أعلنت وزارة المالية رسميًا أن مصروفات فوائد الدين العام تجاوزت إيرادات الموازنة المصرية في أول أربعة أشهر من العام المالي الجاري، من يوليو إلى أكتوبر الماضي إلى مستوى 899.1 مليار جنيه، لتتجاوز قيمة الإيرادات التي حصلتها الموازنة خلال نفس الفترة، لتتحول مصر فعليًا إلى دولة تدفع من أجل خدمة دينها أكثر مما تدخل في خزينتها، في سابقة صادمة تكشف عن حجم الانهيار المالي والإداري الذي أوصلت حكومة الانقلاب البلد إليه. القروض التي يُبرم سدادها باسم "النمو والاستثمار" باتت عبئًا خانقًا يبتلع كل قرش من الإيراد الحكومي، ويقود دولة الـ 100 مليون إلى أعمق حفرة عجز في تاريخها الحديث.

 

مدفوعات الفوائد تلتهم كل الإيرادات

 

بحسب بيانات وزارة المالية، ارتفعت مصروفات فوائد الدين العام في أول أربعة أشهر (يوليو-أكتوبر 2025) إلى 899.1 مليار جنيه، متجاوزة بذلك قيمة الإيرادات الكلية والتي لم تتعد 864 مليار جنيه بنفس الفترة، أي أن الفوائد التهمت 104% من مجمل الإيرادات. ويُتوقع أن تقفز مدفوعات الفوائد السنوية إلى 2.3 تريليون جنيه هذا العام، وهو ما يعني أن نصيب الفرد المصري بلغ رقما مهولا يتجاوز 21 ألف جنيه سنويًا، لا يحصل منه على جنيه واحد خدمات أو دعم أو تعليم أو علاج.

 

انفجار العجز الكلي.. وعجز في السيادة

 

العجز الكلي قفز ليصل إلى أكثر من 3.2% خلال أربعة أشهر فقط، بفضل الفوائد وحدها، رغم موجة زيادة في الضرائب ورسوم الخدمات التي استنزفت جيب المواطن وقضت على ما تبقى من الطبقة الوسطى. لم يعد لدى الدولة ما يدفع للأجور أو الدعم أو التشغيل إلا بالاستدانة المتواصلة، ومع كل دورية جديدة من صندوق النقد وشركائه، تزداد شروط الاقتراض فتكًا: ضرائب إضافية، خفض للدعم، بيع للأصول العامة، وتشريد المزيد من العمالة.

 

الموت البطيء للإنفاق الاجتماعي

 

تُشير بيانات الموازنة إلى أن الفوائد تستحوذ الآن على نصف إجمالي المصروفات العامة تقريبًا، بينما تتآكل حصص الإنفاق على مجالات التعليم والصحة والدعم الاجتماعي. في الأربعة أشهر المذكورة فقط، زادت مصروفات الدعم إلى 127.8 مليار جنيه، لكن هذا الرقم يظل ضئيلًا بجانب مدفوعات فوائد الدين والتي تجاوزت الدعم بقرابة 7 أضعاف. لم يعد ما يُصرف على الأجور (حوالى 8% من الإنفاق) أو الخدمات أو البنية التحتية (المتبقي من المصروفات)، إلا فتاتٍ يغطي "العيشة بالكاد" لملايين الأسر، وسط عجز حكومة الانقلاب عن تحريك الملف على أي جبهة إنتاجية أو تنموية حقيقية.

 

من يتحمّل المسؤولية؟ سياسة الغرق بدل الإصلاح

 

الأرقام تقول كل شيء: حكومة الانقلاب تُقايض حاضر المصريين وأجيالهم المقبلة بمحاولة بقاء قصيرة الأمد. بدل مواجهة كلفة الهيمنة العسكرية والفساد المؤسسي، صار الإنقاذ يُرجى من رفع أسعار الفائدة محليًا واقتراض جديد خارجيًا، بينما كل تقارير مؤسسات المال العالمية تصنف مصر كإحدى أكبر الدول هشاشةً في سداد الدين. يفتخر مسؤولو الانقلاب بخفض محدود لأسعار الفائدة في الربعين الماضيين، لكن الضغوط التضخمية وانهيار سعر الجنيه وانفجار الدين جعلت كل هذا "التيسير" مسكّنًا مؤقتًا أمام سرطان يتوسع في الجسد الاقتصادي بدون علاج فعلي.

 

ديون باقية… وحكومة لا تحاسب

 

فواتير الدين تُسدد من جلد المصري لا من عائد تنموي أو طفرة إنتاجية. يُحصّل النظام 85% من كل جنيه يدخل خزينة الدولة من الضرائب، ثم يذهب أغلبه لدائنين محليين ودوليين. سياسة حكومة السيسي هي إدارة العجز بالحرق لا الإصلاح: مزيد من القروض، شطب الخدمات، وتهميش دعم قطاعات الصحة والتعليم والإنتاج لمصلحة جيوب من هندسوا فخ الديون وضمنوا الربح على حساب الشعب. بهذه الكيفية، لم تعد مصر تحتكم لموازنة تفيد مجتمعها، بل تخضع لإملاءات التحصيل والفائدة وقانون السوق، بينما الشعب يُترك وحيدًا في مواجهة عاصفة الديون بلا مظلة حماية حقيقية.