يثير فيلم الملحد للإعلامي إبراهيم عيسى جدلاً واسعاً في الأوساط المصرية، ليس فقط لما يحتويه من أفكار تمس العقيدة الإسلامية، بل لما كشفه من تساهل حكومي مقلق في ضبط المحتوى الفني الذي يمس ثوابت الدين والمجتمع.


تقرير مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف جاء صارخاً وواضحاً: الفيلم يمثل "خطراً شديداً على الأمن القومي والعقول الشابة"، و"يشجع على الإلحاد ويدعو للاعتراف بالملحدين كمواطنين"، ما يشكل تهديداً مباشراً لقيم المجتمع المصري وهويته الإسلامية. ومع ذلك، تظل الحكومة تتعامل مع الأمر ببطء وتراخٍ يثير الريبة.


الأزهر يحذر.. والحكومة تتجاهل

 

حين يُصدر الأزهر الشريف، وهو المؤسسة الدينية الأعرق في العالم الإسلامي، تقريراً رسمياً يصف عملاً فنياً بأنه خطر على الأمن القومي والعقيدة، فإن التعامل الطبيعي يجب أن يكون بالردع الفوري والمنع الحاسم. لكن الواقع يكشف عن تراخٍ واضح من جانب الحكومة المصرية، التي لم تُبدِ الجدية الكافية في حماية المجتمع من هذا النوع من الأعمال الهدامة.

 

بدلاً من اتخاذ موقف واضح، تركت الجهات الرسمية الباب مفتوحاً أمام الجدل، وكأن حرية الإلحاد أصبحت موازية لحرية الإيمان، وهو ما يهدد بتآكل المرجعية الدينية للدولة، ويفتح الباب أمام موجة من الانحلال الفكري الذي يتستر بعباءة “الفن”.

 

تطبيع الإلحاد تحت مظلة “حرية الإبداع”

 

أخطر ما في موقف الحكومة أنها تتعامل مع الإلحاد كوجهة نظر فكرية لا كقضية تمس الأمن الفكري للمجتمع. السماح بعرض أعمال تهاجم الدين أو تسخر من العقيدة الإسلامية تحت شعار “حرية التعبير” يمثل خلطاً متعمداً بين الحرية والفوضى.

 

إن الفن في مصر لم يكن يوماً أداة لتدمير القيم، بل كان وسيلة لتثبيت الهوية الوطنية والدينية، أما اليوم فقد تحوّل إلى منصة لبث الشكوك في عقول الشباب، دون أي ضوابط أو رقابة مسؤولة من الحكومة.

 

تقرير مجمع البحوث الإسلامية لم يأتِ من فراغ، بل استند إلى دراسات تحليلية أظهرت أن الفيلم يتعامل مع الإلحاد بوصفه خياراً مشروعاً، ويقدّم الشخصيات “الملحدة” بصورة متعاطفة، في الوقت الذي يُظهِر فيه الملتزمين بالدين بصورة نمطية سلبية. وهذا لا يمكن وصفه إلا بمحاولة تطبيع الإلحاد وتشويه التدين.

 

حرية التعبير لا تعني هدم الثوابت

 

إن الدفاع الحكومي المتكرر عن حرية الإبداع لا يمكن أن يكون غطاءً لتجاوز العقيدة والاستهزاء بالقيم الدينية. فالمجتمعات المتقدمة نفسها تضع حدوداً أخلاقية وقانونية لما يُقدَّم باسم الفن.


الدولة المصرية التي تدّعي الحفاظ على “الأمن القومي” مطالَبة بأن تدرك أن الأمن الفكري جزء لا يتجزأ من أمن الوطن. السماح لأعمال كهذه بالبث والنقاش العلني دون محاسبة أو توضيح رسمي من وزارة الثقافة أو الرقابة على المصنفات هو تهاون يُقابله الشعب المصري برفض شديد واستياء واسع.


فإذا كان الأزهر قد حذر بوضوح من “الفتنة الفكرية” التي قد تنتج عن هذا الفيلم، فإن تجاهل تلك التحذيرات لا يمكن تفسيره إلا بوجود ازدواجية في الموقف الحكومي: دولة تدّعي احترام الدين في الخطاب الرسمي، لكنها تترك الإعلاميين والفنانين يعبثون بثوابته في الواقع.


إن موقف الحكومة من فيلم الملحد يمثل إخفاقاً في إدارة المعركة الفكرية داخل المجتمع المصري. بدلاً من مواجهة الانحراف الفكري بالوعي والتوعية، اختارت الدولة الصمت والتردد، مما سمح بانتشار رسائل تُضعف الانتماء الديني وتشكك في هوية الشباب.


على الحكومة أن تعي أن حرية الرأي لا تبرر الإساءة إلى الدين أو زعزعة إيمان الأجيال الجديدة. حماية العقيدة ليست ترفاً ولا رجعية، بل واجب وطني ودستوري.


لقد رفع الأزهر صوته محذراً، فهل تستجيب الحكومة قبل أن يتحوّل هذا التهاون إلى أزمة فكرية تهدد استقرار المجتمع ووحدته؟