تشهد مصر حالة من التوتر السياسي المتصاعد بالتزامن مع انتخابات مجلس النواب، حيث انتشرت تقارير وشهادات توثق تجاوزات جسيمة، تشمل التزوير الممنهج، والاعتقالات التعسفية، واستخدام الأجهزة الأمنية للضغط على المرشحين والمواطنين.

 

وتأتي هذه الأحداث في ظل غياب شبه تام للشفافية، مع استمرار الحكومة في نهج الصوت الواحد وإقصاء أي صوت حتى ولوكان من معسكر الانقلاب لنجد انتخابات مسيسة تثبت أن ما يحدث انعكاسًا حقيقيًا لمستوى انحطاط الحريات والديمقراطية في البلاد؟

 

محمود جويلي واختفاء مثير للجدل

 

أثارت قضية المستشار محمود جويلي، المرشح لعضوية مجلس النواب، حالة من الغضب والاستياء بعد ظهوره في فيديو تحدّث فيه عن تعرضه وطاقمه الانتخابي لضغوط واعتقالات، بهدف دفعه للانسحاب لصالح مرشح مدعوم من السلطة.

 

الأخطر من ذلك كان ما كشفه جويلي عن وجود "أطراف وسيطة" طلبت منه 20 مليون جنيه مقابل "ضمان" الفوز بالمقعد البرلماني، ما يشير إلى وجود شبهات فساد عميقة تتعلق بعملية التصويت.

 

وبعد ساعات فقط من نشر الفيديو، خرجت زوجته في تسجيل مصوّر قالت فيه إن زوجها اختُطف من أمام منزله على يد أفراد قالت إنهم يتبعون جهاز الأمن الوطني، في واقعة لم يصدر عنها أي رد رسمي، مما زاد من الغموض والتساؤلات.

 

اعتقالات في ديرمواس بعد كشف "تزوير موثق"

 

وفي محافظة المنيا، خصوصًا في مركز ديرمواس، خرج عدد من المواطنين في مقاطع فيديو موجّهة لرئيس الجمهورية، عرضوا خلالها ما وصفوه بـ"وقائع تزوير موثقة"، تتضمن صورًا وفيديوهات من داخل اللجان.

 

غير أن وزارة الداخلية ردّت باعتقال عدد من هؤلاء، واتهمتهم بنشر "مزاعم كاذبة". وهو ما أثار موجة انتقادات، واعتبره كثيرون رسالة واضحة بأن الحديث عن التجاوزات قد يُقابل بالقمع بدلًا من التحقيق والمحاسبة.

 

اختفاء مؤقت لمرشح في الإسكندرية

 

في الإسكندرية، تكررت فصول مماثلة، حيث ظهر أحد المرشحين في فيديو من داخل لجنة انتخابية يتحدث فيه عن "تزوير مباشر" لصالح منافسه. وبعد انتشار الفيديو، تواترت أنباء عن اعتقاله، لكن بعدها ظهر في فيديو آخر ينفي ما حصل، دون توضيح لظروف اختفائه المؤقت أو سبب تناقض التصريحات، ما دفع البعض للاعتقاد بأنه ربما خضع لضغوط لإصدار بيان التراجع.

 

صور ومقاطع تفضح ما يحدث داخل اللجان

 

انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي خلال اليومين الماضيين مقاطع فيديو وصور تكشف عن مخالفات واضحة، من بينها بطاقات انتخابية مكررة التوقيع، ومشاهد توثق فرز أصوات بطريقة غير قانونية. وقد أعادت هذه المقاطع الجدل حول مدى نزاهة العملية الانتخابية برمّتها.

 

 

ورغم هذا السيل من الأدلة المرئية، لم تصدر الجهات الرسمية أي تحقيق معلن أو توضيح، واكتفت وزارة الداخلية ببيانات مقتضبة تنفي كل ما يُتداول.

 

انقسام في الإعلام المصري

 

الإعلام المصري بدوره لم يكن بعيدًا عن هذا الجدل، حيث انقسمت مواقف الإعلاميين المعروفين بمواقفهم القريبة من السلطة.

 

فقد عبّر عمرو أديب عن قلقه من المشاهد المنتشرة، معتبرًا أن الضغط لصالح أحزاب بعينها "يضر الدولة"، وقد يؤثر على ثقة المواطنين بالعملية السياسية.

 

 

أما أحمد موسى، فقد قدّم قراءة مغايرة، مؤكدًا أن المجلس القادم سيكون "متنوعًا"، وأن المعارضة سيكون لها وجود فاعل، في محاولة واضحة لطمأنة الرأي العام.

 

مشهد ضبابي ومخاوف على مستقبل الديمقراطية

 

مع تزايد الروايات حول التدخلات الأمنية والتزوير، يزداد المشهد الانتخابي في مصر غموضًا، وسط تساؤلات حول ما إذا كانت الانتخابات تُجرى فعلاً في أجواء نزيهة، أم أنها أصبحت أداة لتكريس هيمنة السلطة وتحجيم أي صوت معارض.

 

ويخشى متابعون أن تؤدي هذه الممارسات إلى إضعاف ثقة المواطنين في العملية الديمقراطية، ما يهدد مستقبل المشاركة السياسية في البلاد، ويعزز مناخ الإحباط العام، في ظل غياب آليات فعّالة للمساءلة أو الرقابة.

 

وفي الأخير فإن ما يجري خلال انتخابات مجلس النواب في مصر يتجاوز مجرد منافسة انتخابية، ويكشف عن أزمة أعمق تتعلق بالحريات، والعدالة، ومستقبل الحياة السياسية. ورغم النفي الرسمي المتكرر، فإن الواقع على الأرض يُظهر أن الكثير من المواطنين والمرشحين يواجهون تحديات كبيرة في ممارسة حقوقهم السياسية.