كتبت غادة كرمي في مقالها الذي نشره موقع العربي الجديد أن البنية الاستعمارية التي أنشأتها بريطانيا منذ إعلان بلفور قبل قرن ما زالت تتحكّم في هيمنة عنيفة تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين حتى اليوم. رأت أن المسؤولين البريطانيين عرفوا منذ البداية ميول الصهاينة، وكانوا على علم بمن يدخلون فلسطين، لكنهم أصرّوا على منحهم وطنًا قوميًّا فيها — قرار اعتبرته بداية مأساة دامت حتى اليوم.

 

بلفور: الجريمة المؤسسة

 

سعت بريطانيا عام 1917 لإرساء وعد لإقامة “وطن قومي لليهود” في فلسطين، على الرغم من أن فلسطين لم تكن ملكًا لها. سلّمتها إلى مهاجرين أوروبيين من اليهود الذين عانوا اضطهادًا تاريخيًا، فأعطتهم شعورًا بأن لهم حقًا حصريًا في الأرض. هذا الشعور المتجذر، مع تغاضي الداعمين الغربيين عن السؤال في أخلاقية هذا الحق، آمن لإسرائيل الإفلات من المساءلة منذ نشأتها.

 

لم يكن اعتراف بريطانيا مجرد عمل سياسي أو دبلوماسي — بل خطوة مبرمجة نحو استبعاد الفلسطينيين من كيانهم التاريخي، وتكريس فكرة أن الأرض ملك حصري لمن يُعطى حق “منزلة خاصة”. بهذه القاعدة نشأت دولة تستخدم الحق في “الدفاع عن النفس” لتبرير الإبادة والتهجير والفصل العرقي.

 

استعمار جديد بغطاء دولي

 

اليوم، يعيش قطاع غزة دمارًا هائلًا — بحسب تقديرات الأمم المتحدة يحتاج لإعادة بناء تستغرق عقودًا ومليارات الدولارات. دمرت الغارات الإسرائيلية المئات من المجمعات السكنية، المدارس، البنى التحتية. واليوم، اقتربت خطة دونالد ترامب، المعروفة بـ “خطة السلام 20 نقطة”، من أن تدخل حيّز التنفيذ عبر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2803 الذي يسعى إلى فرض “قوة استقرار دولية” في غزة، وإدارة مؤقتة للقطاع، وقوة شرطة محلية — كل ذلك في نظر غادة كرمي هو “بُعد جديد من إعادة استعمار غزة”.

 

إذا قبل العالم بأن يكون الممول والداعم الأبرز للحرب على غزة هو الآن مخلّصها، فإن هذا تحول عبثي ومخيف. الحرب لم تتوقف، ولم يتراجع القمع يومًا، بل استمر العنف رغم إعلان الهدنة، ما يجعل فكرة أن تكون قوة خارجية فوق القانون هي من تدير إعادة الإعمار والمصير الفلسطيني فكرة مرفوضة.

 

تاريخ من التواطؤ البريطاني

 

منذ عقد العشرينات، ناقش في مجلس اللوردات البريطاني قلق عرب فلسطين من المشروع الصهيوني، ووصف بعضهم استعداد الصهاينة بأنهم “مستعمرون أوروبيون” يتصرفون بازدراء تجاه السكان الأصليين. عدد من مسؤولي الانتداب استقال أو نُقِد عمله بسبب معارضته تصاعد العنصرية العنصرية والصهيونية.

 

عام 1929، حذّر المفوض البريطاني الأسبق في فلسطين من “غطرسة” اليهود إذا أصبحوا أغلبية، لكن دعم لندن للمشروع استمر بلا تردد، حتى إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948. عبر الدعم البريطاني، تحقق “الوطن القومي اليهودي”، على أنقاض مجتمع فلسطيني مترابط، وجهود مقاومة سلمية.

 

النتيجة: شعبٌ سلبت منه أرضه، وهوية جردت من تاريخها، وحقوق تم التضُحّية بها عبر عقود من التواطؤ، فتحولت فلسطين إلى ديار مؤقتة لصالح المنظّرين والمستوطنين.


تختم غادة كرمي بأن مسؤولية مأساة فلسطين تنزل أولًا على القوى الغربية — وعلى رأسها بريطانيا — التي غرّست في أرض العرب بذور الاستعمار الحديث. دعم المشروع الصهيوني رغم وعيهم بمخاطره ولّـد كيانًا عنصريًا، ارتكبت عبره مذابح وإبادات، وفرضت على الشرق الأوسط صراعات امتدت لأجيال. الكارثة اليوم ليست فقط في القنابل والدمار، بل في الإصرار على استمرار نظام يسمح بإفلات إسرائيل من العقاب، تحت شعارات “الأمن” و"السلام" و"الديمقراطية"، دون احترام لحقوق شعب محتل ومشرد.

 

https://www.newarab.com/opinion/how-britain-entrenched-zionist-impunity-palestine?amp