في لحظة فارقة من تاريخ السودان، وبين تصاعد أعمال العنف واتساع رقعة النزوح والمجاعة والانهيار شبه الكامل للبنية الصحية، أعلنت منظمة هيومان أبيل عن إطلاق "صندوق طوارئ السودان" لإنقاذ ملايين المدنيين العالقين في أتون حرب مستمرة تدخل عامها الثالث بلا أفق واضح لنهايتها.
استجابة إنسانية عاجلة لأزمة غير مسبوقة
تؤكد المنظمة أن الصندوق يهدف إلى توفير الحد الأدنى من مقومات البقاء عبر حزمة واسعة من المساعدات تشمل:
- طرود غذائية عاجلة
- مياه شرب آمنة
- رعاية طبية أساسية ومتخصصة
- مواد إيواء وبطانيات وأدوات طبخ
- مستلزمات خاصة بالنساء والفتيات
- دعم المتضررين من الفيضانات والكوارث الطبيعية
- تسيير عيادات متنقلة والتعاون مع مراكز غسيل الكلى لإنقاذ آلاف المرضى في ولايتي الجزيرة ونهر النيل
وتأتي هذه المبادرة في وقت تتفاقم فيه الأوضاع إلى مستوى “انهيار شامل”، بحسب بيان المنظمة البريطانية، التي تشير إلى أن عامين من الحرب خلّفا أكثر من 18 ألف قتيل، ودمّروا البنية التحتية، وشتّتوا الأسر، وأغلقوا المستشفيات.
أرقام صادمة تكشف حجم الكارثة
- 30 مليون شخص يحتاجون مساعدات إنسانية
- 25 مليون يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد
- 5 ملايين على حافة المجاعة
- 3 ملايين طفل يعانون سوء التغذية الحاد
- 19 مليون طفل مهددون بفقدان التعليم
- 11 مليون بحاجة لمساعدات طبية عاجلة
هذه الأرقام، وفق تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، تجعل من الأزمة السودانية واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في العالم حالياً.
بلدات تكتظ بالأطفال وحدهم.. مجزرة تمتد على الطريق من الفاشر إلى طويلة
إلى جانب كارثة الجوع والنزوح، كشفت مجلة تايم الأميركية تحقيقاً مرعباً عن وصول مئات الأطفال إلى بلدة طويلة دون ذويهم، بعد فرارهم من مدينة الفاشر التي سقطت بيد قوات الدعم السريع.
عاملون في الإغاثة وصفوا مشاهد “مفجعة”، بينها طفلة (13 عاماً) تحمل رضيعاً عمره 5 أشهر دون أن تعرف أين والدتها أو إخوتها الأربعة.
وتقدّر المنظمات وصول ما بين 450 إلى 800 طفل بلا أسر، في ظاهرة تعكس مستوى التفكك الأسري والإبادة الجماعية التي يشهدها الإقليم.
كما أفادت منظمات بأن 5 آلاف شخص وصلوا إلى طويلة بعد تشتت عائلاتهم، بينما تحول المخيم إلى مركز نزوح ضخم يضم نصف مليون إنسان، وهو رقم يزيد عن مئة ضعف عدد سكان البلدة الأصلي.
مجاعة رسمية في الفاشر والأمراض تفتك بالأطفال
أُعلنت الفاشر منطقة مجاعة رسمياً في الثالث من الشهر الحالي، في ظل انتشار سريع للكوليرا والملاريا، فيما سجّل السودان أكثر من 120 ألف إصابة كوليرا مشتبه بها، و3 آلاف وفاة حتى نهاية أكتوبر.
شهادات مرعبة: قتل جماعي، خطف، اغتصاب، وابتزاز
وثقت منظمة العفو الدولية شهادات صادمة لـ28 ناجياً من الفاشر، أكدت ارتكاب قوات الدعم السريع جرائم ترتقي إلى جرائم حرب.
بين أبرز الشهادات:
- ناجٍ روى كيف أطلقت المليشيا النار على مجموعة من الرجال وأُجبر على التظاهر بالموت بعد مقتل 17 منهم.
- شهادات عن خطف رهائن وطلب فدية بالآلاف، وإعدام من تعجز أسرته عن الدفع.
- روايات نساء عن تعرضهن لاغتصابات ممنهجة في مخيم زمزم بعد فصلهن عن الرجال.
وفي تصريحات قوية، طالبت الأمينة العامة للعفو الدولية أغنيس كالامارد بوقف الهجوم الوحشي على المدنيين وفتح تحقيق دولي عاجل.
رهان سياسي وأزمة دبلوماسية: البرهان يتجه إلى ترامب
في تطور سياسي لافت، نشر الفريق أول عبد الفتاح البرهان مقالاً في وول ستريت جورنال يراهن فيه على “نزاهة وحزم” الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب.
وقال إن السودانيين يعتبرون ترامب القائد القادر على “كبح الأطراف الخارجية التي تطيل معاناتهم”، مشيراً إلى أن الحرب باتت بين “دولة ذات سيادة” و“ميليشيا إبادة جماعية”.
ويأتي هذا بينما تتهم تقارير أميركية الطرفين بارتكاب انتهاكات واسعة منذ اندلاع الحرب.
وساطة دولية متعثرة.. ومواقف متضاربة حول الهدنة
تتحرك الولايات المتحدة ومصر والسعودية والإمارات في إطار “الرباعية الدولية” لإيجاد هدنة، لكن الخرطوم تشترط انسحاب الدعم السريع من المدن قبل أي وقف للنار.
وزير الخارجية السوداني محيي الدين سالم طالب بتصنيف الدعم السريع “منظمة إرهابية”، مؤكداً أن السلام يجب أن يقوم على “حل سوداني خالص”.
في المقابل، أعلن قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” هدنة من طرف واحد لمدة ثلاثة أشهر، وسط تشكيك واسع في نوايا قواته.
معارضة سياسية: “هدنة حميدتي فخ لإخفاء جرائم الفاشر”
محمود الجمل، المتحدث باسم “الجبهة الوطنية للتغيير”، وصف هدنة حميدتي بأنها “خدعة مكشوفة” تهدف لإعادة تسليح قواته وطمس الأدلة على مجازر الفاشر، قائلاً إنها “هدنة للقتال وليس للسلام”.
وأضاف أن التقارير الدولية وصور الأقمار الصناعية أثبتت تورط المليشيا في المجازر، مستشهداً بتصريحات مسؤولين أميركيين أكدوا أن الدعم السريع يوافق على الهدنة دون نية تنفيذها.
انهيار شامل وطرق مسدودة.. والسودان يقترب من “كارثة القرن”
مع استمرار القتال في دارفور وكردفان والخرطوم، ومع وجود 13 مليون نازح، وارتفاع معدلات القتل والمجاعة والأمراض، يحذر خبراء الإغاثة من “أسوأ أزمة إنسانية يشهدها العالم منذ عقود”.
هيومان أبيل دعت الأفراد والمؤسسات إلى دعم الصندوق العاجل، مؤكدة أن “كل تبرع هو إنقاذ حياة”.

