قال موقع " ليبرال كرنت" إن الخطوط الثلاث الحمراء التي رسمها قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي فيما يتعلق بالحرب الأهلية المدمرة في السودان، تثير تساؤلات عميقة حول تقاطع متطلبات الأمن القومي والقيم الإنسانية الليبرالية في الجغرافيا السياسية المعاصرة.

 

وعقب اجتماع مع رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، في القاهرة، أصدر المتحدث باسم الرئاسة المصرية بيانًا يمثل تصعيدًا هامًا في الخطاب الدبلوماسي الإقليمي، يُشير إلى أن مصر لن تسمح بتجاوز هذه الخطوط الحمراء، استنادًا إلى التهديدات المباشرة للأمن القومي المصري، فيما يعد تحولاً محتملاً في مسار الصراع.

 

السياق التاريخي لاتفاقية الدفاع المشترك 


قال الموقع إن تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والسودان يحمل أهمية تاريخية كبيرة. فقد أُبرمت في الأصل عام 1976 خلال رئاسة جعفر نميري في السودان وأنور السادات في مصر، وتنص على أن أي هجوم على أحد الطرفين يُعد هجومًا على الطرف الآخر، مما يستلزم التشاور الفوري والرد العسكري المحتمل.

 

واعتبر أن إحياء الاتفاقية، التي ظلت خاملة منذ ثمانينيات القرن الماضي عقب التحول الديمقراطي في السودان يعكس خطورة المخاوف الأمنية المعاصرة. وتوفر اتفاقية التعاون العسكري لعام 2021، التي تشمل التدريب وأمن الحدود ومواجهة التهديدات المشتركة، الإطار القانوني للتدخل المصري المحتمل.

 

تحديد الخطوط الحمراء: السيادة والسلامة الإقليمية


ورأى الموقع أن الخطوط الحمراء الواضحة التي وضعتها مصر تُجسّد التزامها بالمبادئ الأساسية للقانون الدولي وسيادة الدولة. ولا يقتصر الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه على مجرد تحقيق الاستقرار الإقليمي، بل يجسّد قيمًا ليبرالية جوهرية تتعلق بحق تقرير المصير وحرمة الحدود المعترف بها دوليًا.

 

وقال إن الرفض القاطع للكيانات الموازية أو الحركات الانفصالية يتماشى مع المبادئ الأممية التقدمية، مع التسليم في الوقت نفسه بتعقيدات واقع الصراع المعاصر. ويعكس موقف مصر فهمًا عميقًا بأن التشرذم لا يخدم الأهداف الإنسانية ولا الديمقراطية.

 

الديناميات الإقليمية والآثار الدولية


ويُسلط تحليل الصحفي السوداني عثمان ميرغني الضوء على التداعيات الإقليمية الأوسع لموقف مصر. فتوسع قوات الدعم السريع في دارفور وكردفان لا يُمثل مجرد تقدم عسكري تكتيكي، بل يُهدد البنية الأساسية لسيادة الدولة التي يقوم عليها النظام الدولي.

 

وقال إن توقيت زيارة البرهان للقاهرة، عقب المشاورات في المملكة العربية السعودية وتزامنها مع مناقشات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في واشنطن يشير إلى وجود جهود دولية منسقة من خلال آلية اللجنة الرباعية التي تضم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والولايات المتحدة.

 

الضرورة الإنسانية


وفيما نقل عن وزير الخارجية السوداني السابق علي يوسف وصفه للأزمة السودانية بأنها "أسوأ كارثة إنسانية في العالم" وفقًا للمجتمع الدولي، اعتبر أن هذا يُبرز الأبعاد الأخلاقية لموقف مصر، ويُشكل التزامها الليبرالي بكرامة الإنسان وحماية السكان المدنيين مبررًا قويًا للتدخل الدولي.

 

وأشار إلى أن اقتراب الذكرى السنوية الثالثة للنزاع يمثل إدانة قوية للتقاعس الدولي، ويعكس رغبة مصر في تحمل مسؤولية أكبر مخاوف أمنية عملية والتزامًا بالمبادئ الإنسانية التي تتجاوز المصالح الوطنية الضيقة.

 

تحديات التدخل الليبرالي

 

وأوضح الموقع أن رد قوات الدعم السريع، الذي وصفه بأنه "تدخل سافر" و"عقلية استعمارية"، يُبرز الديناميكيات المعقدة المحيطة بالتدخل الخارجي. وتعكس هذه الاتهامات مخاوف مشروعة بشأن السيادة، بينما قد تُخفي في الوقت نفسه الضرورة الإنسانية للتحرك.

 

وتُظهر المظالم التاريخية لقوات الدعم السريع بشأن الدعم المصري للجيش السوداني، بما في ذلك مزاعم الغارات الجوية وإمدادات الأسلحة، التحديات الكامنة في حل النزاعات متعددة الأطراف. وتتطلب هذه التعقيدات مناهج دقيقة توازن بين اعتبارات السيادة والالتزامات الإنسانية، وفق ما يشير الموقع.

 

آفاق الحل الدبلوماسي


ونقل الموقع عن السفير الصادق المقلي تقييمه بأن الولايات المتحدة تستخدم حاليًا "القوة الناعمة" من خلال الدبلوماسية المكوكية بقيادة كبير المستشارين مسعد بولس إلى إدراك أن الحلول العسكرية وحدها لا يمكنها معالجة الأزمة المتعددة الأوجه في السودان.

 

ورأى أن التنسيق بين مصر والسعودية والشركاء الدوليين من خلال آلية اللجنة الرباعية يمثل نهجًا متطورًا لحل النزاعات، يُقرّ بالخبرات الإقليمية والمسؤولية العالمية على حد سواء. ويشير استعداد وزارة الخارجية السودانية المعلن للتعاون مع إدارة ترامب القادمة إلى وجود فرص دبلوماسية محتملة.

 

القيم الليبرالية في السياق الإقليمي


وقال إن موقف مصر من السودان يعكس تساؤلات أوسع نطاقًا حول قيم الديمقراطية الليبرالية في سياقات إقليمية ذات أنظمة استبدادية. فبينما يثير سجل السيسي الداخلي مخاوف جدية بشأن حقوق الإنسان، فإن التزام مصر بسيادة السودان ووحدة أراضيه يتماشى مع المبادئ الليبرالية الدولية الأساسية.

 

وأوضح الموقع أن التحدي الذي يواجه المراقبين التقدميين يكمن في دعم التدخل الإنساني المشروع مع الحفاظ على وجهات نظر نقدية تجاه الجهات الفاعلة المعنية، إذ أن الحفاظ على مؤسسات الدولة ومنع التفكك يخدم أهدافًا ديمقراطية أوسع، بغض النظر عن الشرعية الحكومية المباشرة.

 

ومع دخول الأزمة السودانية عامها الثالث، رأى أن الخطوط الحمراء المصرية تمثل فرصة ومخاطرة في آن واحد. يجب الموازنة بين إمكانية تحقيق تقدم إنساني حقيقي وبين المخاوف بشأن بسط النفوذ الإقليمي وتعقيدات التدخل الخارجي في النزاعات الأهلية.

 

وخلص إلى أن رد فعل المجتمع الدولي على موقف مصر سيختبر الالتزامات المعاصرة تجاه كل من السيادة والمسؤولية الإنسانية، مما سيحدد معايير التدخل الليبرالي في مشهد عالمي يزداد تعقيدًا.

https://theliberalcurrent.com/article/egypts-sudan-red-lines-liberal-interventionism-or-realpolitik