02/08/2010
د. عصام العريان
مع مطلع هلال رجب الفرد وطوال الأسابيع الماضية تلهج ألسنة المؤمنين بالدعاء إلى الله تعالى: "اللهم بارك لنا فى رجب وشعبان، وبلغنا رمضان".
في سجودهم.. في قنوتهم.. في لقاءاتهم الإيمانية، بينهم وبين ربهم يتطلَّع المسلمون إلى أقصى استفادة من رجب وشعبان، ثم يتمنَّون على الله تعالى أن تمتدَّ أعمارهم، وهم في صحة وعافية، وطاعة وإقبال؛ ليبلغوا شهر الصوم وهم على أهبَّة الاستعداد؛ حتى لا تفوتهم ساعة ولا لحظة من هذا الشهر العظيم.
هو دعاء المترقِّب، المنتظر، الذي يعلم فضل الشهور عند الله تعالى.
فرجب الفرد.. شهر الله الحرام، الذي عظَّمته العرب قبل الإسلام، وأقرَّ الله حرمته في شريعته الخاتمة.. شهر الإسراء والمعراج، والتي فرض الله في ليلتها الصلاة.. شهر انتصار صلاح الدين الأيوبي ودخوله "القدس" فاتحًا منتصرًا.
وشعبان.. الذي أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاهتمام به؛ حيث يغفل الناس عنه بين رجب المعظم ورمضان الكريم.. الشهر الذي تُرفع فيه الأعمال لتُعرض على الله تعالى، وفيه تمَّ تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة.
أما رمضان فهو الشهر العظيم المبارك الذي فرض الله صيامه، وسنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قيامه، وأنزل الله فيه القرآن جملةً واحدةً إلى السماء الدنيا.. شهر الخير والبركات.. شهر البر والإحسان.. شهر يُزاد فيه في رزق المؤمن، ويضاعف فيه ثواب الحسنات.
إذن من واقع المعرفة والعلم بفضل تلك الشهور الثلاثة كان ذلك الدعاء؛ الذي يصعد من القلوب إلى السماء؛ أملاً في استجابة العليِّ القدير لدعاء المسلمين الموحِّدين، فيبارك لهم في رجب وشعبان، ويبلغهم رمضان، وهم على أهبَّة الاستعداد.
هو عقدٌ للنية مبكِّرًا على صيام وقيام رمضان.. هو عهدٌ مع الله تعالى أن يأتي عليك رمضان وأنت على أتمِّ استعداد، قد فهمت معنى الصوم الحقيقي، واستَعَدتَّ ما تحفظ من القرآن، مراجعةً وفهمًا وتدبُّرًا لتتهيأ للقيام، وأعددت برنامجًا بسيطًا لأيام رمضان ولياليه، مع نفسك، ومع أسرتك، ومع أرحامك، ومع جيرانك، ومع الناس.. كل ذلك لتصل ما بينك وبين الله في رمضان، فينظر الله إليك نظرة رحمة ومغفرة ويعتقك من النار، فتدخل رمضان بنية جازمة على الفوز بالرضوان، وتخرج من رمضان وقد شحنت بطارية الإيمان في قلبك حتى توصلك إلى رمضان المقبل، مهما ألمَّ بك من فتور، أو وقع منك من تقصير من جديد لرمضان جديد، فستصل في نهاية المطاف إلى بداية رجب المقبل وأنت على استعداد للتزود.
إنك مع دعائك هذا- أخي المسلم أختي المسلمة- تتوب إلى الله تعالى توبةً نصوحًا، وتجدِّد العهد مع الله تعالى أنك تستعين به، فلا حول ولا قوة لك إلا به سبحانه، وتعزم عزمًا أكيدًا على ألا تقصر في حق الله، ولا تفرِّط في أيام رجب وشعبان ورمضان ولياليها.
بالأمس القريب فقط انتقل زميل لنا إلى رحاب الله قبل رمضان بأسبوعين، ولم يمرض طويلاً، بل هي ليلة واحدة، ولعله لسانه كان يلهج بهذا الدعاء المأثور، وقد عهدناه مصليًا قانتًا، سمْحًا بشوشًا، مسارعًا في خدمة المرضى في عيادة الطوارئ بالجمعية الطبية الإسلامية بالطالبية بالهرم.. أخانا د. محمد حسين، وكان قدره ألا يبلغ رمضان هذا العام، وانتقل شيخنا الجليل الدكتور عبد المنعم تعيلب إلى رحاب الله قبل رمضان بأسبوعين.
ووقفت أتأمَّل مغزى ومعنى دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نردِّده آليًّا دون تدبُّر ولا إدراك؛ بسبب زحام الحياة، وتوالي الليل والنهار، فهل أدركت- أخي وأختي- فضل أن يبلغك الله رمضان.
ها نحن أيها الإخوة المسلمون على أبواب رمضان، وبعد ليالٍ قليلة يهلُّ علينا هلال الخير والرشد، مؤْذنًا ببداية شهر الصوم، فهل تهيأنا لقدوم رمضان؟ وهل أعددنا العدة للاستفادة من شهر الصوم العظيم؟ وهل فقهنا معنى العبادة التي نحن مقبلون عليها.. عبادة تحرير الإرادة والسموِّ بالنفس والروح، والارتقاء إلى أفق الملائكة، والتخلُّص من أسْر العادات والشهوات.
هل تأملنا قليلاً في ارتباط الشهر العظيم بالقرآن الكريم؟ وهل عدنا إلى القرآن للتدبُّر والمراجعة، والفهم والتأمل؟!
لقد وجدت هذا العام في معظم المساجد التي أتردَّد عليها استعدادًا جميلاً بعمارتها وتنظيفها، وإضافة أجهزة التكييف لبعضها، ووجدت نفسي أتساءل: هل تعمر تلك المساجد والزوايا بمئات المصلين في ليل رمضان؟ وهل ستساعد تلك العمارة على تهيئة النفوس لتلقِّي آيات الذكر الحكيم بتدبُّر وخشوع؟ وهل سيؤدي ذلك التدبر إلى تغيير سلوك المسلمين في رمضان وبعد رمضان؟ أم أننا سنعود سيرتنا الأولى بعد الليالي الأوائل من الشهر العظيم، ودعوت الله بحرارة أن يردَّ المسلمين إلى دينهم الجميل مردًّا جميلاً، وأن يعمروا المساجد بالطاعة والصلاة والجهاد المبرور والإيمان العميق كما عمروها بالبسط والفرش وأجهزة التكييف، وأن يتزوَّدوا من رمضان لبقية العام إلى آخر العمر.
ماذا يعني لك رمضان؟
هذا سؤال يجب أن يسأله كل مسلم ومسلمة لنفسه قبل أن تنقضي الليالي المتبقية على هلال رمضان.
- رمضان شهر الصوم والقرآن، شهر الصبر والجهاد، شهر البر والإحسان.. شهر غزوة بدر وفتح مكة وانتصار المسلمين في عين جالوت، وغيرها من المعارك الكبرى.
- رمضان شهر العمل والإنتاج وليس شهر الكسل والخمول.
- رمضان شهر التواصل والتراحم وزيارة الأهل والأقارب وصلة الأرحام.
- رمضان شهر الإقبال على الله تعالى بالدعاء والتهجد والمناجاة.
- رمضان شهر الإقبال على عباد الله المساكين والفقراء بالصدقة والإحسان.
- رمضان شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار.
- وإليك أخي القارئ هذه الأحاديث التي تساعد على الاستعداد لرمضان:
* روى الطبراني عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال يومًا، وقد حضر رمضان: "أتاكم رمضان، شهر بركة، يغشاكم الله فيه، فيُنزل الرحمة، ويحطُّ الخطايا، ويستجيب الدعاء، ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، فأَرُوا الله من أنفسكم خيرًا، فإن الشقي مَن حُرم فيه رحمة الله عز وجل".
* وروى أحمد والبزار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُعطيت أمتي في شهر رمضان خمس خصال لم يُعطها أحد قبلهن: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر له الملائكة حتى يفطر، وتُصفّد فيه مردة الشياطين، فلا يصلوا فيه إلى ما كانوا يصلون في غيره، ويزيّن الله عزّ وجلّ في كل يوم جنّته ويقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنة والأذى ويصيروا إليك، ويُغفر لهم في آخر ليلة منه"، قيل يا رسول الله أهي ليلة القدر؟ قال: "لا، ولكن العامل إنما يُوفّى أجره إذا انقضى عمله".
* وروى البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا أقبل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصُفدت الشياطين، ونادى منادٍ من قبل الحق تبارك وتعالى: "يا باغي الشر أقصر، ويا باغي الخير هلم".
* وروى البخاري أيضًا في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم؛ فإنه لي وأنا أجزي به".
اللهم بلغنا رمضان ونحن في صحة وعافية، وأعنَّا على صيامه وقيامه وأداء حقوقك فيه يا رب العالمين.. آمين.
كل عام وأنتم بخير، وتقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام واستجاب لدعائكم ودعائنا.