من وقت لآخر، تتداول وسائل الإعلام في مصر خبرًا عن وفاة طبيب أثناء عمله، حتى أضحت مثل هذه الوفيات أمرًا معتادًا خلال السنوات الأخيرة، والتي وصلت إلى ذروتها إبان جائحة كورونا، مع وفاة أكثر من 500 طبيب وطبيبة وفق نقابة الأطباء.

 

كان آخر هؤلاء الأطباء الذين لقوا حتفهم أثناء أداء عملهم، الطبيب أبوالحسن رجب، أخصائي النساء والتوليد بمستشفى دشنا المركزي بمحافظة قنا، الذي توفي متأثرًا بإصابته بطلق طائش أثناء تأدية عمله في إحدى القوافل العلاجية بمحافظة قنا.

 

وفيات الأطباء ظاهرة مقلقة

 

والطبيب الراحل يأتي ضمن قائمة طويلة من الأطباء الشباب الذين فقدوا أرواحهم أثناء أداء واجبهم المهني، وسط تحذير أعضاء بنقابة الأطباء من استمرار سقوط "الشباب الأطباء" في أثناء تأدية عملهم داخل المستشفيات الجامعية، بسبب الإجهاد الذهني وضغط ساعات العمل.

 

وفقًا للأرقام الصادرة عن نقابة الأطباء حول أعداد وفيات شباب الأطباء من خارج إصابات كورونا، بلغ معدل الوفاة طبيبان شهريًا في عام 2022، مقابل 3 وفيات فى عام 2018، و11 وفاة فى عام 2019، و7 وفيات عام 2020، و10 وفيات عام 2021.

 

ومن بين تلك الوفيات على سبيل المثال؛ الطبيب الشاب نبيل عادل سيدار، طبيب الجراحة المقيم الذي توفي في أغسطس 2022 إثر إصابته بأزمة قلبية حادة أثناء عمله بمستشفى "بنها" الجامعي في محافظة القليوبية.

 

وجاءت وفاته بعد أسابيع قليلة من الوفاة المفاجئة للطبيبة مي رافع، أخصائية التخدير بمعهد الأورام بمدينة دمنهور في البحيرة، أثناء ممارسة عملها، بعد أن انتهت من تخدير 3 مرضى وإدخالهم غرف العمليات بمعهد دمنهور للأورام.؟

 

 وعلى الرغم من شعورها بالإرهاق الشديد، تحاملت على نفسها وانتظرت حتى انتهاء عملياتهم وخروجهم منها، وعقب الاطمئنان على إفاقتهم بصورة طبيعية، ذهبت إلى استراحة الأطباء لنيل قسط قصير من الراحة، إلا أنها فارقت الحياة.

 

وفي مايو من العام ذاته، توفي الطبيب أحمد سمير عبد العظيم، مدرس مساعد الجراحة العامة بكلية طب المنوفية، إثر أزمة قلبية حادة عقب انتهائه من إجراء عدة عمليات جراحية بالمستشفى.

 

أسباب سقوط الأطباء الشباب

 

وقد حذر أعضاء نقابة الأطباء من استمرار سقوط الأطباء الشباب بهذا الشكل، وقالوا إن تكرار حوادث الوفيات المفاجئة للشباب الأطباء يحتاج دراسة علمية، مشيرين إلى العمل لساعات طويلة قد تستمر لأيام متواصلة في بعض المستشفيات الجامعية، بالإضافة للضغط العصبي والنفسي جراء مزاولة المهنة الخطيرة.

 

فقد يضطر الأطباء إلى العمل لمدة 36 ساعة متواصلة، في مقابل رواتب متدنية. إذ يتراوح راتب طبيب الامتياز، بين 2,800 و3,200 جنيه شهريًا، بينما يتراوح أجر الطبيب الأخصائي بين 6,000 إلى 8,000 جنيه، مما يدفعهم إلى قضاء ساعات طويلة في العمل بين مستشفى حكومي ومستشفى خاص أو عيادة، مما يؤدي لتعرض الكثير منهم للإجهاد الشديد، نفسيًا وجسديًا.

 

أما الطبيب الحاصل على الدكتوراه، فلا يزيد راتبه الشهري في القطاع الحكومي على 10 آلاف جنيه دولار، مما يدفعه إلى البحث عن عمل إضافي في القطاع الخاص أو التفكير الجدي في البحث عن فرصة عمل خارج البلاد.

 

وعلى الرغم من أن ظاهرة "احتراق الأطباء" تواجه أطباء العالم كله، لكن تزايد عدد الوفيات بين أطباء في العشرينيات أو الثلاثينيات من أعمارهم كل شهر أثناء أداء عملهم يستدعي البحث وراء هذه الظاهرة، لوضع حد لها، ومعالجة أسبابها.

 

ويؤكد الخبراء أن الظاهرة لا تتعلق فقط بساعات العمل الطويلة أو التعرض لمستويات عالية من التوتر؛ بل هي مشكلة معقدة تنبع من مزيج من العوامل التنظيمية والشخصية والفردية.

 

إذ يواجه الأطباء ضغوطات خاصة بعملهم، يُسهم كل منها في ظاهرة معقدة تُعرف باسم الإرهاق المهني للأطباء، حيث يواجه الأطباء عددًا لا يحصى من الضغوطات في ممارستهم اليومية والتي يمكن أن  تساهم في الإرهاق المهني:

 

  • ساعات العمل الطويل:

    غالبًا ما يعمل الأطباء لساعات طويلة، بما فيها نوبات العمل الليلية والعطلات الأسبوعية والأعياد، مما قد يؤدي إلى الإرهاق وتعطيل التوازن بين العمل والحياة.

     
  • أعداد المرضى الكبيرة:

    التعامل مع العديد من المرضى في فترة زمنية محدودة يمكن أن يكون مرهقًا ويؤدي إلى الشعور بالاستعجال أو عدم القدرة على تقديم رعاية عالية الجودة.

     
  • الأعباء الإدارية:

    يتحمل الأطباء أعباءً إدارية إلى جانب عملهم الأساسي، مما ينتقص من رعاية المرضى ويزيد من عبء عملهم.

     
  • المتطلبات العاطفية:

    يواجه الأطباء في كثير من الأحيان مواقف صعبة عاطفيًا، ومنها الإبلاغ عن الأخبار السيئة، والتعامل مع معاناة المرضى وفقدانهم.

 

تشمل العلامات الشائعة لـ "احتراق الأطباء":

 

  • الإرهاق والتعب المستمر، جسديًا وعاطفيًا على حد سواء.
  • انخفاض الرضا والانخراط في العمل.
  • ازدياد السخرية أو الانفصال عن المرضى والزملاء.
  • صعوبة في التركيز أو اتخاذ القرارات.
  • مشاعر الانفعال أو الإحباط أو اليأس.
  • أعراض جسدية مثل الصداع، أو مشاكل الجهاز الهضمي، أو الأرق.