يشرح الدكتور ر. ك. سوري، الأخصائي النفسي الإكلينيكي، ومعه الأخصائية النفسية سانجيتا بال، كيف تحوّل عصر التكنولوجيا التفاعلية إلى ساحة لاختطاف عقول البشر عبر الدوبامين، تلك المادة الكيميائية المسؤولة عن الشعور بالمكافأة والتحفيز. فبين كل نقرة وسحب للشاشة، تُستدرج عقول المستخدمين إلى دورة من الإثارة المؤقتة والفراغ العاطفي العميق.

يشير المقال المنشور على موقع ميركوري نيوز إلى أن الدوبامين، الذي يحفّز الإنسان طبيعيًا على الأكل أو التواصل الاجتماعي، صار وقودًا لتقنيات التفاعل الحديثة. فخوارزميات تطبيقات مثل “إنستاجرام” و”تيك توك” تعمل بطريقة المكافأة المتغيرة، أي تلك التي تُفاجئ المستخدم أحيانًا بمحتوى ممتع وأحيانًا لا، تمامًا كما تفعل آلات القمار. هذه العشوائية تخلق حالة ترقّب مستمرة في الدماغ، فيفرز المزيد من الدوبامين، مما يدفع المستخدم إلى التمرير بلا توقف.

ومع الوقت، يتحوّل الإدمان على المقاطع القصيرة إلى بوابة لأنماط سلوك أكثر خطورة، مثل المقامرة الإلكترونية. فالتجربة النفسية متشابهة في الحالتين: الحافز غير المتوقع، النتيجة المفاجئة، والشعور المؤقت بالنشوة يتبعها فراغ شديد. وكلما تكرّر ذلك، ازدادت حاجة الدماغ إلى محفزات أقوى لاستعادة نفس الإحساس بالمتعة، ما يفسّر انتقال البعض من مشاهدة المقاطع إلى المراهنة بالأموال.

تكشف الدراسات التي يستشهد بها الكاتبان أن المنصات الإلكترونية للمقامرة، مثل تطبيقات المراهنات الرياضية والكازينوهات الافتراضية، تُصمم عمدًا لخداع الدماغ. فهي تستخدم أصوات الانتصار، والرسوم المتحركة البراقة، وجدول المكافآت غير المنتظم نفسه الذي يُغذي الإدمان على المقاطع القصيرة. وتشير أبحاث في علم الأعصاب إلى أن المقامرة الرقمية تُحدث واحدة من أعلى موجات إفراز الدوبامين المسجلة في المختبرات، ما يجعلها من أخطر أشكال السلوك القهري.

يشرح المقال كيف يبدأ الأمر بدفعة صغيرة من المتعة، تتبعها حالة من التكيّف العصبي، فيتراجع تأثير الدوبامين ويحتاج الدماغ إلى محفز أقوى. هنا تتسع الفجوة بين “اللذة” و”التحكم”، ويصبح الفرد أسيرًا لنظام مكافآت زائف يصعب الفكاك منه. ومع استمرار هذا النمط، تتضرر مناطق في الدماغ مسؤولة عن اتخاذ القرار وضبط الاندفاعات، فيضعف التحكم الذاتي ويزداد السلوك الخطِر.

لكن الضرر لا يقف عند حدود الكيمياء العصبية؛ فالإدمان الرقمي يخلّف آثارًا نفسية واقتصادية واجتماعية قاسية. يعاني المدمنون من اضطرابات في المزاج، وشعور دائم بالذنب والعزلة، وديون متراكمة بسبب المقامرة، إضافة إلى تراجع القدرة على التركيز والذاكرة نتيجة التحفيز المفرط والمستمر. يشبّه الكاتبان هذه الحالة بـ”العذاب الصامت”، حيث يفقد الإنسان إدراكه التدريجي لعمق تورطه في السلوك الإدماني.

ورغم سوداوية المشهد، يرى الخبيران أن الأمل ما زال ممكنًا عبر العلاج النفسي الموجّه لاستعادة السيطرة على دوائر المكافأة في الدماغ. فالعلاج السلوكي المعرفي (CBT) يساعد المريض على مواجهة الأفكار المضللة مثل “سأفوز في المرة القادمة”، واستبدالها بأنماط تفكير أكثر واقعية. أما العلاج القائم على اليقظة الذهنية، فيعيد الوعي باللحظة الحالية ويقلل الاستجابة التلقائية للمحفزات الرقمية. كما يسهم العلاج التحفيزي (MI) في ربط السلوك الحالي بأهداف الفرد الطويلة المدى، مما يعزز رغبته في التغيير.

ويؤكد المقال على أهمية “إعادة ضبط الدوبامين” عبر تقليل التعرض للشاشات والأنشطة المثيرة، وتعويضها بممارسات بديلة كالمشي، والتأمل، والتفاعل الاجتماعي الواقعي. كما يشير إلى دور مجموعات الدعم والعلاج عبر الإنترنت في تقديم المساعدة بسرية، خصوصًا عبر منصات تربط الأفراد بأخصائيين مؤهلين للتعامل مع الإدمان السلوكي والمقامرة الرقمية.

من الناحية الوقائية، يوصي الكاتبان بزيادة الوعي في المدارس حول آلية عمل الخوارزميات، وتدريب الأسر على مراقبة المحتوى والوقت الذي يقضيه الأبناء على الأجهزة، إلى جانب دعوة الحكومات لتنظيم تطبيقات المقامرة ومنع الممارسات الخداعية التي تستهدف المراهقين.

يختتم المقال بتحذير فلسفي أكثر منه علميًا: حين تُستدرج متعة الإنسان من شاشته، لا يعود الفارق كبيرًا بين مقطع قصير يثير الضحك، ولفة عجلة حظ قد تسلب مدخراته. التكنولوجيا في ذاتها ليست شريرة، لكنها حين تُصمم لاستغلال كيمياء الدماغ، تصبح مرآةً مظلمة تُعيد تشكيل الرغبات البشرية في صورة رقمية لا تنتهي.

بهذا المعنى، يُصبح وعي الفرد بدوره في كسر الدورة هو النقطة الحاسمة. فالتعافي من الاختطاف الدوباميني لا يبدأ في العيادة، بل في لحظة الوعي الأولى بأن “اللذة السريعة” ليست سوى قيدٍ جديد في ثوبٍ لامع.

https://www.talktoangel.com/blog/dopamine-hijacking-from-reel-addiction-to-online-gambling