أعلنت حكومة الانقلاب المصرية عن خطة لتخصيص وطرح حصص في أربع شركات مملوكة للدولة كجزء من برنامج تخصيص أوسع يهدف إلى تحصيل مبالغ تقارب 1.5 - 1.9 مليار دولار قبل نهاية السنة المالية.
الإعلان الرسمي جاء ضمن تقارير تقدمها وزارة المالية وصيغ المراجعات المتتابعة لسياسة الملكية الحكومية، وهو امتداد لبرنامج خصخصة أوسع مضافًا إليه ضغوط صندوق النقد الدولي وشروط برامج التمويل.
الهدف المعلن: سداد جزء من التزامات الدولة وخفض دين الخدمة وتقديم سيولة فورية للخزانة.
تفاصيل عملية التصفية
حكومة الانقلاب لم تذكر في كل البيانات أسماء الشركات بدقة في كل مرة، لكن قوائم البرامج الرسمية وتقارير الصحافة الاقتصادية تشير إلى أن الحزم تشمل شركات عاملة في محطات الوقود، تعبئة المياه، الأغذية والبنية التحتية، وبعضها مُدار أو مُرتبط بمؤسسات عسكرية أو بصندوق الثروة السيادي الذي أُنشئ في 2018 لتجميع أصول الدولة.
سابقًا أُعلن عن نوايا لطرح حصص في شركات مثل Wataniya Petroleum وSafi للمياه وSilo Foods وغيرها كخطوة ضمن نفس الإطار.
هذه الممارسات تأتي ضمن موجة طرح للخصخصة وطرح أسهم في البورصة بهدف جذب استثمارات أجنبية ومحلية.
النائب عبد المنعم إمام وانتقاده لطرح الشركات الحكومية بصورة غير مدروسة يبرز أهمية الإصلاح الحقيقي قبل بيع الشركات ليتم طرحها كفرص استثمارية مربحة.
كما حذرت نائبة برلمانية من التفريط في شركات تستطيع مصر من خلالها وقف نزيف الخسائر بحفظ الدولة لنسبة ملكية أكبر.
لماذا التفريط في شركات مصر؟
الحكومة تصرّ أن البيع ضروري لـ:
(1) توفير سيولة سريعة لسداد التزامات قصيرة الأجل.
(2) خفض الاعتماد على القروض المكلفة.
(3) تهيئة الاقتصاد أمام تدفقات استثمارية وتحسين تصنيف الدين السيادي.
صندوق النقد والدوائر المالية الدولية حثّت مصر على تقليل مشاركة الدولة في أنشطة تجارية وتعزيز دور القطاع الخاص كشرط لبرامج تمويلية أكبر.
كما ورد في تقارير رسمية أن البلاد تسعى لجمع ما بين 3 مليارات دولار من مبيعات الأصول خلال العام المالي، وأن حصصًا أولية قد تُدرّ 1–1.9 مليار دولار بحسب التوقيت والقوائم.
تبعات اقتصادية واجتماعية
حتى لو تحقّق هدف جمع 1.5–1.9 مليار دولار، فإن هذا المبلغ قد يكون غسلاً مؤقتًا لندوب مالية عميقة؛ الدين العام ومخاطر السعر والصرف والالتزامات الخارجية تتطلب حلولًا هيكلية طويلة المدى، لا بيع أصول استراتيجية مقابل تعديلات مؤقتة في السيولة.
كما أن طرح حصص في شركات مملوكة للدولة لا سيما تلك ذات علاقة بالشباب أو الخدمات الأساسية، قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الخدمات، إغلاق فروع، أو تسريح عمالة، ما يفاقم البطالة ويعمّق الاستياء الاجتماعي.
تقارير سابقة أشارت إلى أن برامج مماثلة جلبت أرقامًا أولية لكنها لم تترجم دائمًا إلى نمو شامل أو تحسّن ملموس في مستوى المعيشة.
لماذا يصر قائد الانقلاب العسكري على رهان مصر وبيع الأصول؟
يمكن تفسير إصرار السيسي على بيع الأصول كجزء من استراتيجية مزدوجة، أولًا لاحتواء أزمة السيولة وتهدئة شركاء التمويل الدوليين (صندوق النقد، بنوك خارجية)، وثانيًا لإعادة هيكلة القطاعات بعيدًا عن رقابة المجتمع المدني والرقابة البرلمانية بالاعتماد على صفقات ومؤسسات حكومية وخاصة مقربة.
وتضيف انتقادات أن بعض المبيعات أو تحويلات الأصول لصندوق الثروة أو كيانات تمتلك روابط بالمؤسسة العسكرية تُجرى بشفافية محدودة، ما يثير مخاوف من تفريط ليس فقط في أصول مادية بل في مصالح عامة.
هذه الطريقة تسمح للنظام بالاحتفاظ بضبط سيطرته السياسية والاقتصادية بينما يُحوّل الخسائر الاقتصادية إلى عبء المجتمع. تقارير ومحللون أكّدوا أن بعض الأصول التي طُرحت سابقًا كانت ممتلكات استراتيجية أو ذات عائد طويل الأجل.
تصعيد الضغط الدولي والمحلي
مسؤولون حكوميون مثل وزراء التخطيط والمالية أشاروا إلى الحاجة للخصخصة كشرط لاستمرار برامج التمويل ورفع كفاءة الشركات، في المقابل حذّر اقتصاديون ونقابات من أن البيع السريع دون ضوابط شفافية سيؤدي إلى خسارة عامة.
جهات دولية مثل صندوق النقد طالبت بتقليل تدخل الدولة في قطاع الأعمال، بينما دبلوماسيون غربيون ربطوا تسهيلات تمويلية بالتزام مصر بخطط اقتصادية تشمل تحويل حصص إلى القطاع الخاص.
هذه الخطوط تجعل القرار ليس مجرد خيار تقني بل معركة بين ضغوط الخارج والحساسيات الداخلية.
هل ينجح الانقلاب الاقتصادي؟ وهل الانقلاب السياسي «ينجح» أيضًا؟
بيع أربع شركات قد ينجح مؤقتًا في تغطية جزء من عجوزات الخزانة، لكنّه حلّ سطحي إن لم يرافقه إصلاح حقيقي في السياسة المالية، مكافحة الفساد، وحماية الرفاه الاجتماعي.
مواصلة سياسات التفريط تحت شعار الإنقاذ الاقتصادي، بينما تستمر القيادات السياسية في فرض موازينها، يعني ضريبة اجتماعية وسياسية على الفئات الأضعف.
وعلى المستوى السياسي، الرهان على تخفيض الضغوط عبر بيع الأصول لا يعالج أزمة الشرعية والاحتقان؛ ولذلك يُكرر أن الانقلاب لن ينجح في تثبيت نظام عبر أدوات اقتصادية إذا استمر في قمع المعارضين وتهميش قطاعات واسعة من المواطنين.