عبد الحافظ الصاوي

خبير اقتصادي مصري

 

أعلنت السلطات الصينية منح مزايا تفضيلية للصادرات المصرية، وعلى هامش منتدى الاستثمار المصري الصيني، الذي عقد في القاهرة قبل أيام، أعلن لياو ليشيانغ، السفير الصيني لدى مصر، أن بلاده أعفت الصادرات السلعية المصرية من الرسوم الجمركية عند دخولها الصين. ولا تمثل هذه الخطوة ميزة للصادرات المصرية فقط، بل تأتي في إطار قرار صيني بإعفاء صادرات مجموعة من الدول الأفريقية من الرسوم الجمركية، وذلك ضمن مبادرة "الحزام والطريق".

 

يعد القرار تطورًا إيجابيًا لصالح الصادرات المصرية، إذ يفتح الباب واسعًا أمام اقتناص حصة مهمة في واحد من أكبر الأسواق العالمية. فبنظرة إلى أحدث الأرقام نجد أن الصين تعد صاحبة أكبر حصة من التجارة الدولية، إذ بلغت قيمة تجارتها السلعية الخارجية 6.16 تريليونات دولار في عام 2024، وفق أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي. أما قيمة التبادل التجاري بين الصين ومصر فبلغت 14.3 مليار دولار في عام 2023، و16.1 مليار دولار في عام 2024، حسب أرقام الجهاز المركزي للإحصاء في مصر. كما بلغت الصادرات السلعية المصرية إلى الصين في عامي 2023 و2024 على التوالي 1.08 مليار دولار، و398 مليون دولار، في حين بلغت واردات مصر السلعية من الصين خلال العامين 13.2 مليار دولار، و15.7 مليار دولار.

 

ولا يحتاج الأمر إلى كثير شرح لإبراز الفجوة الكبيرة في العلاقات وأنشطة التبادل التجاري بين القاهرة وبكين، والتي تميل بوضوح لصالح الصين. ووفق نشرة الجهاز المصري للإحصاء، تتمثل النسبة الأكبر من الصادرات السلعية المصرية في الوقود والزيوت المعدنية، وبعض السلع الغذائية، وبخاصة الفواكه والتمور، بينما تتركز الواردات السلعية المصرية من الصين في الآلات والأجهزة الكهربائية والمراجل. ويذكر التقرير السنوي للبنك المركزي المصري لعام 2023/ 2024 أن الصين تأتي ضمن أهم الشركاء التجاريين لمصر؛ ففي العام نفسه استحوذت على نسبة تقترب من 7% من إجمالي التجارة الخارجية لمصر، البالغة 104.6 مليارات دولار.

 

ميزة إضافية

 

الخطوة التي أعلنت عنها الصين بإعفاء السلع المصرية الداخلة إلى السوق الصيني، تعد إضافة إلى ما هو قائم من مزايا تتيحها عدة اتفاقيات إقليمية تتمتع فيها الصادرات السلعية المصرية بإعفاءات جمركية كلية أو جزئية. فهناك اتفاقية الكوميسا مع مجموعة من الدول الأفريقية، وكذلك اتفاقية التجارة الحرة العربية الكبرى، وأيضًا اتفاقية الشراكة الأورومتوسطية، وتضاف إلى ذلك اتفاقية الكويز، التي تسمح للصادرات النسيجية المصرية بالإعفاء من الجمارك والرسوم في حال دخولها الأسواق الأميركية شرط وجود مكون من الكيان الصهيوني في المنتجات المصرية بنسبة لا تقل عن 12%.

 

وبلا شك تعد الخطوة الصينية الأخيرة فرصة مهمة للصادرات السلعية المصرية، نظرًا لطبيعة السوق الصيني الكبير، وتنوع السلع المطلوبة فيه، فعدد سكان الصين يبلغ نحو 1.4 مليار نسمة. ويبقى السؤال حول مدى استفادة الصادرات السلعية المصرية من هذه الفرصة؛ فعلى الرغم من الفرص السابقة التي أتاحتها الاتفاقيات الإقليمية والدولية المتعددة، لا تزال الصادرات السلعية المصرية محدودة الأثر.

 

فبيانات ميزان المدفوعات المصري لعام 2024/ 2025 تشير إلى وجود عجز في التجارة الخارجية لمصر بقيمة 51 مليار دولار؛ إذ بلغت الصادرات السلعية المصرية 40.2 مليار دولار، بينما بلغت الواردات 91.2 مليار دولار. ويعد العجز التجاري لمصر من المشكلات الاقتصادية المزمنة منذ عقود، وهو يؤثر سلبًا في أسواق الصرف ويضغط على العملة المحلية، ولم تُحدِث الاتفاقيات الإقليمية أو الدولية تغييرًا ملموسًا في واقع هذا العجز.

 

تحد أكبر

 

الرقم الحاسم في معادلة التجارة الخارجية المصرية، وبخاصة في مجال الصادرات السلعية، هو الجهاز الإنتاجي والقاعدة الإنتاجية. فقد أتيحت أكثر من فرصة لزيادة الصادرات الخارجية، ولم يتحسن الوضع بالصورة التي تعكس حجم الفرص المتاحة. فعلى سبيل المثال، انخفض سعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية أكثر من مرة منذ عام 2016، ومع ذلك لم يدفع هذا التطور الجهاز الإنتاجي إلى استغلال الميزة السعرية لزيادة الصادرات، كما حدث في دول عدة، مثل دول جنوب شرقي آسيا أو تركيا، وذلك بسبب اعتماد الصادرات المصرية بدرجة كبيرة على استيراد العدد والآلات وكذلك مستلزمات الإنتاج، ما يفقدها جانبًا مهمًا من الميزة التنافسية في الأسواق الدولية بسبب ارتفاع كلفتها مقارنة بالسلع المنافسة من الدول الأخرى. تضاف إلى ذلك العوامل المتعددة التي أدت إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج في مصر، مثل رفع الدعم عن الطاقة، والكثير من الخدمات العامة التي تعتمد عليها القطاعات التصديرية في الدولة.

 

وإذا تحدثنا عن التحديات التي تواجه الصادرات السلعية المصرية إلى الصين خلال الفترة القادمة، بعد رفع الرسوم الجمركية الصينية عنها، فإننا نلحظ عدة أمور؛ منها أن الواردات السلعية في الصين تبلغ 2.58 تريليون دولار من جميع أنحاء العالم، وفق أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي لعام 2024، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام الاقتصاد المصري لإعداد خطة استراتيجية لإعادة النظر في هيكل الصادرات المصرية، بما يؤهلها لدخول السوق الصيني بقوة، واقتناص فرصة التوسع والوجود بمساحات أكبر بكثير مما تعكسه أرقام صادرات مصر إلى الصين في عامي 2023 و2024.

 

ومن المعلوم أن الصين تعتمد في وارداتها بشكل كبير على استيراد المواد الخام، فهي دولة إنتاجية بامتياز، وقد تكون فرصة النجاح للصادرات السلعية المصرية، في الأجل القصير، هي التركيز على تصدير المواد الخام والوسيطة ورفع كمياتها، والعمل على مضاعفة التصدير لصالح ثاني أضخم اقتصاد في العالم. أما في الأجلين المتوسط والطويل، فعلى مصر أن تمتلك استراتيجية واضحة لتصدير سلع ذات قيمة مضافة عالية إلى الصين، لتصحيح الخلل الكبير في التبادل التجاري القائم حاليًا بين البلدين؛ إذ يبلغ الفائض التجاري للصين مع مصر في عام 2024 ما يزيد على 15 مليار دولار تقريبًا.

 

أما إذا استمرت خريطة الصادرات السلعية المصرية إلى الصين مركزة على المنتجات النفطية والتعدينية وبعض المنتجات الغذائية، فلن تكون للإعفاء الصيني للصادرات المصرية قيمة كبيرة أو إضافة حقيقية. بل إن هذه الميزة الصينية تضيف أعباء جديدة على المصدرين والمؤسسات المعنية بالتصدير، إذ تفرض عليهم بذل جهد أكبر في دراسة السوق الصيني، وكيفية تعظيم الاستفادة من هذه الفرصة حتى يصبح السوق الصيني خلال السنوات العشر المقبلة من أهم وجهات الصادرات المصرية، وربما الوجهة الأولى.

 

لماذا أقدمت الصين على هذه الخطوة؟

 

سواء تعلق الأمر بحالة مصر، أو بباقي الدول الأفريقية التي من المقرر أن تستفيد من ميزة الإعفاء من الرسوم الجمركية، فإن تجارة الصين تتركز بوضوح مع الدول الكبرى، ولا تمثل الدول الأفريقية التي منحت هذه الميزة سوى نسبة ضئيلة من قيمة التجارة الخارجية للصين، التي تتجاوز ستة تريليونات دولار. كما أن الصين تدرك جيدًا أن الميزان التجاري مع أغلب الدول الأفريقية سيستمر لصالحها، بحكم ما تحققه من تقدم تكنولوجي مستمر يكسب منتجاتها مزايا تنافسية أكبر، وبالتالي فإن الصين، في نهاية المعادلة، تبقى الفائز الأكبر في هذا السباق، كما هو الحال في موقعها على مسرح التجارة الدولية.

 

ولا يخفى على المتابعين لساحة الاقتصاد العالمي أن الصين تستهدف انتزاع صدارة النظام الاقتصادي العالمي من الولايات المتحدة؛ وتدور العديد من المعارك المعلنة والخفية بين الطرفين في هذا المجال، ومنها معركة الرسوم الجمركية الحالية. ومن هذا المنطلق تسعى الصين إلى كسب أكبر عدد ممكن من الدول النامية والصاعدة، لتكون مساندة لها في هذا الصراع، وكذلك لتقديم نفسها قوة تدعم الدول النامية وتساعدها. في الختام، ليست العبرة بإتاحة فرصة هنا أو هناك، ما لم تمتلك مصر استراتيجية واضحة لتعظيم هذه الفرص وتوجيه مقدراتها الاقتصادية للاستفادة منها وتغيير وجه اقتصادها، الذي يتسم بالتبعية والاعتماد على الخارج منذ عقود.