تشهد نقابة المهن الرياضية حلقة جديدة من حلقات تطويق المجال العام في مصر، بعدما مرر مجلس الشيوخ تعديلات قانون النقابة المقدّم من حكومة الانقلاب، تحت غطاء "توحيد المصطلحات" و"تنظيم المهنة" و"مواكبة التطور الأكاديمي"، بينما تكشف بنود التعديل عن تغوّل واضح للدولة على نقابة مهنية يفترض أن تكون مستقلة، وحرمان شريحة واسعة من الرياضيين من حقوقهم النقابية، وإحكام قبضة البيروقراطية والوزارات على بوابة القيد ومزاولة المهنة.

 

في جلسة حضرها وزير الشباب والرياضة ووزير الشؤون النيابية، بدا واضحاً أن الهدف هو تمرير القانون بأقصى سرعة، رغم تحذيرات نواب وخبراء من آثاره الكارثية على مستقبل المهن الرياضية وحقوق الرياضيين، في مشهد ينسجم تماماً مع نهج السلطة في ترويض النقابات وتحويلها إلى ملاحق إدارية تابعة للوزارات.

 

جوهر التعديلات: اشتراط المؤهل الأكاديمي وتوسيع يد الوزارة

 

أخطر ما في التعديلات هو إعادة صياغة البند (ج) من المادة (5) بحيث تُشترط للحصول على عضوية النقابة شهادة متخصصة في "علوم الرياضة أو التربية الرياضية" أو دراسة تقرّها الوزارة بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للجامعات، مع استبدال مصطلح "مهن التربية الرياضية" بـ"المهن الرياضية" في مواد القانون.

 

هذه الصياغة تبدو فنية في ظاهرها، لكنها عملياً تمنح المجلس الأعلى للجامعات والوزارة سلطة تقريرية غير مباشرة فيمن يحق له أن يكون عضواً بالنقابة، بحكم التحكم في اعتماد البرامج والمسارات الدراسية المعترف بها. الأخطر أن هذا الربط الصارم بين المؤهل الأكاديمي والعضوية يتجاهل آلاف الرياضيين أصحاب الإنجازات العملية، ويفتح الباب أمام حرمان نسبة معتبرة منهم من الانضمام للنقابة لمجرد عدم امتلاكهم شهادة بالصيغة التي تحددها الدولة، وليس بناءً على خبرتهم أو إنجازهم في الملاعب والساحات.

 

سلبيات القانون: إقصاء واسع وتغوّل على الاستقلال النقابي

 

التعديلات تحمل حزمة من النتائج السلبية، يمكن تلخيص أبرزها في الآتي:

 

•  إقصاء المتفوقين رياضياً: تحذيرات برلمانية أشارت إلى أن 20–25% من الرياضيين مهددون بالحرمان من عضوية النقابة بسبب الشروط الجديدة، ما يعني معاقبة أبطال حصدوا ميداليات لأنهم لم يمروا عبر "المسار الأكاديمي" الذي ترضى عنه الحكومة.


•  تكريس هيمنة السلطة التنفيذية: منح الوزارة والمجلس الأعلى للجامعات دوراً حاسماً في تحديد التخصصات المعترف بها يضع النقابة عملياً تحت وصاية الحكومة، في مخالفة صريحة لروح المادة 77 من الدستور التي تكفل استقلال النقابات المهنية عن تدخل الجهة الإدارية.

 

•  تعميق البيروقراطية والتمييز: النص بصيغته الحالية يشرعن تمييزاً طبقياً ومعرفياً ضد الرياضيين القادمين من مسارات غير جامعية، ويحوّل عضوية النقابة إلى امتياز تعليمي وإداري بدلاً من أن تكون حقاً مهنياً لمن يزاول المهنة فعلياً.

 

أصوات رافضة: خبراء ورياضيون في مواجهة "قوننة الإقصاء"

 

إلى جانب عدد من النواب المعترضين تحت القبة، برزت آراء عدد من الشخصيات الرياضية والخبراء الرافضين للتعديلات، من زوايا مختلفة:

 

•  د. نبيل دعبس (رئيس لجنة التعليم بالشيوخ): رغم انتهائه إلى الموافقة، حذر بوضوح من أن التعديلات تهدد بحرمان نحو ربع الرياضيين من عضوية النقابة، وطالب بأن يضم القانون كل رياضي حاصل على ميدالية دولية أو قارية أو أولمبية دون قيود، ما يكشف تناقضاً صارخاً بين "النية المعلنة" للقانون ونتيجته الفعلية على الأرض.

 

•  باسل عادل (عضو مجلس الشيوخ): أعلن رفضه المباشر لمشروع التعديل، مؤكداً أن النقابات هي صاحبة الحق الأصيل في تنظيم المهنة، وأن تدخل وزارة الشباب أو أي جهة تنفيذية في شروط القيد يمثل عدواناً على الاستقلال النقابي الذي كفله الدستور.

 

•  خالد راشد (نائب عن المصري الديمقراطي): حذر من أن إحالة اختصاصات القيد والمزاولة من النقابة إلى الوزارة يمثل تغوّلاً واضحاً على نقابة مهنية مستقلة، ومخالفة صريحة للمادة 77 من الدستور، معتبراً أن ما يجري هو نقل القرار من أيدي أعضاء النقابة إلى مكتب الوزير.

 

•  د. محمد طه عليوة (رئيس الهيئة البرلمانية للمصري الديمقراطي بالشيوخ): لفت إلى خطورة تداخل الاختصاصات بين الوزارات والنقابات في ضوء الصياغات الجديدة، محذراً من فوضى تنظيمية قد تنتج عن هذه التعديلات وتضرب مبدأ وضوح الجهة المسؤولة عن المهنة وحقوق العاملين بها.

 

•  خبراء التدريب والإدارة الرياضية (في تصريحات صحفية وندوات مهنية): انتقد بعضهم – ومن بينهم مدربين سابقين وأساتذة إدارة رياضية – ربط العضوية حصراً بالمسار الأكاديمي، مؤكدين أن كثيراً من المدربين والكوادر الميدانية البارزة في الألعاب الفردية والجماعية لا يحملون مؤهلات جامعية متخصصة، لكنهم يملكون خبرة عملية وشهادات دولية من الاتحادات الرياضية يجب الاعتراف بها كمسار موازٍ للعضوية.

 

هذه الأصوات تكشف أن الرفض ليس "سياسياً" فقط، بل مهني بحت، صادر عن أشخاص يعملون داخل المنظومة الرياضية ويدركون أن القانون الجديد يحوّل النقابة من مظلة حماية إلى بوابة إقصاء.

 

من تنظيم المهنة إلى تأميم النقابة

 

خطورة التعديلات لا تكمن في المادة القانونية منفردة، بل في السياق العام الذي تتحرك فيه حكومة الانقلاب نحو إخضاع كل النقابات المهنية لإرادة السلطة التنفيذية، تحت عناوين "ضبط الفوضى" و"تنظيم السوق" و"مواكبة التطور".

 

تحويل وزارة الشباب والرياضة إلى شريك خفي في تقرير من هو "الرياضي المعترف به" هو خطوة أخرى في مسار يجعل من الانتماء النقابي امتداداً للرضا الأمني والإداري، لا لشرعية الإنجاز والخبرة.

 

بهذا المعنى، يصبح تعديل قانون نقابة المهن الرياضية حلقة جديدة في مشروع إخضاع المجتمع المنظم (نقابات، اتحادات، روابط) لصوت واحد، وإقصاء كل من لا يمر عبر البوابة التي تفتحها الحكومة وتغلقها كما تشاء. في النهاية، لا يمكن فصل ما جرى في مجلس الشيوخ عن سياسة أشمل هدفها تحييد النقابات وتحويلها من أداة دفاع عن أعضائها إلى ذراع إضافية من أذرع دولة الانقلاب.