أثار الإعلامي والبرلماني المقرّب من النظام، مصطفى بكري، جدلاً واسعًا بعد ظهوره في مقطع فيديو يهاجم فيه مظاهرات الشباب المغربي الأخيرة، التي تقودها حركة جيل زد، محاولًا التقليل من أهميتها والادعاء بأنها “مدفوعة من الخارج”. https://x.com/baladtv/status/1973803624045203814
وتأتي تحذذيرات بكري مدفوعة بمخاوف أمنية مصرية من انتقال تلك التظاهرات لمصر، اذ ان الواقع الميداني والأرقام والإحصائيات تؤكد أن الشارع المصري يغلي ، جراء الفسادوالغلاء والقمع وانغلاق الافق المصري...
حيث تتزايد مظاهر الفقر التي تهدد الملايين في المغرب، وأيضا في مصر، وهي أرقام مدققة على الأرض لا يمكن إنكارها. الفساد الذي اتسع نطاقه في المؤسسات الحاكمة بات ظاهرة يومية تزعزع ثقة المواطنين وتلقي بظلال ثقيلة على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. الحكومة الانقلابية والقيادة الإعلامية التي يقودها السيسي شنّت حملة إعلامية واضحة عبر أبواقها الرسمية وصناع القرار ضد مظاهرات المغرب، ويُنظر إليها على أنها تعبير عن خوف النظام من انتقال هذه الحركة الاحتجاجية إلى الداخل المصري، خاصة مع استمرار تدهور الظروف المعيشية وازدياد الاستياء الشعبي.
خطاب بكري.. مرآة لقلق السلطة
تزامن هجوم بكري مع حملة إعلامية منسقة تقودها أبواق النظام لتشويه مظاهرات المغرب، في وقت يرى فيه مراقبون أن الهدف الحقيقي هو منع أي مقارنة بين الوضع المغربي والمصري. فحجم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المصريون يوازي أو يفوق نظيره في المغرب، ما يجعل أي احتجاج خارجي مصدر قلق للنظام الحاكم في القاهرة. أرقام الفقر تكذب مصطفى بكري الواقع المصري يكشف هشاشة مزاعم بكري.
فوفق تقارير رسمية، تجاوزت نسبة الفقر 30% من السكان، أي ما يزيد على 30 مليون مواطن يعيشون تحت خط الفقر. ومع استمرار الغلاء وارتفاع أسعار السلع الأساسية، تتجه النسبة إلى الزيادة، في حين تتآكل الطبقة المتوسطة بشكل غير مسبوق. هذه الأرقام وحدها تكفي للرد على أي محاولة لتصوير الوضع في مصر كأنه "مستقر وآمن". تزايد الفساد ووقائع القمع ملفات الفساد التي تطفو على السطح باستمرار تضعف مصداقية النظام وأبواقه الإعلامية.
تقارير محلية ودولية تؤكد أن وقائع نهب المال العام وغياب الشفافية في إدارة المشروعات القومية أصبحت سمة بارزة. في الوقت ذاته، يقبع آلاف المعتقلين السياسيين خلف القضبان، بينهم صحفيون وطلاب ونشطاء، فيما تتواصل الإضرابات داخل السجون بسبب الأوضاع القاسية.
هذه الحقائق تكذب الخطاب الدعائي لمصطفى بكري حول "تماسك الدولة" و"عدم وجود أسباب للغضب الشعبي". انتخابات بلا شرعية يحاول بكري الترويج لصورة زائفة عن المشاركة السياسية في مصر، بينما تكشف الوقائع عكس ذلك.
فقد شهدت الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة ضعفًا شديدًا في نسب الإقبال، ما يعكس عزوف المواطنين عن صناديق الاقتراع نتيجة فقدان الثقة في العملية السياسية. وزاد الأمر سوءًا مع تكرار مشاهد شراء الأصوات بالمال والسلع التموينية، الأمر الذي رسخ قناعة عامة بأن العملية الانتخابية مجرد واجهة شكلية.
تسييس القضاء وتراكم الديون
يؤكد مراقبون أن أحد أبرز أسباب فقدان الثقة بين المواطنين والنظام هو تسييس القضاء وإصدار أحكام قاسية بحق المعارضين، الأمر الذي ينسف أي حديث عن "العدالة". في الوقت نفسه، ترتفع الديون الخارجية والداخلية إلى مستويات قياسية، حتى باتت فوائدها وحدها تلتهم جانبًا كبيرًا من الموازنة العامة، ما ينعكس مباشرة على الخدمات الأساسية ويضاعف من معاناة الفقراء. بيع الأصول وتغول الجيش من أبرز التناقضات التي يتجاهلها بكري أن النظام المصري لجأ إلى بيع أصول وممتلكات استراتيجية تحت مسمى "الطروحات"، في محاولة لسد فجوات مالية خانقة. كما يسيطر الجيش بشكل مباشر أو غير مباشر على نحو 30% من الاقتصاد، ما أدى إلى إقصاء القطاع الخاص وتراجع الاستثمار، وزاد من معدلات البطالة.
هذه السياسات تمثل شهادة دامغة على أن الأزمة داخلية وليست "مؤامرة خارجية"، كما يحاول بكري الترويج.
الخوف من تكرار السيناريو المغربي الحملة التي أطلقها مصطفى بكري وغيره من الأبواق الإعلامية، بحسب مراقبين، ليست سوى دليل قاطع على قلق النظام من إمكانية تكرار تجربة "جيل زد" المغربي في الشارع المصري.
فالتشابه في الأوضاع المعيشية، وتراكم الغضب من الفساد والديون وغياب الحريات، كلها عوامل تجعل الشارع المصري على صفيح ساخن، ينتظر فقط الشرارة التي قد تعيد مشاهد يناير 2011.
حين يكذب الواقع أبواق النظام في النهاية، تكشف الوقائع أن هجوم مصطفى بكري على مظاهرات المغرب لا يستهدف المغرب بقدر ما يستهدف الداخل المصري. فالأزمات التي تعصف بالمجتمع ـ من الفقر والديون إلى الفساد والقمع وبيع الأصول ـ تشكل أسبابًا كافية لأي احتجاج محتمل. وإذا كان بكري يسعى لتزييف وعي المصريين، فإن الأرقام والحقائق اليومية في الأسواق والشوارع تكذب كل كلمة يقولها، وتؤكد أن الخوف الحقيقي يسكن في قصر الحكم لا في بيوت المواطنين.