وثّقت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان واقعة مروّعة جرت في محافظة الدقهلية عصر يوم الثاني من سبتمبر 2025، حين أطلقت قوات الأمن الرصاص الحي على ثلاثة شباب جامعيين أثناء استقلالهم مركبة "توك توك" في منطقة حوض الغندور بعزبة صقر – مركز منية النصر، ما أسفر عن مقتلهم جميعًا في الحال.

الحادثة التي وقعت في وضح النهار، وأمام أعين الأهالي، أعادت إلى الواجهة ملف التصفية الجسدية الممنهجة التي تُنفّذها أجهزة الأمن ضد مواطنين عزّل، وسط صمتٍ رسمي مريب وتجاهل تام من النيابة العامة، التي لم تبادر إلى فتح تحقيق جاد أو إعلان نتائج واضحة حول الواقعة.

 

رواية الداخلية... ومغالطات مفضوحة

وفقًا لمحضر الشرطة الصادر عن مركز شرطة منية النصر، زعمت وزارة الداخلية أن القتلى “عناصر إجرامية شديدة الخطورة” يعملون في تجارة المخدرات، وأنهم “بادروا بإطلاق النار على القوات”، لترد الأخيرة وتقتلهم في اشتباكٍ مسلح.

غير أن تحقيقات الشبكة المصرية وشهادات الشهود والمستندات الرسمية التي حصلت عليها، تنسف هذه الرواية بالكامل.

فقد ثبت أن الشباب الثلاثة لا يملكون أي سجل جنائي، وأن النيابة لم تصدر بحقهم أي أوامر ضبط أو ملاحقة. بل تؤكد شهادات "الفيش والتشبيه" الحديثة، الصادرة قبل أقل من شهر من مقتلهم، خلوّ سجلاتهم تمامًا من أي سوابق جنائية أو أحكام قضائية.

 

ضحايا بلا تهمة... وأسماء محفورة في الذاكرة

أحمد الشربيني المغاوري الشربيني (22 عامًا) خريج كلية الآداب، جامعة الدلتا للعلوم والتكنولوجيا – دفعة 2024/2025.

مروان وائل البيلي (21 عامًا) موظف في محطة “دقهله 1” التابعة لشركة مياه الشرب والصرف الصحي بدمياط، ومشهود له بحسن السلوك بين زملائه وأهالي قريته.

عمر حاتم المندرة (21 عامًا) طالب بالفرقة الثالثة بقسم الهندسة الإلكترونية في المعهد العالي للتكنولوجيا بالمنزلة، نعى معهدُه وفاته بكلمات مؤثرة:
“فقدنا شابًا خلوقًا ومجتهدًا بين زملائه وأساتذته”.

 

شهود العيان يروون: “اتضربوا غدر”

بحسب شهادات الأهالي الذين حضروا الواقعة، فإن الشباب الثلاثة كانوا يستقلّون “توك توك” على الطريق العام في منطقة حوض الغندور، حين صادف مرورهم حملة أمنية تستهدف مداهمة وكر لتجار مخدرات.

يقول أحد الشهود: “ماكانوش معاهم سلاح ولا مخدرات، ولا ليهم أي سوابق. أول ما سمعوا ضرب النار رجعوا بالتوك توك، فقابلهم جرّار تابع للشرطة، خبطهم، ونزلوا يوضّحوا إن مالهمش علاقة، لكن الضابط ضرب عليهم النار غدر”.

ويضيف شاهد آخر مؤكّدًا أن الضابط محمد صبح – من وحدة مباحث مركز منية النصر – هو من نفّذ العملية: “الضابط محمد صبح كان لابس جلابية، خبط التوك توك بنفسه، وبعدها نزل وضرب أحمد بالنار أولًا، وبعده عمر ومروان، من غير حتى ما يتكلموا”.

 

إهمال متعمّد في الإسعاف ونقل الجثامين

بعد إصابتهم بالرصاص، لم تُنقل الضحايا مباشرة إلى أي مستشفى، بل اقتيدوا – وهم ينزفون – إلى مركز شرطة منية النصر في حدود الساعة الخامسة مساءً، في مشهدٍ يوحي بتعمّد حرمانهم من تلقي العلاج.

وفي نحو الساعة التاسعة مساءً، نُقلوا إلى مستشفى منية النصر المركزي، ومنها إلى مستشفى المنصورة الجامعي.

ووفقًا لمصادر طبية تحدّثت للشبكة المصرية، كان أحمد ومروان لا يزالان على قيد الحياة عند وصولهما المستشفى، لكنهما فارقا الحياة لاحقًا بعد محاولات فاشلة لإنقاذهما.

 

تضليل رسمي وتلفيق متعمّد

رغم وضوح الشهادات وتطابقها، سجّل محضر الشرطة أن الشباب الثلاثة “تجار مخدرات” و”مسلحون”، في حين أثبتت الشبكة المصرية أن المتهمين الحقيقيين في المداهمة تم القبض عليهم أحياءً في نفس المنطقة، وقد اعترفوا بحيازة الأسلحة والمخدرات، ما يعني أن الضحايا الثلاثة لا علاقة لهم بالمداهمة من قريب أو بعيد.

أحد أهالي القرية قال بمرارة: “دول شباب محترمين جدًا، معروفين بحسن الخلق. قتلهم غدر، وبعد موتهم شوهوا سمعتهم”.

 

إصابات قاتلة من مسافة قريبة

شهود عاينوا الجثامين أفادوا بأن: 

أحمد الشربيني أُصيب برصاصتين، إحداهما في الظهر.

عمر حاتم تلقى ثلاث رصاصات في الساق والظهر وكف اليد.

مروان وائل أصيب بطلق ناري في الجانب الأيمن، وبشظايا عديدة في ساقيه.

وتُظهر هذه الإصابات أن إطلاق النار تم من مسافة قريبة جدًا وبنية القتل المباشر، لا في إطار “اشتباك مسلح” كما زعمت وزارة الداخلية.

في الساعات الأولى من صباح الخميس الثالث من سبتمبر، سلّمت قوات الأمن الجثامين الثلاثة لأهاليهم دون السماح لهم برؤيتهم أو المشاركة في تغسيلهم وتكفينهم، لتُدفن الجثامين في مقابر الأسرة وسط حراسة مشددة.

 

أهالي الضحايا: “أولادنا اتقتلوا غدر واتشوّهت سمعتهم”

تقول والدة أحد الضحايا بصوتٍ متهدّج: “من الساعة 3 العصر بندوّر عليهم، من قسم لقسم، ومحدش بيقولنا حاجة. في الآخر عرفنا إنهم اتقتلوا غدر، واتهموهم ظلم. كفاية دمهم اللي راح هدر.”

ويضيف والد آخر: “قدّمنا بلاغات لرئاسة الجمهورية والنائب العام ومجلس الوزراء، ومفيش رد ولا تحقيق، وكأن دم ولادنا رخيص.”

 

الشبكة المصرية: "جريمة مكتملة الأركان وإفلات تام من العقاب"

تؤكد الشبكة المصرية لحقوق الإنسان أن ما جرى في الدقهلية يُعدّ جريمة قتل عمد مكتملة الأركان، لا لبس فيها ولا مبرر، وأن استمرار هذا النمط من التصفية الميدانية والإفلات من العقاب يهدد بانهيار خطير لمنظومة العدالة.

كما دعت الشبكة إلى فتح تحقيق عاجل ومحايد بإشراف قضائي مستقل، ومساءلة جميع المتورطين في الجريمة، مؤكدة أن “استمرار التبرير الرسمي للقتل خارج إطار القانون سيقود البلاد إلى مزيد من الدماء والعنف وفقدان الثقة في مؤسسات العدالة”.