في 2 أكتوبر 2025 أعلن البنك المركزي المصري خفض أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض بمقدار 100 نقطة أساس، لتصل أسعار الإيداع إلى 21% والإقراض إلى 22%، وهو التخفيض الرابع خلال عام 2025 في سياق دورة تيسير نقدي بدأت بعد موجة تضخم حادة.

هذه الخطوة جاءت بينما تسجّل معدلات التضخم تراجعاً من ذروة بلغت 38% في سبتمبر 2023 إلى مستويات قريبة من 12% في أغسطس 2025، وفق بيانات البنك وتحليلات وكالات الأنباء.
 

ماذا يعني الخفض الرابع؟.. سياق السياسات خلال 2025
الخفض الحالي هو الرابع هذا العام، ويأتي بعد سلسلة تخفيضات تراكمت لتبلغ أكثر من 525 نقطة أساس منذ أبريل 2025 بحسب استقصاءات محللين.

صانعي السياسة في البنك المركزي يبررون هذه السلسلة باستنادهم إلى تراجع التضخم وتحسّن المؤشرات الاقتصادية قصيرة المدى، لكن تخفيض الفائدة بوتيرة متسارعة قد يفتح أسئلة عن توازن النمو مقابل استقرار الأسعار والعملة.
 

رحلة الفائدة منذ بداية حكم السيسي.. لمحة تاريخية موجزة
منذ وصول قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي إلى السلطة في 2013 شهدت سياسات النقد في مصر فترات من التساهل ثم التشدّد الاستثنائي.

اختصت الفترة الأخيرة بتحولات جذرية: في 6 مارس 2024 رفع البنك المركزي الفائدة بصورة غير متوقعة بمقدار 600 نقطة أساس وسمح بتحرير سعر الصرف كجزء من حزمة إصلاح مرتبطة بصندوق النقد الدولي، في محاولة لامتصاص صدمة شح الدولار وتصحيح سوق العملة.

بعد ذلك بلغ سعر السياسة ذروة قريبة من 27.75% خلال أوائل 2025 قبل أن يبدأ الانزلاق التدريجي نحو التخفيضات خلال العام ذاته، هذا المسار يعكس تقلبات حادة فرضتها أزمات خارجية وداخلية وسياسات تصحيحية متأخرة.
 

هشاشة الاقتصاد المصري
الأرقام الأخيرة تظهر تناقضات؛ مؤشرات نمو إيجابية نسبياً (تحسّن في نمو الناتج المحلي في بعض أرباع 2024/2025) يقابلها مستويات معيشية مدهشة للمواطن العادي نتيجة تضخم أسعاري مرتفع سابقاً وفقدان القوة الشرائية.

كما أن تحسّن احتياطي النقد الأجنبي الذي استُعاد جزئياً عبر صفقات وتمويل خليجي وإتفاق مع مؤسسات دولية، ما زال هشّاً بما يجعل أي صدمة خارجية (ارتفاع أسعار الطاقة، توترات جيوسياسية) قادرة على قلب المؤشرات.

 

أرقام وإحصاءات تؤكد الأضرار الاقتصادية والاجتماعية

  • التضخم وصل إلى معدل قياسي بلغ 40% في 2025.
  • سعر صرف الدولار في السوق السوداء ضعف السعر الرسمي 31 جنيهاً.
  • 30 مليون شخص يعيشون على دخل أقل من 3.20 دولار يومياً.
  • الدين القومي وصل إلى 370 مليار دولار، تضاعف أربع مرات منذ 2010.
  • الإنفاق الحكومي يفوق الإيرادات، مما يزيد من العجز المالي.
  • خفض الإعانات ورفع الضرائب على المواطنين وسط ركود الأجور.
  • البطالة مرتفعة، مع معدلات فقر متزايدة بشكل مستمر.

 

لماذا انهار الاقتصاد في عهد السيسي؟

المعاناة الاقتصادية ليست حادثة منفردة بل نتيجة تراكمية لسياسات؛ اعتماد كبير على ديون خارجية وقروض قصيرة الأجل، تبعية للاستثمارات الكبرى ذات الصبغة السياسية (مشروعات كلفت مبالغ ضخمة مع عوائد اقتصادية متباينة)، وتراكم للعجز في ميزان المدفوعات بسبب استيراد مكثف وضعف الصادرات غير النفطية.

إضافة إلى ذلك، غياب الشفافية، سيطرة مؤسسات عسكرية أو شبه حكومية على قطاعات اقتصادية واسعة، وسياسات دعم واستهداف استثمارات رأسمالية بعيدة عن القطاعات المنتجة الصغيرة والمتوسطة كلها عوامل ساهمت في تآكل قاعدة الإنتاج وارتفاع نسبة الفقر والتفاوت،هذه ملاحظات يكررها اقتصاديو قطاع خاص ونقاد سياسيوون

الجهات الرسمية كالبنك المركزي وحكومة الانقلاب تقدّم خفض الفائدة على أنه نتيجة تحسّن التضخم وتعزيز للنمو: تصريحات محافظ البنك المركزي وملاحظات حكومية رسمية ركّزت على "انحسار ضغوط التضخم" و"تحسّن توقعات المستثمرين".

بالمقابل، محلّلون واقتصاديون مستقلون يحمّلون السياسات السابقة مسؤولية موجات التضخم والضعف الهيكلي؛ ويرون أن الإجراءات الكبرى (تحرير سعر الصرف، ارتفاعات حادة في الفائدة ثم تخفيضات لاحقة) جاءت متأخرة أو حكماً متذبذباً.

كما أن بعض بيانات الجهات الدولية أملتها المفاوضات على قروض وبرامج دعم، وهو ما يضع استدامة التحسّن محل تساؤل.
 

بين التهدئة والمخاطر
خفض الفائدة إلى 21%/22% في 2 أكتوبر 2025 يعطي دفعة مؤقتة لتمويل النشاط الاقتصادي وتقليل عبء خدمة الديون المحلية، لكنه لا يعالج جذور الأزمة، تراجع الإنتاج المحلي، ضعف الصادرات، اعتماد متزايد على التمويل الخارجي، وهياكل ملكية وقوة اقتصادية مركزة.