تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي خرق اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ما أسفر عن سقوط شهداء جدد، إلى جانب تفاقم الكارثة الإنسانية والصحية، في وقت تتعثر فيه الجهود السياسية للانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، وسط تحذيرات محلية ودولية من انهيار شامل في الأوضاع المعيشية والاقتصادية داخل القطاع.

 

شهداء بقصف مباشر وانهيار منازل مهددة

 

استشهد ستة مواطنين، اليوم الأحد، في حوادث متفرقة بمدينة غزة، ثلاثة منهم نتيجة قصف وإطلاق نار إسرائيلي شرق المدينة، فيما استشهد ثلاثة آخرون جراء انهيار منزل متصدع غربي غزة، في مشهد يعكس حجم الخطر الذي يهدد المدنيين حتى في المناطق التي يُفترض أنها مشمولة بوقف إطلاق النار.

وأفادت مصادر طبية باستشهاد مواطن إثر إلقاء طائرة مسيّرة إسرائيلية قنبلة على مجموعة من المدنيين في حي الشجاعية شرق غزة، تلاه استشهاد مواطن آخر متأثرًا بإصابته في استهداف مماثل بطائرة “كواد كابتر” في شارع المنصورة، وهي مناطق انسحب منها جيش الاحتلال ويُسمح بالتنقل فيها بموجب الاتفاق.

كما استشهد مواطنان إضافيان جراء استهداف طائرات الاحتلال محيط محطة الشوا للمحروقات في الحي ذاته، في وقت أطلق فيه جيش الاحتلال نيرانه الكثيفة فجر الأحد على مناطق شرقي القطاع، ضمن نطاق سيطرته وفق الاتفاق.

ووفق وزارة الصحة، فقد ارتكب الاحتلال منذ بدء سريان وقف إطلاق النار مئات الخروقات، أسفرت عن استشهاد أكثر من 400 فلسطيني وإصابة ما يزيد على 1100 آخرين.

 

انهيار منزل ومأساة عائلة كاملة

 

في سياق متصل، أعلن الدفاع المدني استشهاد ثلاث نساء من عائلة واحدة وفقدان شخصين آخرين، إثر انهيار منزل عائلة لبد في حي الشيخ رضوان غرب مدينة غزة، نتيجة التصدعات الخطيرة التي لحقت به بفعل القصف الإسرائيلي المتواصل.

وأسفر الانهيار عن استشهاد إيمان لبد، وجنى أكرم لبد، وسندس محمد لبد، فيما لا يزال مصير الزوجين محمد سعيد لبد ورانية محمد لبد مجهولًا. وأكد الدفاع المدني أن طواقمه تمكنت من إنقاذ ثلاثة أشخاص كانوا عالقين تحت الركام، مع استمرار عمليات البحث في ظل إمكانات محدودة.

وجدد الدفاع المدني تحذيراته للأهالي من السكن في المنازل المتضررة والمصنفة على أنها غير صالحة للسكن، خاصة مع دخول فصل الشتاء، مشيرًا إلى أن عشرات المنازل انهارت خلال الأسبوعين الماضيين، ما أدى إلى وقوع ضحايا وخسائر جسيمة.

 

أزمة صحية غير مسبوقة

 

على الصعيد الصحي، حذرت وزارة الصحة في غزة من تفاقم الأوضاع إلى مستويات خطيرة، إذ قال رئيس وحدة المعلومات بالوزارة زاهر الوحيدي إن نحو 1500 طفل ينتظرون فتح المعابر للسفر وتلقي العلاج في الخارج، في ظل نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية.

وأوضح أن ما يقارب 110 آلاف طفل يعانون من سوء التغذية، بينهم 9500 طفل يعانون من سوء تغذية حاد، فيما تعاني 42% من النساء الحوامل من فقر الدم. كما أشار إلى استشهاد 1200 مريض، بينهم 155 طفلًا، بسبب عدم إجلائهم للعلاج خارج القطاع.

وأكد الوحيدي أن 52% من الأدوية الأساسية غير متوفرة، وأن 99% من عمليات جراحة العظام متوقفة، داعيًا إلى تدخل عاجل للسماح بإدخال الإمدادات الطبية بشكل منتظم.

وفي السياق ذاته، أعلنت منظمة الصحة العالمية وفاة أكثر من 1000 مريض أثناء انتظارهم الإجلاء الطبي منذ منتصف عام 2024، محذرة من أن العدد الحقيقي قد يكون أعلى بكثير.

 

تعثر سياسي رغم اجتماعات دولية

 

سياسيًا، أكدت واشنطن وقطر ومصر وتركيا، عقب اجتماع عقد في مدينة ميامي الأميركية، الالتزام الكامل بجميع بنود خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب على غزة، مع الاتفاق على مواصلة المشاورات لدفع تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.

وقال المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف إن المرحلة الأولى حققت بعض التقدم، إلا أن الانتقال إلى المرحلة الثانية لا يزال متعثرًا، في ظل مماطلة الاحتلال في تنفيذ استحقاقاته. وأكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن الانتهاكات الإسرائيلية تجعل العملية السياسية أكثر تعقيدًا.

من جانبه، جدد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي رفض بلاده أي محاولات لتهجير الفلسطينيين، مشددًا على ضرورة البدء العاجل بإعادة إعمار غزة، وفق خطة عربية تستغرق خمس سنوات دون المساس بالوجود الفلسطيني.

 

خسائر اقتصادية واتهامات للاحتلال

 

اقتصاديًا، قال الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين إن أكثر من نصف مليون عامل فلسطيني فقدوا مصادر رزقهم منذ بدء حرب الإبادة، مع ارتفاع معدلات البطالة إلى أكثر من 84% في غزة و50% في الضفة الغربية، وخسائر تجاوزت 9 مليارات دولار.

وحمل الاتحاد سلطات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن هذه الخسائر، مطالبًا المنظمات الدولية بالتحرك الفوري لحماية العمال الفلسطينيين ومحاسبة الاحتلال.

 

مواقف المقاومة والتصعيد الأمني

 

من جهتها، اعتبرت حركة حماس القصف المدفعي الذي استهدف حي التفاح شرق غزة “جريمة وحشية” وخرقًا فاضحًا لاتفاق وقف إطلاق النار، مؤكدة أن أكثر من 400 شهيد ارتقوا منذ الإعلان عن الاتفاق.

وفي سياق أمني داخلي، أعلن أمن المقاومة انتهاء مهلة “فتح باب التوبة” لعملاء الاحتلال، مؤكدًا ملاحقة شبكات المرتزقة حتى تفكيكها بالكامل، ومحذرًا من أي تعاون أو تواصل مع أدوات الاحتلال الإعلامية والأمنية.