في مشهد يعكس عبثية السياسات الحكومية وانفصالها التام عن واقع المصريين، يعلن الفريق كامل الوزير، نائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير النقل والصناعة، عن مشروع "عبقري" جديد: إنشاء ساعة ضخمة على غرار ساعة جامعة القاهرة أمام محطتي المونوريل بالعاصمة الإدارية الجديدة. بينما تغرق البلاد في ديون تتجاوز 161 مليار دولار، وترتفع معدلات البطالة والفقر، وتتهالك شبكة السكك الحديدية وتحصد أرواح المصريين يوميًا، يجد هذا الوزير أولويته في بناء "ساعة ضخمة" لا تقدم ولا تؤخر اقتصاديًا. هذه ليست المرة الأولى التي يثبت فيها كامل الوزير أنه متخصص في إطلاق مشاريع استعراضية فارغة من المضمون، ومهندس فناكيش لا تسمن ولا تغني من جوع. ساعة ضخمة: رمز للأولويات المقلوبة إعلان كامل الوزير عن مشروع "الساعة الضخمة" ليس مجرد هدر مالي بسيط، بل هو رمز صارخ لأولويات نظام فاشل يضع المظاهر فوق الجوهر، والديكورات فوق التنمية الحقيقية. فبينما يحتاج قطاع السكك الحديدية المنهار إلى عشرات المليارات لتحديث البنية التحتية المتهالكة التي تسببت في سقوط مئات الضحايا خلال السنوات الأخيرة، يذهب تفكير الوزير إلى "ساعة ديكور" في منطقة خالية من السكان بالعاصمة الإدارية المهجورة. المفارقة المضحكة المبكية أن الوزير يصف هذه الساعة بأنها ستكون "بمثابة مركز رئيسي للعاصمة الإدارية الجديدة"، في الوقت الذي تعاني فيه العاصمة الإدارية من فشل ذريع في جذب السكان والاستثمارات، وتحولت إلى مشروع خاسر بمليارات الدولارات من الديون. فكيف ستُحوّل "ساعة" إلى "مركز رئيسي" لمدينة فاشلة لا يريد أحد السكن فيها؟ هذا منطق نظام يعيش في عالم الأوهام والدعاية الفارغة. المونوريل: مشروع بمليارات اليورو بلا جدوى اقتصادية مشروع المونوريل الذي يفاخر به كامل الوزير كـ"إنجاز تاريخي" هو في الحقيقة مثال نموذجي على المشاريع الاستعراضية التي تستنزف موارد الدولة دون عوائد اقتصادية حقيقية. تكلفة المشروع الإجمالية تبلغ 2.7 مليار يورو (حوالي 90 مليار جنيه)، شاملة الضرائب والجمارك، وهو رقم ضخم لوسيلة نقل تخدم منطقة شبه خالية من السكان وتربط القاهرة بعاصمة إدارية فاشلة. سجل حافل بالكوارث: "قطارات الموت" في عهد الوزير العسكري بينما ينشغل كامل الوزير بمشاريع الفناكيش كالساعات الضخمة والمونوريلات الفاشلة، يستمر نزيف الدماء في قطاع السكك الحديدية المنهار. الإحصاءات الرسمية تكشف حقيقة مرعبة: في الفترة بين 2014 و2018 (قبل تولي كامل الوزير)، وقع 69 حادث قطار أدى إلى وفاة 85 شخصًا وإصابة 532 آخرين. أما في فترة تولي كامل الوزير من 2019 حتى 2024، فقد وقع 119 حادثًا أدى إلى وفاة 193 شخصًا وإصابة 2788 آخرين. هذا يعني تضاعف عدد الضحايا والمصابين في عهد الوزير العسكري. من حادث قطار رمسيس الذي أودى بحياة 28 مواطنًا في 2019، إلى اصطدام قطاري سوهاج الذي قتل 32 شخصًا في 2021، وصولًا إلى حادث قطار مطروح الأخير في 2025، تتكرر المأساة دون محاسبة حقيقية. والأخطر أن الوزير يتهرب من المسؤولية في كل مرة، ملقيًا اللوم على "العمال" و"المقصرين"، بينما يستمر هو في منصبه محميًا بنظام عسكري لا يعرف المحاسبة. إهدار المليارات وتجاهل الأولويات منذ تولي كامل الوزير وزارة النقل، تم الإعلان عن مشاريع بمليارات الجنيهات: مونوريل بـ90 مليار، قطار كهربائي LRT بعشرات المليارات، طرق وكباري بالمليارات، كلها تذهب للعاصمة الإدارية والمدن الجديدة الخاوية من السكان. بينما شبكة السكك الحديدية التي يستخدمها ملايين الفقراء يوميًا تعاني من تهالك البنية التحتية، وقدم العربات والقاطرات، وضعف أنظمة الأمان والإشارات. الحكومة تنفق المليارات على مشاريع استعراضية لا تحقق عوائد اقتصادية، بينما ترفع أسعار تذاكر القطارات على الفقراء بنسبة 25% لقطارات "تحيا مصر" التي يستقلها المواطن البسيط. هذا هو منطق النظام: الفقراء يدفعون ثمن فشل المشاريع الاستعراضية للأغنياء، والعمال يُلامون على كوارث صنعها إهمال المسؤولين وفسادهم. "التنمية الصناعية" الوهمية: فشل في كل الجبهات لم يكتف كامل الوزير بالفشل في قطاع النقل، بل امتد فشله إلى منصبه الجديد كنائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية. تصريحاته الأخيرة حول "أزمة العمالة" وإلقاء اللوم على العامل المصري الذي "يتسيب" بدلًا من الاعتراف بفشل السياسات الحكومية، كشفت عقلية وزير يبحث دومًا عن كباش فداء لتبرير فشله. الحقيقة المرة أن الدولة تصرف مليارات على الطرق والكباري ومحطات القطار الفارغة، لكنها لا تصرف على الإنسان وتدريب الكوادر وبناء القدرات الصناعية الحقيقية. النتيجة: مصانع تُغلق، وعمال يُهمّشون، ومشاريع صناعية تفشل، بينما الوزير يستمر في الترقية والمكافأة على الفشل. كما قال أحد المحللين: "الفشل عندنا هو أهم مسوغات ترقيتك". غياب الشفافية والمحاسبة: صفقات بالمليارات دون رقابة
المشاريع الضخمة التي يديرها كامل الوزير تُنفذ بعقود غامضة، وصفقات مع شركات بعينها دون منافسات معلنة، وتوريدات بمليارات الجنيهات دون رقابة حقيقية. المواطن لا يعرف شيئًا عن تفاصيل هذه العقود، لكنه يدفع الثمن من جيبه في شكل ضرائب متزايدة، ومن دمه في حوادث القطارات المتكررة. متى تنتهي مسرحية الفشل المكافأ؟ كامل الوزير ليس مجرد وزير فاشل، بل هو رمز لنظام كامل قائم على مكافأة الفشل، وتجاهل المحاسبة، وإهدار المال العام على مشاريع استعراضية بلا جدوى. من "ساعة ضخمة" لا معنى لها، إلى مونوريل بـ90 مليار جنيه لمدينة فاشلة، وصولًا إلى سكك حديدية منهارة تحصد أرواح المصريين، يمثل سجل هذا الوزير كارثة اقتصادية وإنسانية متكاملة.

