22/11/2010
د. عصام العريان*
ازدادت سخونة الحملات الانتخابية لبرلمان 2010- 2015م، رغم كلِّ دعوات المقاطعة التي انتهت إلى "لا شيء".
وبدا المشهد الانتخابي في أيامه الأولى يعكس الواقع السياسي المصري.. حزب حاكم مسيطر فَشَلَ في جذب الشعب إلى صفِّه؛ ولذلك يستخدم كلَّ الأدوات الحكومية، خاصةً القوات الأمنية والبوليسية؛ لشلِّ حركة المعارضة الحقيقية، ومنعها من الوصول إلى الجماهير أو التواصل معهم.
أحزاب المعارضة الرسمية التي يريد النظام إخراجها من غرفة العناية المركزة لا يشعر بها المواطنون ولا المراقبون، ولا وجود شعبيًّا لها بين الناس، ولولا ما يصدر عنها من صحفٍ ما شعر بها أحد.
الإخوان المسلمون القوة المعارضة الرئيسية والحقيقية لم تتراجع رغم كل الضغوط السياسية والأمنية، وهي تقريبًا القوة الوحيدة التي تتحرك انتخابيًّا وتستخدم آليات الانتخابات المعهودة، كالجولات الانتخابية والمسيرات الشعبية، وحملات طَرْقِ الأبواب، وقدَّمت برنامجًا واقعيًّا استفاد من خبرة وجود 20% من نواب البرلمان في البرلمان المنصرف، وحددت في برنامجها الأدوات التشريعية والرقابية التي ستستخدمها؛ لتنفيذ ذلك البرنامج ككتلة معارضة في البرلمان؛ لأنها لم تتقدم إلا على حوالي 130 مقعدًا فقط من 508، أي ربع مقاعد البرلمان.
أحرجت مشاركة الإخوان المسلمين النظام المصري بقوة؛ حيث مثلت تحديًّا شعبيًّا حقيقيًّا، ولذلك بدا النظام عصبيًّا ومتوترًا، رغم كل محاولاته لإخراج الانتخابات الحالية بأقل الخسائر الممكنة.
لقد سارع إلى استخدام عدة آليات للهروب من استحقاق انتخابي مهم:
أولاً: حاول إرهاب كل وسائل الإعلام؛ لمنع نقل المشاهد الانتخابية وأية رقابة جادة تقوم بها وسائل الإعلام، فقيَّد حركة طواقم القنوات الإخبارية، ولم يصدر لها تراخيص بالبثِّ المباشر أو بالتصوير الخارجي، وأغلق العديد من القنوات الفضائية؛ لإرهاب بقية القنوات الخاصة، وظهر ذلك واضحًا في برامج "التوك شو" الليلية التي لم تبدِ أي اهتمامٍ بالانتخابات الحالية، وهربت إلى مواضيع أخرى جانبية وهامشية، إلا أن النظام نسي أن الإعلام عبْر شبكة المعلومات لا يمكن تقييده، وأن الإعلام الفردي واستخدام الهواتف المحمولة يمكن أن يسدَّا جانبًا من الفراغ، وأن يضيئا شموعًا تفضح الانتهاكات.
لذلك كان الخبر الرئيسي للقنوات الإخبارية العربية خلال الأيام الأولى من الحملة الانتخابية والدعاية هو المصادمات الدامية بين قوات الأمن التي تحاول بكلِّ الوسائل غير المشروعة منع المواكب والمسيرات الانتخابية بين مرشحي الإخوان وأنصارهم في كلِّ المحافظات تقريبًا؛ ما يعني أنها سياسة محددة سلفًا؛ لمنع الدعاية الانتخابية تحت أية ذريعة، وقد اعتمدت الفضائيات على صور الهواتف ومقاطع الفيديو على شبكة المعلومات.
ثانيًا: حدَّد النظام فترة الدعاية أقل من أسبوعين، وهي فترة غير كافية لمجرد استخراج أية تصاريح وإعداد أية مؤتمرات انتخابية.
ونسي النظام أن القوى الشعبية الموجودة في الشارع وبين الناس كالإخوان لا تحتاج إلى مدى زمني طويل؛ لأنها على اتصالٍ دائم ومستمر بناخبيها وأنصارها؛ لذلك ما إن بدأت الحملة الرسمية في المواعيد المحددة حتى فوجئ النظام بقوة الحملات الانتخابية للإخوان، فظهرت النوايا الحقيقية بالتصدي العنيف لأية مظاهر للدعاية، بتمزيق اللافتات وطمس الملصقات، ومطاردة موزعي الأوراق والبرامج، واعتقال المئات، ومنع المواكب والمسيرات، حتى وصلت إلى إطلاق الرصاص المطاطي والمصادمات مع المواطنين أنفسهم.
ثالثًا: قام النظام باستخدام وسيلة عجيبة؛ لمنع ترشيح المواطنين من الإخوان والمستقلين والمتمردين على الحزب الوطني لعدم اختياره لهم، وذلك عند فتح باب التسجيل للمرشحين، فمنع دخول المواطنين إلى مقرِّ اللجان التي أُعدِّت في مديريات الأمن، بل قام بخطف بعض المرشحين مثل د. محمد الأنصاري في جرجا بسوهاج، رغم حصوله على حكمٍ قضائي بإدراج اسمه في كشوف المرشحين، بل قام النظام بشطب ومنع 6 نواب حاليين من الترشيح، 4 في الإسكندرية وفي القاهرة ومحافظة 6 أكتوبر، واعتقال نواب حاليين أثناء الدعاية في انتهاك واضح وصريح لكلِّ القواعد القانونية والأعراف البرلمانية وفي إهدار متعمد للأحكام القضائية.
ولم تقم اللجنة العليا للانتخابات بأي إجراء؛ لضمان حقوق هؤلاء المرشحين، ولم تنفذ الأحكام القضائية الصادرة لهم ولمئات غيرهم من محاكم القضاء الإداري التي يجب أن تنفَّذ بمسودتها دون تأخير، بل قالت- في بيانٍ لها- ما هو أعجب بما يعني أنها لا تحترم القواعد القانونية، بينما غالبية أعضائها من رجال القضاء، وهو ما يهدد أي حديثٍ عن استقلالها ويكشف زيف هذا الادعاء.
لقد أراد النظام أن يحوِّل الانتخابات إلى ما يشبه انتخابات اتحاد الطلاب التي يمنع فيها كلَّ الطلاب من الترشح، ويقوم بشطب مَن يفلت منهم من الحصار؛ لينجح من يريده بالتزكية ودون أي انتخاباتٍ حقيقية.
وهذه التجاوزات الصارخة تهدد العملية الانتخابية كلها بالبطلان.
رابعًا: أصبح واضحًا للعيان أن اللجنة العليا للانتخابات لجنة شكلية ليس لها أية إمكانيات، وتقوم بدور المحلل للإدارة العامة للانتخابات في وزارة الداخلية التي تمسك بخيوط الانتخابات كلها بين يديها، بدايةً من كشوف الناخبين إلى تحديد مقارِّ اللجان الفرعية والعامة، وانتهاءً بفرز الأصوات، وإعلان النتائج التي يقررها النظام والتي لا يستطيع تغييرها.
وبذلك تغيب الإرادة السياسية الجادة لإجراء انتخابات شبه نزيهة في ظلِّ غياب الإشراف القضائي التام على الانتخابات، بعدما تمَّ تجاوز حكم المحكمة الدستورية العليا بتعديل المادة 88 من الدستور.
وتبقى فقط كضمانة انتخابية توفِّر إرادة شعبية حقيقية ومتواصلة؛ لإجبار النظام على احترام إرادة الأمة مثلما حدث مع المرحومَين المستشار ممتاز نصار والشيخ صلاح أبو إسماعيل في انتخابات 1979م.
وإذا تعاظمت تلك الإرادة الشعبية مع الوقت، وانتشرت من مكانٍ إلى مكانٍ فسيصبح النظام وقوات الأمن في مواجهة دامية مع الشعب؛ ما يؤذن بدخول البلاد إلى مرحلةٍ جديدةٍ من الحِراك السياسي، يكون شعارها "نريد انتخابات حرة ونزيهة بضمانات شعبية حقيقية".
خامسًا: يرفض النظام بكلِّ جرأة أية رقابة دولية حتى لو كانت من الأمم المتحدة، وإذا كان رفض التدخل الأجنبي وعدم الثقة بالنوايا الأمريكية مبدأً مستقرًّا بين جميع القوى الوطنية، فإن غياب الإرادة السياسية لحرية النزاهة الانتخابات، ومنع الرقابة المحلية والتعتيم الإعلامي الواضح يضع الجميع أمام مسئوليات خطيرة، فهل يكون ثمن الانتخابات الحرَّة هو الوصاية الدولية على البلاد؟، ولن يرضى أحد بذلك، أم يكون البديل هو الانتفاضة الشعبية التي قد تقود البلاد إلى فوضى مُدمِّرة لن يستفيد منها أحد؟ أم يرضخ النظام في النهاية لإرادة الشعب؟!.
سادسًا: فشل الحزب الحاكم في فرض أي انضباطٍ داخلي على أعضائه، بل قرر في جرأةٍ عجيبةٍ تقرير مبدأ عدم الالتزام الحزبي بترشيح أكثر من مرشحٍ على المقعد الواحد، وهي حالة حزبية فريدة لم يشهدها العالم من قبل، يريد بها الحزب الهروب من مواجهة النتائج التي حققها بنسبة 30% فقط من مرشحيه في آخر انتخابات أو تفتيت الأصوات في الجولة الأولى؛ استعدادًا للتزوير في جولة الإعادة أو لعدم القدرة على حسم الصراع بين أجنحة الحزب المختلفة فيما بينها والمتصارعة على كعكة المصالح الشخصية.
هذه مشاهدة سريعة للانتخابات البرلمانية الحالية في مصر، والتي تدلُّ على إصرار الإخوان بتأييد الشعب على خوضها إلى نهايتها، رغم كل الاعتقالات والمطاردات التي وصلت إلى إطلاق الرصاص المطاطي.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل،،
_____________
*عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين