11/08/2010

 د. عصام العريان

تدهمنا من حينٍ لآخر كوارث يسميها الناس طبيعية، بينما هي ليست من طبائع الأمور، وذلك هربًا من تسميتها الحقيقية أو نسبتها السليمة إلى قدرة الله تعالى.
 
فالله عز وجل خلق الكون على سنن، ورتَّبه على استقرارٍ واضح، ولكنَّ الله عزَّ وجلَّ- بقدرته التي لا يقهرها شيء ولا يعجزها شيء- يريد أن ينبِّه الغافلين، ويُحذِّر المتمادين في العصيان ليردَّ الناس إلى إيمانهم الذي نسوه، ويوقظ فيهم حاسَّة العودة إلى الله ربهم؛ القاهر فوق عباده، والقادر على كل شيء.
 
وقد أيَّد الله تعالى أنبياءه ورسله بآياتٍ بينات ومعجزات قاهرات؛ لتأييدهم وبيان صدقهم ودحض حجج مَن كفروا بهم، وانقطعت المعجزات بختم النبوات والرسالات بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبقيت كرامات الأولياء التي لا يمكن لهم ادِّعاؤها مسبقًا كالمعجزات، أما عموم البشر فهناك تلك الكوارث التي يخرق الله بها السنن الثابتة في الكون للتنبيه والتحذير والتذكير بأن الله تعالى الذي أودع هذا الكون سننه الثابتة هو وحده القادر على تغيير تلك السنن والقوانين بصورةٍ جزئيةٍ لمدة زمنية محدودة في بقعةٍ أرضيةٍ أو سماوية محدودة، وليذكرنا ربنا تعالى بأنه قادرٌ على توسيع تلك الرقعات الزمانية والمكانية لتتسع شيئًا فشيئًا؛ حتى نصل إلى اليقين التامِّ بأن الله تعالى سيحقِّق ما أخبرنا به في كتابه العزيز عن قلب كل تلك السنن والقوانين يوم القيامة، يوم الهول الشديد؛ حيث سيتغيَّر كل شيء وتزول كل تلك القوانين.
 
وهذا كله ليترسَّخ في عقيدتنا الإيمان باليوم الآخر، الركن الركين من أركان الإيمان بالله، والميزان الدقيق الذي يؤدي بالعبد إلى مراقبة الله في كل تحركاته وتصريحاته، وأن يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه الله تعالى، وأن يزن أعماله قبل أن توزن عليه يوم العرض على الله.
 
حرائق في روسيا، بلد الجليد، ودرجات الحرارة التي تعوَّد الناس على أن تكون تحت الصفر معظم أيام العام، إذا بها تقفز إلى أرقام فوق الثلاثين لتؤدي إلى إشعال الحرائق في غاباتٍ شاسعة، وتغمر سماء موسكو وغيرها من المدن بضباب وغبار كثيف يصيب الناس بأمراض الجهاز التنفسي.
 
والحكومة تقف عاجزةً عن إنهاء تلك الحرائق لمددٍ من الزمان متطاولة، تصل إلى أسابيع، وقد تمتدُّ إلى شهور، وها هي تهدِّد منشآت إستراتيجية مهمة وخطيرة؛ ما ينذر بعواقب وخيمة.
 
فيضانات في باكستان، والأمطار لا تنقطع منذ أسبوعين، وأرقام المشرَّدين واللاجئين تقفز كل يوم من مليونين حتى وصلت إلى 15 مليونًا، والأمطار الغزيرة تعوق حركة عمال الإغاثة، وتُشرِّد المزيد من البشر المساكين.
 
الجيش الباكستاني يقف عاجزًا، والحكومة تطلب العون من العالم كله، والرئيس العابث يخرج في جولةٍ أوربية ولا يهتم بمشاعر الناس ليعود بعد عشرة أيام ليجد الكارثة فوق طاقة الجميع.
 
المعونات تصل ببطء إلى باكستان، والجميع يقف مذهولاً أمام حجم الكارثة، كانت الزلازل سابقًا تستمر لثوانٍ فقط، فتدمر القرى والبيوت، وتبدأ فورًا عمليات الإنقاذ، بينما يتوالى سقوط المطر الآن لمدة تزيد على أسبوعين فيشرد المزيد ويمنع استمرار المعونات.
 
وتمتد الأمطار والفيضانات إلى كشمير المجاورة وإلى الهند، ثم نسمع أن الأمطار الغزيرة سبَّبت فيضانات كبيرة أيضًا في السودان.
 
يا الله.. حرائق هناك، وفيضانات هنا..

والفاصل الزمني لا شيء، والفاصل المكاني مئات الكيلو مترات فقط، والله القادر على كل شيء يرسل الماء إلى باكستان لنرى حجم الكارثة بدلاً من إرساله لإطفاء الحرائق في روسيا يرسل إلينا رسالة تنبيه لعلنا نعود إلى الإيمان الحق بأنه مالك الملك وملك الملوك.
 
ولا تتوقف الآيات والإنذارات، بل هناك انهياراتٌ طبيعية أرضية في الصين تهلك المئات، والخسائر تصل هناك إلى قرابة 40 مليار دولار، وما زالت الانهيارات تتوالى ولا تتوقف.

 وتنقل (الأهرام- 9/8/2010م) تحت عنوان مثير: (فيضانات وحرائق تضرب غالبية دول العالم): "اجتاحت موجةٌ من الكوارث (الطبيعية) أنحاء كثيرة من عواصم العالم، وتنوعت ما بين فيضانات وسيول إلى حرائق غابات وانهيارات أرضية أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات وفقد آلاف الأشخاص".

 ونقلت أن تلك الكوارث وبخاصة الفيضانات المدمرة: "اجتاحت ودمرت عدة مدن ومناطق في الصين وباكستان وكوريا الشمالية".. تعطَّلت الرحلات الجوية في روسيا، والمخاطر تحيط بالفاعل النووي في مدينة مساروف، وآلاف الركاب علقوا في المطارات، ووصلت نسبة التلوث في موسكو بأحادي الكربون الخطير إلى 6.6 أضعاف المعدلات المقبولة، وما زالت حرائق الغابات تنتشر في وسط روسيا.
 
وتشير التقديرات الأولية في الصين إلى أن 50 ألف شخصٍ تضرَّروا من كارثة الانهيارات الأرضية، وتم تكليف الجيش للمساعدة في جهود الإنقاذ.
 
بينما أدَّت فيضانات باكستان حتى الآن بحياة أكثر من 1600 شخص وأتلفت آلاف الأفدنة من المحاصيل، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل هناك فيضانات وأمطار غزيرة في وسط أوروبا في بولندا والتشيك وألمانيا أسفرت عن مقتل 15 شخصًا حتى الآن.
 
وفي إفريقيا أعلن الصليب الأحمر عن تشريد المئات في جمهورية إفريقيا الوسطى، وانتقلت الأمطار الغزيرة إلى تشاد المجاورة، وفي كندا وقعت انهيارات أرضية أدَّت إلى إجلاء آلاف الأشخاص من منازلهم.
 
هل هي كوارث بما كسبت أيدي الناس؟ هل تغيَّر المناخ والاحتباس الحراري هو السبب الذي أدَّى إلى تلك الكوارث؟ إذْ كان ذلك مقبولاً علميًّا فهو تصديق قول الله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)﴾ (الروم).
 
ولكن يبقى السؤال: هل رجع الناس إلى ربهم الذي خلقهم وإليه يرجعون؟ يرى البعض في هذه الكوارث عقابًا إلهيًّا، ولكن يردُّ على ذلك التحليل سؤال: هل هؤلاء البسطاء المساكين يستحقون ذلك العقاب؟ وإذا كان عقابًا فلماذا يندبنا الإسلام ويأمرنا الله بإغاثة هؤلاء المنكوبين والوقوف بجانبهم في تلك الكارثة؟ إنها آية لإظهار قدرة الله تعالى بخرق السنن والقوانين التي وضعها في الكون وسيَّر بها الأفلاك، والذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
 
آية توضح لنا أن الله أنعم علينا بنعم عديدة وفيرة عظيمة، ولكننا ننسى نتيجة اعتيادنا على رؤية السماء صافية والشمس ساطعة والحرارة طبيعية والأرض ساكنة ثابتة.
 
تأتي تلك الكوارث من أمطار وفيضانات، أو هزات وزلازل، أو براكين وأعاصير أو انهيارات وخسف، أو رياح عاتية، أو.. أو.. لتذكرنا بأن هناك إلهًا قادرًا على السماء، رحيم بعباده، رءوف بالعصاة، يمهلهم إلى يوم الحساب، ويُذكِّرهم بين الحين والحين بأنهم راجعون إليه، ويقودهم إليه ويحب عودتهم إلى بابه ورحابه، وهو الذي تفضَّل عليهم بنعم الاستقرار والسكوت وثبات الأرض وصفو السماء.

فهل من أوبةٍ وتوبة؟

هل من تذكُّر وتنبُّه؟

هل نعود إلى الله؟

أم أننا أمنا مَن في السماء؟ ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17)﴾ (الملك).

احذروا غضب الرحمن، وانتبهوا إلى قرب الساعة.