مع اقتراب العام الدراسي الجديد، الذي ينطلق الأسبوع المقبل، تتضاعف الضغوط المعيشية على ملايين الأسر الساعية لتأمين مستلزمات أبنائها من الزي المدرسي والحقائب والأدوات والكتب والدروس الخصوصية.

وإذا كان هذا العبء ثقيلاً على معظم الأسر في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة، فإنه يتحول إلى محنة سنوية مضاعفة بالنسبة لفئة منسية ومرهقة: أسر المعتقلين السياسيين.
 

تكاليف تثقل الكاهل
تقول "أم محمد"، وهي سيدة أربعينية غاب زوجها وابناها خلف القضبان منذ أكثر من 12 عاماً، إنها تقف سنوياً أمام متطلبات التعليم حائرة.
وتضيف: "الزي المدرسي وحده يتراوح بين 400 و800 جنيه للطفل، ومعي طالب ثانوي، وطالبة جامعية، وأربعة أحفاد في الابتدائي. كل عام نواجه نفس المأساة: ملابس، أحذية، كتب خارجية، مصروفات مدارس تصل إلى مئات الجنيهات، بل عشرات الآلاف إذا تعلق الأمر بالجامعة وتقليل الاغتراب".

وتتابع: "رغم أنني أضطر للعمل والتجارة، وابنتاي تعملان بالتدريس، إلا أن مصاريف الزيارات إلى ثلاثة سجون شهرياً تلتهم ما تبقى من مواردنا".
 

هروب الحاضنة الشعبية
حتى وقت قريب، كانت شبكات الدعم الشعبي والخيري تساند أسر المعتقلين.

لكن أحد الناشطين السابقين في هذا المجال، (ع.س)، يؤكد أن الأمر تغير جذرياً: "الوضع أصبح كارثياً. أغلب من كانوا يمدون يد العون انسحبوا خوفاً من الملاحقات الأمنية، بعد أن جرى اعتقال بعض القائمين على هذا العمل ومداهمة صفحات التواصل الخاصة بهم. اليوم لا نجد إلا مساعدات محدودة، وفي مناسبات مثل الأعياد فقط".
 

أعباء بلا عائل
(م.ع)، وهو ناشط آخر في ملف المعتقلين، يوضح أن العام الدراسي يعني "هماً فوق هم" للأسر المنكوبة، خاصة مع غلاء الدروس الخصوصية ودور الحضانة والكتب.
ويشير إلى أن بعض المعلمين "من أصحاب المروءة" يعفون أبناء المعتقلين من المصاريف، فيما يتولى الأعمام والأخوال دور العائل المؤقت، لكن ذلك يبقى محدوداً.
كما يلفت إلى فئة أخرى مهمشة تماماً: المفصولون من وظائفهم بسبب مواقفهم السياسية، من أئمة وخطباء ومعلمين، الذين يعيشون في حد الكفاف.
 

تعفف يضاعف الأزمة
من المفارقات أن كثيراً من الأسر ترفض المساعدة المباشرة بدافع الكرامة. يروي أحد فاعلي الخير كيف اضطر إلى الاتفاق مع تاجر جملة ليمنح أرملة معتقل بضاعتها بأقل من سعرها الحقيقي، بعد أن رفضت مراراً أي مساعدة مباشرة.
 

محاولات إنقاذ محدودة
تسعى بعض المؤسسات لتخفيف المعاناة. يقول عبدالرحمن البدراوي، المدير التنفيذي لمؤسسة "جوار"، إنهم أطلقوا حملة "كراسة وقلم" لتغطية جزء من احتياجات ألف تلميذ فقط.

ويضيف: "لكن الأعباء أكبر بكثير. تكلفة الدروس الخصوصية وحدها تتجاوز قدرة أي أسرة بلا عائل، وبعض طلاب الجامعات بدأوا العمل بأنفسهم لتوفير مصروفاتهم".
 

قصص صامتة ومعاناة متكررة
الحقوقية أسماء مهاب تصف دخول المدارس بأنه "موسم فقد": "حين يغيب الأب المعتقل، تتحول قائمة المستلزمات إلى كابوس يومي. في الأحياء الشعبية نرى أمهات يعملن ليل نهار، وأطفالاً يذهبون بأحذية مرقعة أو دفاتر قديمة. المأساة ليست فقط مادية، بل نفسية واجتماعية عميقة"، وتضيف: "أحياناً كلمة دعم أو زيارة ودية تخفف أكثر من أي مال".
 

حلول ممكنة.. لكنها تحتاج إرادة
تقترح مهاب مبادرات بسيطة وفعالة: إعادة تدوير الكتب والملابس، مجموعات دعم دراسي تطوعية، وتأمين زي مدرسي سرياً لأبناء المعتقلين، فضلاً عن تقديم دعم نفسي للأمهات والأطفال.

وتختم بقولها: "التعليم حق، والأطفال لا ذنب لهم في أي صراع. بقاء هذه الأسر بلا سند اختبار لقيم المجتمع، فإما أن نتركهم يغرقون في موسم فقد متكرر، أو نعيد إحياء روح التكافل التي طالما ميزت المجتمع المصري".