في تطوّر مروّع جديد، أعلنت شبكة أطباء السودان، اليوم الأحد، أنّ قوات الدعم السريع جمعت مئات الجثث من شوارع وأحياء مدينة الفاشر (عاصمة شمال دارفور)، ودفنت بعضها في مقابر جماعية وأحرقت أخرى بالكامل، في محاولة ــ وفق وصفها ــ لـ«طمس آثار جرائم ضد المدنيين». وطالبت الشبكة بتحقيق دولي مستقل وفوري في الانتهاكات الجارية. حتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم يصدر تعليق من «الدعم السريع» على ما ورد في البيان.
 

مجازر وطمس للأدلة
قالت شبكة الأطباء إن ما شهدته الفاشر خلال الأيام الماضية «فصل جديد من جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان»، مشيرةً إلى حرق جثامين ومنع مواراتها بما يليق بالكرامة الإنسانية. وتؤكد روايات متطابقة وتقارير مستقلة أنّ جمع الجثامين ودفنها في حُفر جماعية يجري ممنهجًا منذ سيطرة «الدعم السريع» على المدينة. وتدعّم صور أقمار صناعية منشورة في الأيام الأخيرة فرضية وجود مواقع دفن جماعية قيد الحفر داخل محيط المدينة.
 

نداءات لتحقيق دولي عاجل
جدّدت شبكة الأطباء دعوتها للمجتمع الدولي بالتحرك العاجل لفتح تحقيق دولي مستقل في الجرائم المرتكبة بالفاشر، معتبرةً أن الصمت الدولي «يرقى إلى التواطؤ». وأبدى خبراء أمميون صدمتهم من التقارير الواردة عن قتل غير مشروع وجرائم جسيمة بحق المدنيين في دارفور، محذّرين من نمط متكرر من الانتهاكات منذ بدء الهجوم على المدينة.
 

آخر التطورات اليوم في الفاشر
ميدانيًا وإنسانيًا، تتوالى المؤشرات على تفاقم الكارثة: حذّر مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من «فظائع لا يمكن تصورها» في الفاشر، وقدّرت الأمم المتحدة نزوح نحو 82 ألفًا من أصل 260 ألفًا هم سكان المدينة، فيما لا يزال آلاف آخرون محاصرين تحت وطأة الخوف وانعدام الأمان. كما أفاد نازحون بوضع نقاط تفتيش على الطرق المؤدية إلى الخروج من شمال دارفور، ما يعقّد عمليات الفرار الآمن ويزيد أعداد العالقين. وتتقاطع هذه المعطيات مع أدلة أقمار صناعية حديثة تشير إلى استمرار الدفن الجماعي بعد سقوط المدينة.
 

كيف سقطت الفاشر؟
في 26 أكتوبر 2025، دخلت «قوات الدعم السريع» الفاشر بعد حصار طويل ومعارك ضارية مع الجيش، لتسقط آخر معاقل الجيش في دارفور وتستكمل «الدعم السريع» سيطرتها على الإقليم الغربي بأكمله. أدانت مجلس الأمن الهجوم على المدينة، محذّرًا من خطر الفظائع واسعة النطاق. ومنذ ذلك التاريخ، تواترت تقارير من منظمات دولية وإعلامية عن قتل عرقي وانتهاكات في حق المدنيين وتعطيل المرافق الصحية.
 

المشهد الإنساني الأوسع
يتقاطع ما يحدث في الفاشر مع واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم منذ اندلاع الحرب بين الجيش و«الدعم السريع» في أبريل 2023. وثّقت منظمات طبية وإنسانية جرائم جماعية وعمليات قتل وانتهاكات واسعة، فيما تؤكد تقديرات أممية وإعلامية أنّ أكثر من 12 مليون شخص نزحوا داخليًا وخارجيًا، مع انهيار شبه كامل للخدمات الأساسية وتدهور الأمن الغذائي. وقد حذّرت «أطباء بلا حدود» حديثًا من أنّ أعدادًا كبيرة من المدنيين ما زالت في خطر داهم داخل الفاشر وحولها، مع صعوبة الوصول إلى الرعاية الصحية والإجلاء.
 

مسؤولية قانونية ومساءلة مطلوبة
تطرح شهادات الناجين وتقارير الطبابة وشواهد القبور الجماعية أسئلة ملحّة حول المسؤولية الجنائية الفردية والجماعية، وضرورة حماية الأدلة ومنع العبث بمسرح الجرائم. ويشدد خبراء أمميون ومراكز بحثية على أهمية المحاسبة، ووقف تدفقات السلاح، وتأمين ممرات إنسانية فعّالة لإجلاء الجرحى والمرضى وتدفّق المساعدات. أيّ تسوية سياسية مقبلة لن تكون قابلة للصمود ما لم تُرفَق بمسار عدالة انتقالية يضع حقوق الضحايا في الصدارة.