في مشهد تتقاطع فيه السياسة بالإنسانية، وتحتدم فيه الملفات الإقليمية والدولية مع معاناة السكان في قطاع غزة، برزت سلسلة من الرسائل والتحذيرات الصريحة على لسان القيادة السياسية في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وعلى رأسها رئيس الحركة في الخارج خالد مشعل، الذي قدّم في مقابلة تلفزيونية مطوّلة قراءة شاملة لمآلات الحرب، وتداعياتها، ومسارات الحلول المطروحة، إلى جانب تصوّر الحركة لمستقبل غزة والمقاومة.
وفي الميدان، جاءت العاصفة القطبية «بيرون» لتكشف هشاشة الوضع الإنساني الكارثي الذي يعيشه أكثر من مليون ونصف المليون نازح داخل خيام لا تقوى على مواجهة الرياح أو السيول.
مشعل: نزع السلاح نزعٌ للروح… والمقاومة خط أحمر
خلال حديثه في برنامج “موازين” على قناة الجزيرة، شدّد خالد مشعل على أنّ سلاح المقاومة يمثل «روح الشعب الفلسطيني»، وأنّ كل طرح يدعو إلى نزعه هو محاولة لسلب الفلسطينيين آخر أدوات الحماية في وجه الاحتلال.
واعتبر أنّ المطالب التي يطرحها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وبعض الأطراف الدولية، بشأن تجريد غزة من سلاحها، تمثل عودة لصيغ «الانتداب والوصاية» التي لن يقبل بها الشعب الفلسطيني.
وأوضح مشعل أنّ حماس قدّمت مقترحات واضحة لضمان الاستقرار دون المساس بالبنية الدفاعية للمقاومة، من بينها هدنة طويلة الأمد، ونشر قوات استقرار دولية على الحدود فقط، مع ضمانات عربية وإسلامية تمنع أي تصعيد من الجانبين، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنّ المشكلة ليست في غزة، «بل في الاعتداءات والعنف الإسرائيلي الذي لم يتوقف».
استعادة حضور القضية… ودعم شبابي عالمي للمقاومة
وأشار مشعل إلى أن القضية الفلسطينية استعادت حضورًا غير مسبوق على الساحتين الإقليمية والدولية خلال العامين الأخيرين، مشيراً إلى تحولات كبيرة في الرأي العام العالمي، خاصة بين الشباب في الولايات المتحدة وأوروبا. وأوضح أن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى أن «51% من الشباب الأمريكي يقفون مع المقاومة»، وهو مكسب سياسي ومعنوي غير مسبوق.
كما اعتبر أن طوفان الأقصى أحدث «هزة عميقة» في بنية النظام الدولي وفي صورة الاحتلال، الذي بات منبوذاً على حد تعبيره، فيما أصبحت جرائم الإبادة الجماعية مكشوفة أمام الرأي العام العالمي.
ثمن باهظ… و70 ألف شهيد
ورغم الحديث عن المكاسب السياسية، اعترف مشعل بأنّ الثمن كان فادحًا، إذ تجاوز عدد الشهداء 70 ألفًا، بينما أصيب 200 ألف آخرون، إضافة إلى عشرات آلاف المفقودين، مؤكداً أن غزة دفعت كلفة هائلة من أجل هذه المرحلة، لكنّ الشعب —كما قال— «قادر على النهوض من جديد».
التطبيع بعد 7 أكتوبر… «أبعد من أي وقت مضى»
انتقد مشعل موجة التطبيع التي كانت تدفع بها بعض الدول قبل تفجر الحرب، مؤكداً أن مرحلة ما بعد السابع من أكتوبر دفعت هذا المسار إلى «أبعد نقطة»، خصوصًا بعد أن كشفت الحرب حجم الدمار والقتل، ما جعل أي محاولة لتسويق التطبيع أمراً «محكومًا بالفشل».
كما أشار إلى أن الإدارة الأمريكية تحاول تهيئة «صورة استقرار جزئي» في غزة لتمرير التطبيع، مؤكداً أن حماس ترفض أي حلول جزئية لا تعالج جذور الصراع.
مراحل وقف إطلاق النار… ومعاناة بلا نهاية
كشف مشعل عن عراقيل كبيرة تعترض تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، مؤكداً أن الاحتلال يعمد إلى إعاقة إدخال المساعدات والمواد الإغاثية، حيث يفترض دخول 600 شاحنة يومياً، بينما معظمها عبارة عن بضائع تجارية وليست مساعدات فعلية.
كما أشار إلى أن “الخط الأصفر” الذي تفترض خطة ترامب عدم تجاوزه، تم تغييره قسرًا لتصبح 60% من مساحة القطاع تحت سيطرة الاحتلال، إلى جانب استمرار الانتهاكات في الإيواء، وتقييد إدخال المعدات الثقيلة اللازمة لإزالة الركام أو إعادة تأهيل المستشفيات.
نحو إدارة جديدة لغزة… دون وصاية
أوضح مشعل أن الفصائل والوساطة المصرية توصّلوا إلى صيغة أولية لإدارة القطاع عبر «حكومة تكنوقراط» مكوّنة من شخصيات مهنية من داخل غزة، بعيدًا عن الوصاية أو التبعية لأي مجلس دولي. وكشف عن اختيار ثمانية أسماء من بين أربعين مرشحًا، على أن تتولى الشرطة المحلية المهام الأمنية لضمان الاستقرار.
وأكد رفض الحركة القاطع لأي صيغة تُعيد سيناريو «الانتداب» بصيغة دولية جديدة، مشدداً على أن «الفلسطيني هو من يحكم فلسطين».
مخاطر الضم والتهجير… ودور الأردن ومصر
ثمّن مشعل الموقفين الأردني والمصري الرافضين لسيناريو التهجير، محذرًا من توسع عمليات الضم الإسرائيلي في الضفة الغربية عبر خطوات فعلية على الأرض في مناطق «أ» و«ب»، إلى جانب النشاط الاستيطاني المتسارع واعتداءات المستوطنين.
وأشار إلى أن أي نجاح لمخططات الضم والتهجير سيشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي العربي.
المنخفض القطبي “بيرون” يكشف هشاشة القطاع: 12 ضحية و27 ألف خيمة جرفتها السيول
في موازاة المشهد السياسي، يعيش قطاع غزة كارثة إنسانية متعمقة مع وصول المنخفض القطبي “بيرون”، الذي ضرب المنطقة بعواصف قوية وسيول غزيرة ورياح شديدة، ما أدى إلى غرق آلاف الخيام وانهيار منازل مدمرة سابقًا بفعل الحرب.
كارثة بين الخيام: وفاة طفلة وغرق آلاف العائلات
أكد الناطق باسم حماس حازم قاسم أن غزة تواجه «امتدادًا حقيقيًا لحرب الإبادة»، بفعل الحصار ومنع الإعمار، مشيرًا إلى وفاة طفلة نتيجة البرد الحاد وتساقط الأمطار على خيام النازحين.
كما دعا الوسطاء والدول الضامنة إلى التدخل الفوري للضغط على الاحتلال لفتح مسار حقيقي للإعمار.
22 ألف خيمة متضررة… و300 ألف خيمة مطلوبة
كشف جهاز الدفاع المدني عن تلقيه 2500 نداء استغاثة خلال 24 ساعة فقط، وسط قدرات ميدانية شبه معدومة. كما أعلن المكتب الإعلامي الحكومي عن تضرر أكثر من 22 ألف خيمة بالكامل، بينما يحتاج القطاع إلى 300 ألف خيمة جديدة، لم يدخل منها سوى 20 ألفًا منذ عامين.
12 ضحية… و13 منزلًا منهارًا
أعلن المكتب الإعلامي الحكومي سقوط 12 ضحية بين شهداء ومفقودين منذ بدء العاصفة، إلى جانب انهيار 13 منزلًا في أحياء متفرقة بمدينة غزة، مع جرف السيول لأكثر من 27 ألف خيمة.
وأشار البيان إلى أن ربع مليون نازح تعرضوا لأضرار مباشرة، وسط غياب تام لأي تدخل دولي جدي.

