يسود هدوء حذر أحياء مدينة حلب بعد يوم دامٍ عاشه المدنيون تحت نيران الاشتباكات بين قوات الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في مواجهة عسكرية رفعت حصيلة الضحايا إلى قتلى وجرحى، وأعادت إلى الواجهة سؤالاً جوهرياً: هل ما جرى رسالة ميدانية لتعديل شروط اتفاق دمج قسد، أم بداية مسار صدام أوسع إذا انهارت مساعي التسوية؟ تزامن التصعيد مع اقتراب نهاية المهلة الزمنية لتنفيذ اتفاق العاشر من مارس/آذار، الذي ينص على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن مؤسسات الدولة، ما جعل حلب مسرحاً لاشتباك عسكري محمّل برسائل سياسية متبادلة.

 

مشهد ميداني ثقيل على المدنيين

 

وفق بيانات مديرية صحة حلب والقنوات الرسمية، ارتفع عدد الضحايا إلى 4 قتلى و9 مصابين، بينهم أطفال ونساء، جراء قصف مدفعي وصاروخي طال أحياء سكنية مثل الشيخ مقصود والأشرفية والجميلية والشيخ طه، ما تسبب بحالة هلع ونزوح لعشرات العائلات نحو مناطق أكثر أمناً داخل المدينة. وأكدت وزارة الداخلية أن من بين الضحايا طفلاً ووالدته، في حين تحدثت تقارير الدفاع المدني عن إخلاء مدنيين من مناطق الخطر، والتعامل مع حرائق اندلعت في مبانٍ سكنية، وسط تعرض فرق الإنقاذ نفسها لاستهداف مباشر ثلاث مرات من قبل قسد، بحسب وزير الطوارئ وإدارة الكوارث رائد الصالح.

 

على الأرض، فرضت قوى الأمن الداخلي طوقاً أمنياً في محاور الاشتباك، خصوصاً في منطقة الأشرفية، مع انتشار مكثف لعناصرها لتأمين خروج المدنيين من مناطق التماس. وقالت وزارة الدفاع إن الجيش السوري "اكتفى بالرد على مصادر النيران" و"ضيّق بؤرة الاشتباك بعيداً عن الأهالي" من دون تغيير خطوط السيطرة، في محاولة لإظهار نفسه كطرف "مدافع" لا باحث عن توسيع رقعة النفوذ داخل المدينة.

 

اتفاق الدمج تحت النار

 

تأتي الاشتباكات في توقيت شديد الحساسية، إذ تتقاطع ميدانياً مع مفاوضات سياسية حول تنفيذ اتفاق العاشر من مارس/آذار، الذي ينص على دمج قسد ضمن الجيش السوري، وتوحيد المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال وشرق سوريا تحت إدارة الدولة، مع بسط سيطرة الحكومة على المعابر والحقول النفطية وعودة المهجّرين. وزير الخارجية السوري لمح مؤخراً إلى أن دمشق "لم تلمس إرادة جدية" لدى قسد لتنفيذ الاتفاق، بينما تتهم أوساط كردية الحكومة بالتركيز على البعد العسكري وإهمال بنود الإدارة المحلية واللامركزية وضمانات الشراكة السياسية.

 

تقارير إعلامية تحدثت عن مقترحات لدمج نحو 50 ألف مقاتل من قسد ضمن ثلاث فرق عسكرية ولواءات فرعية، مقابل تخلي قسد عن بعض سلاسل القيادة المستقلة وفتح مناطق سيطرتها أمام وحدات من الجيش السوري. في المقابل، يطرح قادة من "الإدارة الذاتية" مقاربة مختلفة، تقوم على اندماج منظم يحفظ "إرث قسد" وتوازناتها، ويضمن استمرار شكل من أشكال اللامركزية في شمال شرقي البلاد، وسط دعم أمريكي وأوروبي معلن لفكرة اللامركزية وعدم العودة إلى نموذج المركزية الصلبة الذي ساد قبل 2011.

 

رسائل متبادلة أم بداية مسار تصعيد؟

 

لغة التصريحات بعد الاشتباكات تكشف عن محاولة مزدوجة: ضغط ميداني من دون انفلات كامل. وزارة الدفاع السورية أعلنت وقف استهداف مصادر نيران قسد بعد "تحييد" بعضها، مؤكدة الالتزام بحماية المدنيين وعدم السعي لتغيير خطوط السيطرة، في إشارة إلى أن الرسالة أُرسلت ولا حاجة لتوسيع المعركة. في المقابل، أعلنت قسد وقف الرد على هجمات "فصائل حكومة دمشق" استجابة لاتصالات تهدئة، لكنها حمّلت الحكومة مسؤولية التوتر واتهمتها بخرق التفاهمات السابقة.

 

وصف وزير الطوارئ رائد الصالح ما جرى بأنه "يوم ثقيل" على حلب وأهلها، متهماً قسد بانتهاك القانون الدولي الإنساني عبر استهداف الأحياء السكنية وعرقلة عمل فرق الإنقاذ. هذا الخطاب يسعى لتأطير ما جرى كاعتداء أحادي من قسد، بينما تُظهر روايات أخرى أن الاشتباكات جاءت في سياق احتكاكات متكررة على الحواجز ونقاط التماس شمال المدينة، سبق أن أدت في الأشهر الماضية إلى سقوط قتلى وجرحى وفرض هدَن موضعية تحت ضغوط دولية.

 

في خلفية المشهد، تضغط أطراف إقليمية ودولية – خصوصاً أنقرة وواشنطن وموسكو – لتسريع أو تعطيل مسار الدمج، كلٌّ وفق مصالحه، ما يجعل حلب ساحة اختبار لإرادة دمشق وقسد على حد سواء. فإذا نجحت مساعي التهدئة الحالية، قد تُستخدم الاشتباكات كورقة تفاوضية لرفع سقف الشروط في الساعات الأخيرة قبل تثبيت صيغة الاندماج؛ أما إذا تعثرت المفاوضات أو انهار اتفاق 10 مارس مع انتهاء مهلة تطبيقه، فقد تكون هذه الجولة مجرد مقدمة لسلسلة صدامات أوسع، يدفع ثمنها مرة أخرى المدنيون في مدينة أنهكتها الحروب والصفقات.