أقدمت منصة “يوتيوب” على حذف مئات المقاطع المرئية التي توثق جرائم وانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، في ما اعتبره مراقبون جزءًا من سياسة أمريكية متواصلة للتغطية على جرائم الحرب وطمس الأدلة البصرية التي تفضحها، في خطوة أثارت غضبًا واسعًا في الأوساط الحقوقية والإعلامية.

 

وكشف موقع “ذا إنترسبت” الأمريكي، في تقرير نشره، أن “يوتيوب” قامت خلال الأشهر الأخيرة بإزالة ما لا يقل عن 700 مقطع فيديو، من بينها مواد وثائقية وتحقيقية، تتناول مشاهد القتل والتدمير الممنهج الذي تنفذه إسرائيل بحق المدنيين الفلسطينيين منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر 2023.

 

حذف ممنهج للمحتوى الفلسطيني


وبحسب التقرير، فإن الحملة الواسعة استهدفت حسابات ومؤسسات فلسطينية بارزة في مجال حقوق الإنسان والإعلام المستقل، منها منظمة “الحق” ومركز “الميزان” والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، بحجة “مخالفة إرشادات النشر” أو “الامتثال للعقوبات الأمريكية”.

 

وذكر التقرير أن هذه المنظمات كانت توثق منذ سنوات طويلة مشاهد القصف الإسرائيلي العنيف، وعمليات الإعدام الميداني، وهدم المنازل فوق رؤوس ساكنيها في الضفة الغربية والقطاع، وتقدمها في تقاريرها إلى مؤسسات الأمم المتحدة والمحاكم الدولية كأدلة على ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

 

ومن بين المقاطع التي تمت إزالتها فيلم وثائقي عن الأمهات الناجيات من الإبادة في غزة، إضافة إلى تقرير مصور يوثق اغتيال الصحفية الفلسطينية الأمريكية شيرين أبو عاقلة برصاص قناص إسرائيلي أثناء تغطيتها في جنين عام 2022، إلى جانب مشاهد لهدم منازل الفلسطينيين في مدن الضفة الغربية المحتلة.

 

يوتيوب تبرر.. والمنظمات ترد


وفي مواجهة موجة الانتقادات، صرّح المتحدث باسم “يوتيوب”، بوت بولوينكل، أن الشركة “تلتزم بالعقوبات الأمريكية وبقوانين الامتثال التجاري المعمول بها”، وفقًا لما نقله “ذا إنترسبت”.


لكن منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية وصفت هذا التبرير بأنه “ذريعة سياسية لإسكات الصوت الفلسطيني وحماية الجناة من المساءلة”.

 

وقالت منظمة “الحق”، التي تم حذف قناتها بالكامل في الثالث من أكتوبر الماضي، إن القرار جاء “دون سابق إنذار”، معتبرة أن حذف قنوات حقوقية يوثق انتهاكات موثقة بالفيديو “يشكل اعتداءً مباشرًا على حرية التعبير، وطمسًا للذاكرة البصرية لضحايا الحرب”.

 

فيما شدد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان – وهو أقدم منظمة حقوقية في غزة بحسب تصنيف الأمم المتحدة – على أن هذه الخطوة “تخدم فقط من ارتكبوا الجرائم، وتمنع الرأي العام من الاطلاع على الحقيقة، وتحمي الجناة من الملاحقة”.

 

انتقادات دولية: “إخفاء الأدلة جريمة أخرى”


وانتقدت سارة ليا ويتسون، المديرة التنفيذية لمنظمة “الديمقراطية الآن للعالم العربي”، رضوخ “يوتيوب” لما وصفته بـ “التصنيفات التعسفية” ضد المؤسسات الحقوقية الفلسطينية، مشيرة إلى أن “المنصة اختارت جانب الصمت والتواطؤ مع القوى التي تسعى لطمس الحقيقة”.

 

كما أدانت كاثرين غالاغر، المحامية في مركز الحقوق الدستورية بنيويورك، هذه الإجراءات، قائلة إن “دعم يوتيوب لأجندة أمريكية هدفها إخفاء الأدلة على جرائم الحرب في فلسطين، أمر معيب ومخزٍ، ويجعلها شريكة في التستر على الانتهاكات”.

 

حرب على الحقيقة.. وحصار رقمي متصاعد


ويرى محللون أن ما يجري يتجاوز مجرد “حذف مقاطع فيديو”، فهو جزء من حرب رقمية متكاملة ضد السردية الفلسطينية، تهدف إلى احتكار الرواية الإعلامية، والتأثير على الرأي العام العالمي الذي بدأ يتفاعل مع صور المآسي اليومية في غزة.

 

ويؤكد خبراء في حرية الإعلام أن منصات كبرى مثل “يوتيوب” و“فيسبوك” و“إنستجرام” تخضع منذ بدء الحرب لضغوط من اللوبيات المؤيدة لإسرائيل داخل الولايات المتحدة، ما أدى إلى تقييد المحتوى الفلسطيني، وإغلاق مئات الحسابات والمنصات المستقلة التي وثّقت جرائم الاحتلال بالصوت والصورة.

 

الإبادة المستمرة في غزة

 

يأتي هذا التطور في ظل استمرار الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، والتي خلّفت – وفق تقديرات حقوقية دولية ومحلية – أكثر من 68 ألف شهيد وأكثر من 170 ألف جريح، إضافة إلى 10 آلاف مفقود، معظمهم من النساء والأطفال، فضلاً عن دمار هائل طال البنية التحتية والمستشفيات والمدارس والمساكن.

 

وتصف منظمات الأمم المتحدة الوضع الإنساني في القطاع بأنه “الأسوأ في التاريخ الحديث”، مع انهيار شبه كامل للنظام الصحي وتفشي المجاعة في مناطق عدة، وسط استمرار القصف الإسرائيلي وتجاهل أوامر محكمة العدل الدولية بوقف العدوان.