ظلم الاخوان، ولم يحصلوا على ما يتناسب مع قاعدتهم العريضة فى الشارع، لكن يبدو انه يريد ان يتوائم وان يظهر للشعب، - وهى حقيقة بالفعل -، ان الرئيس هو رئيس كل المصريين، وليس تيار او حزب بعينه، مع اننى مدرك ومقتنع ان لو كان مكان الرئيس شخص اخر ممن يعارضون ويتهمون الاخوان بالتكويش لاستخدم كل صلاحياته، فى اختيار ذات نوعية معينة من الشخصيات المقربة او التى يثق فيها، بصرف النظر عن التوافق،.. فأين هذا التكويش من الاخوان؟

ان شعار التكويش، الذى يستخدم للاخوان، هو شعار المفلسين سياسياً، والذين لا يجدون انفسهم فى المشهد، لعدم قدرتهم، او ان ليس لديهم القاعدة الشعبية التى توفر لهم ذلك، فبدلاً من تلك الشعارات، يجب على من يطلقونها، ان يسعوا ان يجدوا لانفسهم مكاناً، باعمالهم، بالاندماج فى المجتمع، وخاصة الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وان يسعوا لكى يثق فيهم المواطنيين، ولعل شعاراتهم السياسية الاخرى تكون هى السبب، وان الغالبية من المصريين تثق فى التيار الاسلامى اكثر من غيره، وهى حقيقة ربما لا يراها هولاء، فكفاكم شعارات وهمية لا اساس لها.

_________
كاتب الصحفى ومحلل سياسى واقتصادى