شهدت مناطق متفرقة من الضفة الغربية، سلسلة من الاعتداءات الوحشية التي استهدفت المزارعين الفلسطينيين خلال موسم قطف الزيتون، وهو الموسم الذي يُمثّل رمزًا للثبات والارتباط بالأرض لدى الفلسطينيين، في تصعيدٍ جديدٍ يعكسُ الوجهَ الأكثر قسوةً للاحتلال الإسرائيلي.

 

من شمال الضفة إلى جنوبها، امتدت أيدي المستوطنين ومعهم قوات جيش الاحتلال لتقتلع وتُحرق وتُهاجم وتُرهب الأهالي، في مشهدٍ بات يتكرر سنويًا مع بدء موسم الزيتون، لتتحوّل أيام الحصاد إلى كوابيس من الرعب والدمار.

 

150 شجرة زيتون ضحية جديدة في الأغوار الشمالية

في قرية بردله بالأغوار الشمالية، استيقظ المزارع سلطان راشد مبسلط على كارثة جديدة حين اكتشف أن أكثر من 150 شجرة زيتون من أشجاره في منطقة سهل قاعون قد تم قطعها بالكامل على يد مجموعات من المستوطنين.

 

يقول محمد مبسلط، أحد أفراد العائلة، إن “الاعتداء دمّر مصدر رزقنا الوحيد، فهذه الأشجار المعمرة تمثل حياتنا وذاكرتنا”. ويؤكد أن الهجوم لم يكن عملاً عشوائيًا بل يأتي ضمن سلسلة ممنهجة تستهدف المزارعين في موسم القطاف لإجبارهم على ترك أراضيهم.

 

من جانبها، أدانت منظمة “البيدر” الحقوقية الجريمة، معتبرةً أن هذه الأفعال “تدمّر مصادر الدخل وتقوّض الأمن الغذائي”، محذّرة من أن “الصمت على هذه الجرائم يُشجّع المستوطنين على مواصلة الاعتداءات دون رادع”.

 

وأشارت المنظمة إلى أن الاعتداءات على الأراضي الزراعية الفلسطينية تمثّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، داعية إلى تحركٍ دولي عاجل لحماية المزارعين وتأمين صمودهم أمام محاولات التهجير القسري.

 

 

مسنة فلسطينية تروي لحظات الرعب: "ضربوني على رأسي حتى فقدت الوعي"


وفي بلدة ترمسعيا شمال شرق رام الله، شهدت الأراضي الفلسطينية حادثة أخرى مؤلمة حين تعرّضت المسنة عفاف أبو عليا لاعتداء وحشي من قبل مجموعة من المستوطنين أثناء قطف الزيتون، في هجومٍ استهدف مزارعين ومتضامنين أجانب كانوا يشاركون في موسم الحصاد.

 

روت عفاف تفاصيل الاعتداء عبر الجزيرة مباشر قائلةً: “مرقت سيارة فيها مستوطنين، نزلوا وضربونا بقنبلة غاز. دُخت وما دريت عن حالي، وبعدها بلشوا يضربوا فيني... رأسي كان كله دم.”

 

ابنها شاكر أبو عليا قال إن والدته تعرّضت لنزيف في الدماغ وكسور متفرقة في جسدها، مضيفًا “ضربوها على رأسها بعنف مفرط.. كانت في العناية المركزة ليوم كامل”.

 

الصحفي الأمريكي جاسبر نثانيال، الذي كان شاهدًا على الواقعة، أكد أن “المستوطن ضرب المرأة بعصا على رأسها فسقطت فاقدة الوعي، ثم واصل ضربها وهي على الأرض”، مشيرًا إلى أن الاعتداء كان منظمًا بمشاركة عشرات المستوطنين الذين رشقوا الحجارة في كل اتجاه.
 

 

عشرات الإصابات في نابلس.. وحرق للمركبات


وفي جبل قماص التابع لبلدة بيتا جنوبي نابلس، شنّ عشرات المستوطنين، بحماية جنود الاحتلال، هجومًا واسعًا على المزارعين الفلسطينيين الذين كانوا يقطفون الزيتون في أراضيهم.

 

وأسفر الاعتداء عن إحراق أكثر من 10 مركبات وإصابة أكثر من 30 فلسطينيًا بالرصاص والغاز السام، وفقًا لإحصاءات الهلال الأحمر الفلسطيني.

 

المزارع جمال بني شمسة قال: “ذهبنا صباحًا لقطف الزيتون، فاقتحموا المكان وهاجمونا بالضرب والحجارة. أحرقوا سياراتنا، وحاولوا طردنا من أرضنا التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا”.

 

أما المزارع الشاب أسامة بني شمسة فأكد أن الهجوم كان “مخططًا ومنظمًا”، موضحًا أن “المستوطنين جاءوا مع جنود الاحتلال وكأنهم في عملية عسكرية، استخدموا العصي والحجارة والرصاص لترويع المزارعين”.

 

المزارع خالد حمايل وصف ما جرى بأنه “هجوم ممنهج بين جيش الاحتلال والمستوطنين”، مؤكداً أن “الهدف هو تدمير الموسم الزراعي ودفع المزارعين إلى ترك أراضيهم”.

 

الصحفيون في مرمى الاستهداف


لم يسلم الإعلاميون من عنف الاحتلال والمستوطنين. الصحفي يزن حمايل تحدث عن الاعتداء الذي طالهم أثناء تغطيتهم للأحداث، قائلاً: “كنا نرتدي دروع الصحافة بوضوح، ومع ذلك أطلقوا علينا الغاز، وحرقوا سيارة الزميل جعفر اشتية، وأصيبت الصحفية سجى العلمي بالاختناق، كما أصيب وهاج بني مفلح بقنبلة غاز في ساقه.”

 

وأضاف أنه تعرّض لملاحقة من قبل أحد المستوطنين الذي حاول الاعتداء عليه بأنبوب حديدي، مما اضطره للقفز من مرتفع لتفادي الهجوم وأُصيب بكسور ورضوض.

 

إحصاءات تكشف حجم العنف المتصاعد


بحسب تقرير هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، فإن قوات الاحتلال والمستوطنين نفذوا 2215 اعتداء خلال شهر سبتمبر الماضي وحده، من بينها 1725 اعتداء نفذها جيش الاحتلال و490 اعتداء نفذها المستوطنون.

 

وتنوعت الاعتداءات بين هجمات مسلحة على القرى الفلسطينية، واقتلاع أشجار وتجريف أراضٍ، إضافة إلى عمليات إعدام ميدانية واستيلاء على ممتلكات وإغلاق طرق رئيسية تربط بين المدن والقرى الفلسطينية.

 

دعوات عاجلة للحماية والمساءلة


دعت وكالة الأونروا والمنظمات الحقوقية الفلسطينية والدولية إلى توفير الحماية الكاملة للمزارعين الفلسطينيين خلال موسم الزيتون، وإلى محاسبة المسؤولين عن تلك الجرائم التي تتكرر سنويًا دون أي مساءلة.

 

وشدّدت المؤسسات الحقوقية على أن استمرار هذه الاعتداءات يعكس سياسة إسرائيلية ممنهجة تستهدف تفريغ الأرض من سكانها الأصليين، عبر تدمير الاقتصاد الزراعي، وممارسة الإرهاب المنظم تحت حماية جيش الاحتلال.