في مشهد سياسي متصاعد، استأنفت حركة "جيل زد 212" في المغرب مساء الخميس احتجاجاتها الشعبية المطالبة بتحسين خدمات الصحة والتعليم ومكافحة الفساد، بعد توقفٍ مؤقت دام يومين لأسباب تنظيمية.

وتأتي هذه العودة إلى الشارع في وقت يترقب فيه المغاربة خطاب الملك محمد السادس أمام مجلسي البرلمان اليوم الجمعة، والذي يُنظر إليه على نطاق واسع كنقطة فاصلة قد تُهدئ الغضب الشعبي أو تُعيد ترتيب المشهد السياسي في البلاد.
 

عودة الحراك في توقيت حساس
منذ إطلاقها في أواخر سبتمبر الماضي، تمثل حركة "جيل زد 212" حالة غير مسبوقة في الشارع المغربي، كونها تعبّر عن جيل شاب يستخدم الفضاء الرقمي لتنظيم تحركات سلمية واسعة النطاق، بعيداً عن الإطار الحزبي أو النقابي التقليدي.

ورغم أن الحكومة حاولت امتصاص الغضب بإعلان نيتها فتح حوار مع ممثلي الحركة، فإن هذا لم يمنع عودة المظاهرات مساء الخميس، لتعيد المطالب الاجتماعية إلى الواجهة قبل ساعات من الخطاب الملكي.

 

وأكدت الحركة في بيان لها قبيل استئناف الاحتجاجات أنها "تحرص على إيصال صوتها بوضوح ومسؤولية، وبأعلى درجات الالتزام والسلمية"، داعية إلى مشاركة واسعة في الوقفات التي جرت بين السادسة والتاسعة مساءً. وقد تركزت المظاهرات في الرباط والدار البيضاء وأكادير وطنجة وفاس ووجدة والعيون، إضافة إلى مدن داخلية مثل الناظور ومكناس وكلميم وتطوان وبني ملال ومراكش، ما يعكس اتساع رقعة الحراك وعمقه الجغرافي والاجتماعي.
 

شعارات الغضب والكرامة
في العاصمة الرباط، تجمع العشرات من ناشطي الحركة أمام مقر البرلمان وسط حضور أمني ملحوظ، رافعين شعارات تطالب برحيل الحكومة ورئيسها عزيز أخنوش، الذي أصبح رمزاً للسياسات الاقتصادية التي يرى المحتجون أنها عمّقت الفوارق الطبقية وزادت معاناة المواطنين. وردد المتظاهرون شعارات مثل:
"الحكومة تمشي دابا"
"ارحل يعني تمشي واش ما تتفهمش",
"باركا من الغلا"،
"الحرية، الكرامة، العدالة الاجتماعية".
كما رفعت لافتات تحمل عبارات رمزية مثل: "إذا الشعب يوماً أراد الحياة" و*"هل يُجازى بالسجن كل من عمل بغيرة على الوطن؟"*، إلى جانب صور معتقلي الحركات الاجتماعية السابقة، ومنهم ناصر الزفزافي، في إشارة إلى امتداد المطالب من الاحتجاجات السابقة إلى الحراك الحالي.
 

بين المطالب الاجتماعية ورد الحكومة
ورغم سلمية الاحتجاجات ووضوح المطالب، تحاول الحكومة المغربية التقليل من حدة الأزمة عبر تصريحات تؤكد "التفهم والاستعداد للحوار". إذ قال الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمتحدث الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، خلال مؤتمر صحافي عقب اجتماع المجلس الحكومي، إن الحكومة "تعمل بوتيرة سريعة لتغطية النواقص في قطاعات الصحة والتعليم"، مضيفاً أن "الحوار يحتاج إلى طرفين"، في إشارة إلى رغبة الحكومة في وجود ممثلين رسميين عن الحركة.

وأكد بايتاس أن الحكومة "تلقت الرسالة وتعمل على معالجة الاختلالات في إطار تعبئة وطنية شاملة"، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن "معالجة القضايا الاجتماعية الكبرى عمل جماعي يهم مختلف الفاعلين"، وهو ما فسره مراقبون بأنه محاولة لإعادة ضبط الإيقاع السياسي قبل الخطاب الملكي المرتقب.
 

خطاب الملك في ميزان الترقب
يُنظر إلى خطاب الملك محمد السادس اليوم الجمعة بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للسنة التشريعية الأخيرة في الولاية البرلمانية الحالية كاختبار سياسي حقيقي، إذ من المتوقع أن يتطرق إلى قضايا العدالة الاجتماعية، والتعليم، والصحة، وتكافؤ الفرص، وهي الملفات التي تشكل صلب مطالب حركة "جيل زد". ويرى مراقبون أن أي تجاهل لتلك المطالب في الخطاب قد يؤدي إلى اتساع رقعة الاحتجاجات، بينما قد يؤدي تجاوبٌ واضحٌ مع الشارع إلى تهدئة الغضب الشعبي مؤقتاً.
 

أزمة ثقة متفاقمة
تعكس حركة "جيل زد 212" أزمة ثقة عميقة بين الشباب المغربي ومؤسسات الدولة، إذ يرى المشاركون أن الحكومة فشلت في تحقيق وعود التنمية، بينما تتزايد مؤشرات الفقر والبطالة وتدهور الخدمات العامة. كما يشير مراقبون إلى أن خطاب الحركة يتجاوز المطالب الفئوية إلى نقدٍ جذري لطبيعة توزيع الثروة والسلطة في البلاد.

في المحصلة، فإن استئناف احتجاجات "جيل زد" قبيل الخطاب الملكي يضع المغرب أمام لحظة فارقة: إما أن تستجيب الدولة بجدية للمطالب الاجتماعية وتفتح حواراً حقيقياً مع الشباب، أو أن يتعمق الشرخ بين الشارع والحكومة، بما قد يُدخل البلاد في مرحلة جديدة من الغليان السياسي والاجتماعي.