حتى نوفمبر 2025، لا يزال المشهد السوداني غارقًا في واحدة من أعنف المراحل منذ اندلاع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023. فالدولة الممتدة على مساحات شاسعة تشهد موجات متلاحقة من المواجهات، تتوسع يومًا بعد آخر، ولا تترك خلفها سوى الدمار والنزوح والأزمات الإنسانية المتفاقمة. أحدث التطورات تشير إلى انتشار مكثف للعمليات العسكرية في أجزاء عدة من البلاد، خصوصًا ولايات كردفان التي أصبحت مسرحًا رئيسيًا للصراع.

 

في إقليم كردفان، شهدت مدينة بابنوسة اشتباكات عنيفة خلال الأسابيع الأخيرة، حيث تحاول قوات الدعم السريع تعزيز وجودها بالقرب من طرق ومواقع ذات أهمية استراتيجية. هذه التحركات جاءت في وقت كثف فيه الجيش السوداني عملياته المضادة، محققًا مكاسب ميدانية مهمة في شمال كردفان، خاصة في عدد من المحليات التي شهدت جولات قتال مستمرة. وعلى الرغم من هذا التقدم النسبي، ما تزال المعارك متقطعة في غرب كردفان، حيث تتبدل السيطرة بين الطرفين بشكل متكرر، ما يعكس حالة السيولة العسكرية في المنطقة وصعوبة الحسم.

 

إحدى النقاط اللافتة في مسار الحرب هي رفض الطرفين القاطع لأي وقف لإطلاق النار، سواء كان محليًا أو بوساطة إقليمية أو دولية. هذا التعنّت يجعل فرص الوصول إلى حل سياسي شبه معدومة، ويؤدي إلى استمرار النزاعات في مناطق جديدة، مع احتمال توسع رقعة العمليات أكثر خلال الفترة المقبلة. كما أنه يحد من قدرة المنظمات الإنسانية على الوصول إلى المدنيين المتضررين، ويعقّد أي محاولات لإغاثة المناطق المحاصرة أو المعزولة.

 

الأوضاع الإنسانية بدورها تسير نحو مزيد من التدهور، إذ تتحدث تقارير ميدانية عن موجات نزوح واسعة، في ظل تدمير متكرر للبنية التحتية الأساسية من كهرباء ومياه وطرق ومرافق صحية. في بعض المناطق، لا سيما حول جبل أبو سنون وشمال كردفان، وردت شهادات عن خسائر كبيرة في العتاد والجنود من الجانبين نتيجة اشتباكات ضارية استُخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والطائرات المسيّرة. هذه المواجهات أدت أيضًا إلى تعطيل الخدمات العامة، وأصبح السكان يعيشون في ظروف شبه منعدمة من الأمان والغذاء والعلاج.

 

على صعيد موازٍ، لم تتوقف الجهود الدولية والإقليمية الرامية إلى الضغط على أطراف النزاع لوقف القتال. ورغم تعدد المبادرات، وتنوع الوسطاء من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ودول عربية مؤثرة، لم تظهر أي مؤشرات حقيقية على إمكانية إنهاء الحرب في المدى المنظور. فالمعادلة السياسية في السودان باتت أكثر تشابكًا، مع دخول أطراف داخلية وخارجية على خط الصراع، وتضارب المصالح بين القوى المتحاربة، إضافة إلى غياب الثقة والتفاهم بين الطرفين الأساسيين.

 

ويبدو أن العامل السياسي لا يقل تعقيدًا عن الجانب العسكري، فقد تأثرت العملية السياسية بشكل كامل نتيجة الانقسامات والتصعيد المستمر. الهيئات المدنية، سواء تلك المنضوية في الاتفاق الإطاري أو غيره، فقدت القدرة على لعب دور فاعل ضمن هذه الظروف، خصوصًا في ظل بيئة أمنية شديدة التوتر، وغياب أي مؤسسات مستقرة يمكن البناء عليها للوصول إلى مرحلة انتقالية جديدة. كذلك فإن الضغوط الاقتصادية، المتمثلة في انهيار سعر العملة المحلية وتعطل التجارة الداخلية والخارجية، جعلت الوضع أكثر هشاشة.

 

ومع مرور الوقت، بدأت دول الجوار تشعر بثقل الارتدادات الناتجة عن الحرب، من تدفق اللاجئين عبر الحدود إلى تهريب السلاح والبضائع. هذه التداعيات تضيف أبعادًا جديدة للأزمة، وتجعل من الحرب في السودان عاملًا يؤثر في استقرار المنطقة بأكملها، وليس السودان وحده.

 

بصورة عامة، فإن الوضع الميداني في البلاد يشهد تصعيدًا خطيرًا في شمال وشرق ووسط السودان، مع استمرار المعارك في بيئات سكانية مكتظة، ما يزيد من عدد القتلى والجرحى ويضاعف من معاناة المدنيين. وفي ظل غياب أي تقدم سياسي حقيقي، تبدو الأزمة طويلة الأمد، وتتطلب تدخلًا حاسمًا من قبل الأطراف الدولية والإقليمية، إضافة إلى استعداد القيادات السودانية للعودة إلى طاولة الحوار وتقديم تنازلات متبادلة لإنقاذ ما تبقى من الدولة.

 

,واخيرا فانه  حتى الآن الحرب تحولت إلى صراع استنزاف، وأن مستقبل السودان القريب لا يزال ضبابيًا، بل ومفتوحًا على احتمالات أشد خطورة إذا لم تُتخذ خطوات جدية نحو تهدئة شاملة. فالأزمة لم تعد مجرد مواجهة عسكرية، بل أصبحت قضية إنسانية وسياسية مركبة، تحتاج إلى معالجة متوازنة وشاملة تبدأ بوقف إطلاق النار وفتح ممرات آمنة، وتنتهي بإعادة بناء نظام سياسي قادر على إدارة الدولة ومنع عودة الانقسامات المسلحة مجددًا.