وجهت حكومة الانقلاب صدمة عنيفة لمزارعي بنجر السكر، بعد قرارها المفاجئ بخفض سعر التوريد من 2400 جنيه للطن إلى 2000 جنيه فقط، في وقت تتصاعد فيه تكلفة الإنتاج بشكل غير مسبوق. القرار يضع مستقبل محصول البنجر ـ الذي يعد أحد المحاصيل الاستراتيجية في مصر ـ على المحك، ويهدد الإنجاز الذي تحقق مؤخرًا بتحقيق الاكتفاء الذاتي من السكر.
اكتفاء ذاتي تحول إلى مهدد بالانهيار
على مدار السنوات الأخيرة، شهدت زراعة بنجر السكر طفرة حقيقية. فقد ارتفعت المساحة المزروعة من 600 ألف فدان في موسم 2023/2024، بطاقة إنتاجية بلغت نحو 1.5 مليون طن، إلى 750 ألف فدان في موسم 2024/2025، ليصل إجمالي الإنتاج إلى نحو 2.5 مليون طن.
هذا التوسع جعل محصول البنجر يساهم بنسبة تتراوح بين 65% و70% من إجمالي إنتاج السكر المحلي، بينما يسهم قصب السكر بالنسبة المتبقية (30% – 35%). وبحسب تقديرات المزارعين والخبراء، فإن هذا النجاح مكّن مصر من تحقيق الاكتفاء الذاتي من السكر بنسبة 100% خلال عام 2025، بل وأتاح فرصة للتفكير في تصدير الفائض بحلول 2026.
لكن قرار خفض سعر التوريد يهدد هذا الإنجاز، إذ يضع المزارعين أمام معادلة صعبة: إنتاج مرتفع وتكاليف متزايدة مقابل سعر شراء منخفض لا يغطي النفقات.
تكاليف مرتفعة وسعر غير عادل
المزارع أحمد الكومي، أحد أبرز مزارعي البنجر، أوضح أن القرار جاء في وقت يشهد فيه القطاع الزراعي تضخمًا كبيرًا في مدخلات الإنتاج: من أسعار الوقود والنقل إلى أجور العمالة، فضلاً عن تكاليف الأسمدة والمبيدات.
الكومي قال إن المنطقي كان أن ترفع الحكومة سعر التوريد إلى 2600 أو 2800 أو حتى 3000 جنيه للطن، بما يتناسب مع الواقع الجديد، لا أن تخفض السعر إلى 2000 جنيه. وأضاف: "بهذا القرار تُحاصر الزراعة التعاقدية الوحيدة الناجحة في مصر، بدلًا من دعمها وتشجيعها".
تهديد مباشر لمستقبل الزراعة والإنتاج
يحذر المزارعون من أن استمرار هذا النهج سيدفع كثيرًا منهم إلى العزوف عن زراعة البنجر في الموسم القادم، وهو ما ستكون له تداعيات خطيرة:
- انخفاض الكميات الموردة للمصانع.
- تراجع إنتاج السكر المحلي.
- زيادة الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك.
- اضطرار الحكومة إلى الاستيراد لتغطية العجز.
والنتيجة المباشرة لذلك ستكون استنزاف موارد الدولة من العملة الصعبة، في وقت تعاني فيه مصر أصلًا من أزمة دولارية خانقة.
نجاح مهدور بدلًا من البناء عليه
يعتبر بنجر السكر نموذجًا نادرًا للزراعة التعاقدية الناجحة في مصر. المزارعون كانوا يأملون أن يكون هذا النجاح مقدمة لتعميم التجربة على محاصيل استراتيجية أخرى مثل فول الصويا والفول البلدي، إلا أن قرار خفض سعر التوريد جاء ليقوّض هذه الآمال.
الكومي أشار إلى أن نجاح البنجر انعكس بشكل مباشر على السوق المحلي، حيث انخفض سعر السكر للمستهلك من أكثر من 32 جنيهًا إلى ما بين 24 و25 جنيهًا. وهو ما يثبت أن دعم المزارعين ينعكس إيجابيًا على المواطنين ويخفف من أعباء المعيشة.
مطالب الفلاحين: مراجعة عاجلة للقرار
يطالب المزارعون بضرورة تدخل عاجل من رئيس مجلس الوزراء ووزيري التموين والزراعة لإعادة النظر في القرار. ويؤكدون أن الحل الأمثل هو رفع السعر إلى ما بين 2600 و2800 جنيه للطن على الأقل، بما يحافظ على استمرارية زراعة البنجر ويمنع انهيار هذا القطاع الاستراتيجي.
كما شددوا على أن تجاهل هذه المطالب سيؤدي إلى أزمة كبيرة في موسم 2026، قد تعيد مصر إلى مربع الاستيراد وفقدان الأمن الغذائي في سلعة أساسية كالسُكر.
قرار غير مدروس يقوّض إنجازًا استراتيجيًا
يبدو أن حكومة الانقلاب أقدمت على قرار خفض سعر توريد بنجر السكر دون دراسة كافية لتداعياته الاقتصادية والاجتماعية. فبينما كان من المتوقع أن تُكافئ المزارعين على جهودهم وتدعم نجاحهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي، جاء القرار بمثابة "ضربة قاضية" تهدد مستقبل محصول البنجر، وتضع البلاد أمام احتمال عودة شبح الاستيراد واستنزاف العملة الصعبة.
الزراعة التي نجحت رغم كل الصعوبات، قد تنهار بسبب قرار إداري قصير النظر. وهو ما يضع السلطات أمام اختبار حقيقي: إما إنقاذ محصول استراتيجي يحمي الأمن الغذائي المصري، أو ترك المزارعين لمصيرهم وتحميل الشعب نتائج كارثية ستظهر في القريب العاجل.