بينما احتفت الأوساط الحقوقية بخبر الإفراج عن الناشط السياسي علاء عبد الفتاح بعد سنوات من المعاناة، دوّى صوت الناشط والمحامي الحقوقي هيثم محمدين متسائلًا: "أين الحرية لمعتقلي التيار الإسلامي؟"، في إشارة واضحة إلى التمييز الفج الذي ينتهجه النظام المصري في ملف المعتقلين السياسيين.
فبينما يُفرج عن بعض الرموز المدنية أو الليبرالية تحت ضغط دولي، يُترك الآلاف من أبناء التيار الإسلامي خلف القضبان بلا أفق أو محاكمة عادلة، في سياسة تنكيلية ممنهجة هدفها كسر الخصوم وإرهاب المجتمع.
 

آلاف خلف القضبان.. أرقام تكشف المأساة
تشير تقديرات المنظمات الحقوقية المستقلة، ومنها الشبكة المصرية لحقوق الإنسان ومركز الشهاب، إلى أن عدد السجناء السياسيين في مصر يتراوح بين 60 و65 ألف معتقل، يشكل التيار الإسلامي الغالبية العظمى منهم.
ورغم مرور أكثر من عقد على الانقلاب العسكري في يوليو 2013، فإن النظام ما زال يملأ السجون بأحكام قاسية واحتجازات مطولة بلا محاكمة.
 

أسماء بارزة.. أحكام قاسية وظروف مأساوية
من بين أبرز المعتقلين المنتمين للتيار الإسلامي يبرز اسم محمد البلتاجي، القيادي البارز بجماعة الإخوان المسلمين، الذي يقضي حكمًا بالمؤبد في قضايا وُصفت بأنها “مسيسة”، وصفوت حجازي الذي يواجه ظروفًا صحية متدهورة، إضافة إلى خيرت الشاطر نائب المرشد العام للجماعة، المعتقل منذ 2013.

وتؤكد أسر هؤلاء وغيرهم أن حرمانهم من العلاج والزيارة المنتظمة يمثل شكلًا من أشكال التعذيب البطيء، وهو ما وثّقته منظمات كـ هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية.
 

انتهاكات ممنهجة داخل السجون
تقارير حقوقية حديثة كشفت عن تزايد محاولات الانتحار في سجن بدر 3 نتيجة الظروف غير الإنسانية، إضافة إلى دخول مئات المعتقلين في إضرابات مفتوحة عن الطعام لأشهر متواصلة احتجاجًا على الحرمان من أبسط الحقوق: الزيارة، التريض، العلاج.
هذه الانتهاكات لا تقتصر على التيار الإسلامي، لكنها تطالهم بشكل مضاعف، مع سياسة “التدوير” المستمرة التي تعيد المعتقلين إلى قضايا جديدة بعد انتهاء أحكامهم.
 

أرقام صادمة: وفيات وتدهور صحي
بحسب تقرير صادر عن مركز النديم، شهدت السجون المصرية خلال عام 2023 وحده 38 حالة وفاة لمعتقلين، معظمها نتيجة الإهمال الطبي.

وتقدّر المنظمات أن ما بين 800 إلى 1000 معتقل يعانون من أمراض مزمنة خطيرة كالسرطان وأمراض القلب والكلى، بينما يُحرم أغلبهم من العلاج المناسب.
ويصف حقوقيون هذه السياسات بأنها “إعدامات بطيئة خلف القضبان”.
 

ازدواجية صارخة.. ضغط دولي وانتقائية داخلية
إفراج النظام عن شخصيات بارزة من غير الإسلاميين –مثل علاء عبد الفتاح أو بعض الصحفيين– جاء بعد ضغوط دولية وملفات مرتبطة بالمساعدات الغربية.
لكن حين يتعلق الأمر بمعتقلي التيار الإسلامي، يغيب أي تحرك مماثل، وكأن الدولة تعتبر ملفهم “خطًا أحمر”.

هذه الازدواجية، كما يصفها هيثم محمدين، تكشف أن النظام لا يتعامل مع قضية الحريات وفق مبادئ العدالة، بل بمنطق المساومة السياسية.
 

العدالة لا تتجزأ
إن استمرار بقاء عشرات الآلاف من المعتقلين الإسلاميين خلف القضبان، وسط صمت محلي وتواطؤ دولي، يمثل جرحًا نازفًا في ضمير العدالة.
فلا معنى للحرية إن كانت انتقائية، ولا قيمة لأي إصلاح سياسي يُستثنى منه التيار الإسلامي وأبناؤه.

وكما يؤكد الحقوقيون: الحرية لا ينبغي أن تكون جائزة تُمنح للبعض وتحجب عن آخرين، بل حق أصيل تكفله كل القوانين والمواثيق الدولية.