في حدث يوصف بالتاريخي وغير المسبوق في العلاقات بين دمشق وواشنطن، وصل الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة، في زيارة رسمية هي الأولى من نوعها لرئيس سوري إلى البيت الأبيض. وتأتي الزيارة في مرحلة حساسة من تاريخ سوريا والمنطقة، وسط تحولات سياسية وأمنية عميقة، ومحاولات لإعادة رسم خريطة التحالفات في الشرق الأوسط بعد سنوات من الصراع والعزلة الدبلوماسية.
الزيارة الأولى لرئيس سوري إلى واشنطن
ذكرت وكالة الأنباء السورية (سانا) أن الرئيس أحمد الشرع وصل إلى العاصمة الأمريكية واشنطن يوم السبت، حيث من المقرر أن يلتقي بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في لقاء اعتُبر «خطوة مفصلية» نحو إعادة بناء العلاقات الثنائية بعد عقود من القطيعة.
وكان الشرع قد شارك في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وألقى كلمة أمام المنظمة الدولية تناولت مستقبل سوريا بعد الحرب، إلا أن هذه الزيارة إلى واشنطن تمثل أول زيارة رسمية لرئيس سوري إلى البيت الأبيض في التاريخ الحديث.
ملفات شائكة على طاولة المباحثات
بحسب المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توم براك، فإن المباحثات بين الجانبين ستتركز على عدد من القضايا الاستراتيجية، من أبرزها مكافحة الإرهاب والانضمام إلى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
وأشار براك إلى أن دمشق قد توقع خلال الزيارة اتفاقًا رسميًا للانضمام إلى التحالف، وهو ما سيشكل تحولًا جذريًا في موقع سوريا من الصراع الإقليمي والدولي على أراضيها.
وفي الوقت ذاته، تداولت وكالات أنباء عالمية مثل رويترز وفرانس برس معلومات عن نية واشنطن إنشاء قاعدة عسكرية قرب دمشق، إلا أن وزارة الخارجية السورية سارعت إلى نفي هذه الأنباء، مؤكدة أن «سوريا لن تسمح بأي وجود عسكري أجنبي جديد على أراضيها»، في إشارة إلى تمسك الحكومة السورية بسيادتها واستقلال قرارها الوطني.
رفع العقوبات: بادرة حسن نية أمريكية
في خطوة وُصفت بأنها تمهيد لفتح صفحة جديدة، أعلنت الولايات المتحدة يوم الجمعة رفع اسم الرئيس أحمد الشرع من قوائم العقوبات، بالتزامن مع قرار مماثل من مجلس الأمن الدولي يقضي برفع العقوبات الأممية عنه.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تمثل مؤشرًا واضحًا على تبدّل السياسة الأمريكية تجاه سوريا، بعد سنوات من العقوبات والعزلة الدبلوماسية التي فرضت خلال عهد الرئيس السوري السابق بشار الأسد.
من قائد عسكري إلى رئيس إصلاحي
الشرع، الذي كان يُعرف سابقًا باسم أبي محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام المنبثقة عن تنظيم القاعدة، أثار صعوده السياسي المفاجئ الكثير من الجدل. فبعد تحولات داخلية كبرى، قاد الرجل عملية سياسية انتهت بـ إسقاط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد عام 2024، وتأسيس مرحلة جديدة في تاريخ البلاد عنوانها الانفتاح والواقعية السياسية.
ويرى محللون أن خلفيته العسكرية والأمنية منحت الشرع قدرة على المناورة والتفاوض في الملفات المعقدة التي تواجه سوريا اليوم.
المفاوضات مع إسرائيل واتفاقيات أبراهام
من المتوقع أن يتناول اللقاء بين الشرع وترامب ملف العلاقات السورية–الإسرائيلية، خصوصًا في ظل مبادرات أمريكية متكررة لدفع دمشق نحو الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، التي تهدف إلى تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل.
وكان الشرع قد صرّح في سبتمبر الماضي أن المفاوضات الجارية مع إسرائيل «تهدف إلى التوصل إلى اتفاق أمني تنسحب بموجبه إسرائيل من مناطق جنوب سوريا مقابل ضمانات أمنية متبادلة»، ما يعكس تحولًا جذريًا في الموقف السوري من القضية الإسرائيلية بعد عقود من الصدام.
سوريا بين الغارات والتسوية السياسية
تأتي هذه التطورات بينما تواصل إسرائيل غاراتها الجوية على الأراضي السورية منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، مستهدفة مواقع عسكرية يُعتقد أنها تابعة لإيران وحلفائها.
ورغم هذه الهجمات، تلتزم دمشق الصمت الرسمي وتؤكد تمسكها بخيار التسوية السياسية والتفاهمات الإقليمية الجديدة، بما يتماشى مع توجهها الجديد نحو إعادة بناء العلاقات مع القوى الإقليمية والدولية الكبرى.
ختاما تمثل زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى واشنطن منعطفًا تاريخيًا في مسار العلاقات السورية–الأمريكية، ليس فقط لأنها الأولى من نوعها، بل لأنها تعكس تحولًا جذريًا في سياسة دمشق الخارجية. فبين ملفات الحرب والإرهاب، والتسوية مع إسرائيل، وإعادة الاندماج في النظام الدولي، تقف سوريا اليوم أمام فرصة لإعادة تعريف دورها الإقليمي والدولي، في مرحلة قد تعيد رسم ملامح الشرق الأوسط بأسره.

