أعلنت وسائل الإعلام الأمريكية فوز المرشح الديمقراطي زهران ممداني بمنصب عمدة مدينة نيويورك، ليصبح بذلك أول مسلم يتولى قيادة أكبر مدينة في الولايات المتحدة، وهي خطوة تعكس تحولات سياسية وثقافية عميقة في قلب أمريكا.

 

أظهر استطلاع آراء الناخبين عقب إغلاق صناديق الاقتراع تفوق ممداني (34 عامًا) على منافسيه الجمهوري كورتيس سْليوا والمستقل أندرو كومو، الحاكم السابق لولاية نيويورك. وسيتولى ممداني منصبه رسميًا في الأول من يناير المقبل، إيذانًا ببداية عهد جديد في المدينة التي تُعد أكثر مدن العالم تنوعًا ثقافيًا وعرقيًا.

 

وقال ممداني في خطاب الفوز: "أنا مسلم واشتراكي ديمقراطي، ولن أعتذر عن ذلك." وأضاف: "لقد منحتُمونا تفويضًا للتغيير ونوعًا جديدًا من السياسة، مدينة تُدار على أيدي المهاجرين، لا ضدهم".

 

 

وأكد ممداني أن فوزه يمثل قطيعة مع سياسات الكراهية التي طالما استهدفت المسلمين والمهاجرين، مشيرًا إلى أنه سيطلق "عصر التغيير" في نيويورك. وقال في لهجة متحدية: "إلى الرئيس ترامب الذي يشاهدني الآن، ارفع مستوى الصوت… نيويورك لن تكون ساحة للكراهية بعد اليوم".

 

ردود فعل دولية حادة: إسرائيل تهاجم وممداني يلتزم الصمت


لم يمر فوز ممداني دون جدل. فقد هاجمت حكومة الاحتلال الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو العمدة المنتخب، واعتبرت فوزه "نقطة تحول خطيرة في تاريخ نيويورك"، بينما دعا وزير الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكلي يهود المدينة إلى "الهجرة إلى إسرائيل" زاعماً أن المدينة باتت "تحت حكم مؤيد لحماس".

 

وردّ وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير بعبارات أكثر حدة قائلاً إن انتخاب ممداني "سيُذكر كيف انتصرت معاداة السامية على المنطق السليم"، بينما وصفه المندوب الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون بأنه "محرّض ضد إسرائيل".

 

في المقابل، رأت شخصيات عربية وفلسطينية أن فوز ممداني يمثل مصدر أمل ودعمًا للقضية الفلسطينية، خاصة بعد مواقفه المعلنة المؤيدة لحقوق الفلسطينيين ورفضه لجرائم الاحتلال في غزة.

 

ممداني.. السياسي الذي بنى حملته على العدالة والمساواة


استلهم زهران ممداني جذوره من بيئة أكاديمية تقدمية؛ فوالده محمود ممداني أستاذ الدراسات الأفريقية بجامعة كولومبيا، ووالدته المخرجة الهندية الشهيرة ميرا ناير. وقد وُلد في أوغندا لعائلة هندية الأصل، قبل أن ينتقل إلى الولايات المتحدة حيث تلقى تعليمه في كلية “بودوين” وبرز ناشطًا سياسيًا في الدفاع عن فلسطين وحقوق الأقليات.

 

منذ بداياته، ركّز ممداني على القضايا الاجتماعية والاقتصادية. وتضمن برنامجه الانتخابي وعودًا جريئة تشمل تجميد الإيجارات، ومجانية النقل العام، وإنشاء متاجر بقالة مملوكة للمدينة لتقليل تكاليف المعيشة، إضافة إلى رعاية مجانية للأطفال، وبناء 200 ألف وحدة سكنية ميسّرة.

 

ووعد ممداني بإطلاق ما سماه "ثورة خدمية شاملة" لتحويل نيويورك إلى مدينة أكثر عدالة واستدامة، رغم معارضة المحافظين ورجال الأعمال الذين حذّروا من “انحراف اشتراكي خطير”.

 

البيت الأبيض يراقب.. وترامب يهاجم


أثار فوز ممداني قلقًا داخل الحزب الجمهوري، خاصة بعد أن خسر مرشحوه في عدة ولايات. وعلّق الرئيس دونالد ترامب على نتائج الانتخابات قائلاً: "السببان الرئيسيان لخسارة الجمهوريين هما غلق الحكومة… وغيابي عن ورقة الاقتراع".

 

وأكدت شبكة CNN أن الانتخابات مثلت انتكاسة جديدة لترامب، إذ حصد الديمقراطيون انتصارات متتالية من فرجينيا إلى نيوجيرسي، بينما كان فوز ممداني في نيويورك بمثابة تتويج لصعود الجناح التقدمي داخل الحزب الديمقراطي.

 

من النشاط الطلابي إلى منصب العمدة


قبل دخوله السياسة، كان ممداني ناشطًا جامعيًا أسس فرعًا لمنظمة طلاب من أجل العدالة في فلسطين، وقاد حملات لمقاطعة إسرائيل أكاديميًا. لاحقًا، انضم إلى حركة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا، قبل أن يُنتخب عضوًا في جمعية ولاية نيويورك عام 2020، ليصبح من أبرز الأصوات المطالبة بإصلاحات في الإسكان والعدالة الاقتصادية.

 

وفي عام 2025، خاض ممداني سباق العمدة متسلحًا بدعم الحركات العمالية والتقدمية، وبدعم مباشر من شخصيات يسارية مثل بيرني ساندرز وألكساندريا أوكاسيو كورتيز، ليحقق فوزًا مدويًا قلب الموازين السياسية في المدينة.

 

القضية الفلسطينية في قلب خطابه السياسي


لم يتراجع ممداني عن مواقفه المؤيدة للفلسطينيين، إذ أعلن أنه سيلتزم بتنفيذ مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق بنيامين نتنياهو إذا زار نيويورك، كما قدم سابقًا مشروع قانون "ليس بأموالنا" لمنع تمويل عنف المستوطنين الإسرائيليين من أموال المؤسسات الخيرية الأمريكية.

 

وشارك في إضراب عن الطعام عام 2023 للمطالبة بوقف الحرب على غزة، رافضًا وصف دعم الفلسطينيين بـ"معاداة السامية"، مؤكدًا أن مناهضة الاحتلال شكل من أشكال الدفاع عن حقوق الإنسان.

 

حياة شخصية تعكس التنوع


يُعرف ممداني بتعدد ثقافاته وانفتاحه. فهو يتحدث عدة لغات منها العربية، الأردية، الهندية، البنغالية، والإسبانية، ومتزوج من الرسامة السورية الأمريكية راما دواجي، التي اشتهرت بفنها الملتزم والداعم للقضايا العربية والفلسطينية. وقد ألقى خطابه الانتخابي الأخير موجهاً للجالية العربية باللهجة السورية، في لفتة رمزية حظيت بإعجاب واسع.